مقالات وتحليلات (وكالة الصحافة اليمنية)
منذ بدء حقبة ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي بداية تسعينيات القرن الماضي برز الصراع في منطقة ناغورني قره باغ كواحد من الصراعات المستمرة، والقنابل السياسية الموقوتة التي يمكن ان تنفجر في اي لحظة، وعودة مشهد المعارك في الاقليم الواقع بين ارمينيا واذربيجان ينذر بانفجار هذه القنبلة الموقوتة وبشكل كامل هذه المرة لاسباب عديدة..
في العام 1994 تم الاتفاق على وقف القتال في منطقة ناغورني قره باغ، التي تقع داخل الأراضي الأذرية ولكن تعيش فيها أغلبية أرمينية، ويمكن القول ان اذربيجان تفاوضت مع سلطات ناغورني قره باغ كطرف ثالث معها هي وارمينيا، منذ ذلك الوقت شهدت المنطقة مواجهات متقطعة عبر السنوات الست والعشرين الماضية. واندلاع المعارك قبل ايام يعني ان القضية لم تقفل طوال 26 عاما، ويبدو ان النار تقترب من برميل البارود الذي سيطيح بكل التفاهمات.
ولم تكن مجموعة “مينسك” الخاصة بتسوية قضية قره باغ (الولايات المتحدة، روسيا، فرنسا) قادرة أو مستعدة لحل هذه المشكلة خلال ثلاثة عقود وأظهرت عدم فاعليتها، حيث أصبحت هذه المنطقة مكانًا للصراع واختبار القوة بين الجهات الأجنبية، ووقعت مصالح الشعبين الأذربيجاني والأرميني ضحية لهذه التنافسات.
ما يحصل حاليا يتأثر بعوامل اقليمية ودولية عديدة ويحضر في المشهد اكثر من لاعب اقليمي ودولي. وللنظر من مسافة أبعد الى المشهد الحالي لا يمكن استبعاد دور الكيان الاسرائيلي في تجدد هذا الصراع عبر خلق منافسة زائفة وهادفة بين أذربيجان وأرمينيا للاقتراب من هذا الكيان والحصول على صفقات أسلحة، وبالتالي يسعى الاخير وبشكل حثيث إلى إثارة البلبلة وزعزعة الاستقرار في المنطقة المتآخمة لإيران، الامر الذي يمكن اعتباره ضمن النتائج الأولية لإقامة هذا البلدين علاقات دبلوماسية مع الكيان الاسرائيلي.
ما يمكن ملاحظته من التصريحات الصادرة من جانبي الصراع تنذر بوقوع المحظور وهو مواجهة عسكرية شاملة اذا لم يتم تدارك الامور، خاصة وان الطرفين رفعا سقف التعاطي مع المستجدات وبدأت عوامل اثنية وتاريخية تحضر في المشهد بينهما. وانهيار الوضع القائم سيسمح بتداخل عوامل جديدة على الساحة وسيفتح المجال لتدخل اخطر من قبل لاعبين واطراف لها مصالح خاصة لا تتناسب مع استقرار المنطقة. اضافة لذلك هناك مخاطر كبيرة من تحول الصراع الى مشهد مشابه لما عاشته سوريا وليبيا مع امكانية دخول العناصر والجماعات الارهابية على الخط برعاية اجهزة الاستخبارات الاجنبية وبالتالي ستذهب الامور في مسار لا رجعة فيه.
وهنا لا بد لدول المنطقة من التنبه جيدا لاي انزلاق نحو صراع مفتوح لن يستطيع اي طرف انهاؤه بشكل صحيح، وعليه لا بد من التحول سريعا الى المفاوضات بعد وقف لاطلاق النار بمشاركة وسطاء اقليميين لاسيما دول الجوار التي تعتبر معنية اكثر من غيرها بما يحصل لموقعها الجغرافي ودورها الاقليمي. كما يجب ان يلعب المجتمع الدولي دوره في جلب الاطراف المتصارعة الى طاولة المفاوضات.
وبما ان تداعيات اي انهيار للواقع الحالي نتيجة تزايد حدة الصراع في قره باغ ستطال كل الدول في المنطقة، فأصبح من الضروري إرساء وقف إطلاق النار فورا وبدء الحوار بين طرفي الصراع عبر آلية وساطة في إطار مجموعة 3+3 (ايران وروسيا وتركيا بصفتها الدول الثلاثة المجاورة لقوقاز مع دول القوقاز الثلاثة وهي أذربيجان وأرمينيا وجورجيا) التي تجد نفسها في موقع يقتضي منها المساهمة في حل مشكلة المواجهات الاذرية الارمينية، لان هذا السيناريو الوحيد الذي يحفظ استقرار المنطقة.
وهذه المرة لم يعد مقبولا ان يقتصر الامر على وقف لاطلاق النار وتاجيل لحل الازمة، بل المفروض ان تخرج المفاوضات بحل دائم لمشكلة اقليم ناغورني قره باغ، ويجب الاتفاق على طريقة ادارة الاقليم لشؤونه السياسية والادارية وبتوافق كل الاطراف المعنية. وهنا لا بد من الاستفادة من المواقف الدولية المجمعة على ضرورة وقف النار و البدء بالحوار، اضافة الى ان جلسة مجلس الامن حول التطورات الاخيرة تشكل فرصة للوصول الى هذا الهدف.
في خضم التوترات والتداخلات السياسية والامنية والمصلحية لدول واطراف عديدة في المنطقة، هناك محاولات لنقل الصراع الى القوقاز ومن الخطر السماح بذلك، وعلى دول المنطقة ان تبعث رسالة واضحة بانها لن تسمح بذلك، عبر منع وصول الامور بين ارمينيا واذربيجان الى ما يخشى منه، ومنع انفجار القنبلة الموقوتة في توقيت لا يناسب اي دولة في المنطقة.
(حسين الموسوي- العالم)