تشهد محافظة حضرموت، منذ أسابيع، حراكاً شعبياً متصاعداً على خلفية الأداء السيئ للسلطة المحلية الموالية للاحتلال السعودي – الإماراتي. وهو حراك لا تزال السلطة تواجهه بالعنف والقمع، في ظلّ حديث عن خشيتها من اهتزاز «أمان» القاعدة الأميركية – الإماراتية في مطار الريان
بلغ الصراع على السلطة في محافظة حضرموت (شرق) مستوى تَعطّلت معه جميع مناحي الحياة، الأمر الذي صَعّد من حركة الاحتجاجات الشعبية في المحافظة، وتحديداً في مركزها مدينة المكلا، وصولاً إلى العصيان المدني.
هذا التصاعد واجهه محافظ حضرموت، فرج سالمين البحسني، المتّهم بالفساد والتصرّف بالأملاك العامة وفق أهوائه والسعي لإرضاء طرفَي الاحتلال (السعودي والإماراتي)، بالعنف.
إلا أنه لمّا استشعر حراجة الموقف، سارع إلى السفر إلى العاصمة السعودية الرياض، علّه يجد هناك مَن يُخرجه مِن ورطته، وسط معلومات عن استياء قيادات نافذة موالية للرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، من البحسني، لمحاولاته إرضاء أبو ظبي وحلفائها على حساب التوجيهات السياسية لحكومة هادي.
وعلى هذه الخلفية، تسعى القيادات المذكورة إلى إقناع الرئيس المستقيل بإقالة المحافظ وتعيين آخر يكون أكثر ولاءً له.
وكانت المدينة شهدت، في خلال الأسابيع الماضية، احتجاجات شعبية لا تزال متواصلة، بلغت حدّ العصيان المدني، الذي لبّت الدعوةَ إليه قطاعاتٌ واسعة من المدينة، في حين فضّلت قطاعات أخرى التريّث في انتظار ما ستؤول إليه المفاوضات مع السلطة المحلية.
ويأتي تصاعد تلك الاحتجاجات على خلفية فشل السلطة في تأمين احتياجات المواطنين، وإعادة التيار الكهربائي، ووقف الانهيار الحادّ للعملة الوطنية، وتوفير فرص عمل للشباب. مع ذلك، تعاملت السلطة مع مطالب الناس بلامبالاة، وعمدت إلى قمع تحرّكاتهم، وعسكرة الحياة المدنية في المكلا، فضلاً عن ملاحقة الناشطين، والاستخدام المفرط للقوة ضدّ المواطنين العزّل، واعتقال العشرات منهم، وأبرزهم مسؤول «المجلس الثوري للحراك الجنوبي» في المدينة (تيار حسن باعوم) علي بن شحنة، بل بلغ الأمر بها – وفقاً لمصادر مطّلعة – حدّ التنصّت على هواتف الناشطين والتعرّض لكلّ مَن ينتقد الفساد المستشري في مركز المحافظة.
وما زاد الطين بلّة الفعاليات والأنشطة التي شهدتها المدينة رفضاً للتطبيع مع العدو الإسرائيلي، والتي استفزّت رأس السلطة المحلية، الساعي إلى التقرّب من الإمارات في الكثير من الملفات التي لا تزعج السعودية.
ولعلّ من أبرز التهم التي تلاحق المحافظ، الذي هو قائد «المنطقة العسكرية الثانية» في الوقت نفسه، ما يلي:
– الاستيلاء على 60 % من إيرادات الهيئة العامة للشؤون البحرية.
– استيفاء عمولات من شركات النفط، وفرض جمارك وضرائب فوق المقرّر رسمياً.
– تملّك نصف كيلومتر مربّع في أرقى المناطق السياحية في المكلا باسم أولاده وإخوته.
الحراك الشعبي مرشّح للتصاعد في الأيام المقبلة
– التصرّف بالأراضي وتوزيعها لإرضاء الطرفين السعودي والإماراتي، كما فعل بالموافقة على طلب تملّك مجّاني لمستثمر سعودي مساحته 365000 متر مربع قرب مطار الريان، ومنح التصرّف في محميّة طبيعية للسلاحف فيها آثار تاريخية لمستثمر محسوب على الإمارات.
– تحويل إمرة «المنطقة العسكرية الثانية» (شكلياً هي بقيادته) إلى المحتلّ السعودي – الإماراتي.
إزاء تلك الاتّهامات، تعمد السلطة المحلّية إلى رمي المسؤولية على حكومة هادي، وهو ما تفعله، مثلاً، في ملف النفط، حيث تمنع رسوّ البواخر في ميناء الضبة على ساحل حضرموت لنقل النفط الخام الواصل من القطاعات النفطية، ولا سيما قطاع المسيلة في المحافظة، متذرّعة في ذلك بالضغط على حكومة هادي للإيفاء بالتزاماتها في تحسين الخدمات الأساسية، وفي مقدّمتها الكهرباء.
وفي هذا الإطار، تُتّهم «الشرعية» بعدم الإيفاء بالالتزامات الواجبة عليها، خصوصاً لناحية الحصّة المقرّرة للمحافظة بـ20% من موارد العائدات النفطية الصادرة من حضرموت.
وفيما تؤمّن السلطة المحلية الحماية للشركات النفطية والأنابيب، فهي عاجزة عن دفع رواتب الموظّفين الحكوميين، فضلاً عن تشغيل محطات الكهرباء والماء وإكمال البنية التحتية.
وتُحمّل المكوّنات السياسية والاجتماعية والقبلية في المحافظة (مؤتمر حضرموت الجامع والمجلس الأعلى للحراك الثوري الجنوبي – تيار باعوم)، السلطة المحلية، مسؤولية الفشل في معالجة القضايا المعيشية.
وبحسب معلومات حصلت عليها «الأخبار»، فإن الحراك الشعبي مرشّح للتصاعد في خلال الأيام المقبلة.
العين على مطار الريان
وإلى جانب البعد المحلّي لما يدور في حضرموت، فإن للصراع على المحافظة أبعاداً استراتيجية؛ إذ إن حضرموت – وهي الأكبر في اليمن – تكتنز في باطنها موارد نفطية هائلة، فضلاً عن كونها مطمعاً سعودياً دائماً، فيما تعتقد أوساط مطّلعة أن في ما وراء بطش السلطة المحلية بالمحتجّين أخيراً، خشيةً من تأثير حركتهم على «أمان» القاعدة الأميركية في مطار الريان القريب من المكلا.
وكانت وزارة الدفاع الأميركية اعترفت، أواخر عام 2016، بوصول قوات أميركية زعمت أنها «رمزية» إلى القاعدة العسكرية الإماراتية – الأميركية المشتركة التي أنشئت في مطار الريان بذريعة إخراج تنظيم «القاعدة» من المكلا.
مذّاك، تمتلك واشنطن قاعدة عسكرية في المطار، وغرفة عمليات تحت مسمّى «مركز إقليمي لمكافحة الإرهاب» تتكوّن من غرفة عمليات لمراقبة تحرّكات «القاعدة» في المنطقة الشرقية من اليمن، وجهاز استخباري يتعامل مع المصادر البشرية بالتعاون مع ضباط من الإمارات والسعودية.
الاهتمام الأميركي الكبير بحضرموت، وتحديداً بالمكلا ومطار الريان، ترجمته الزيارات المتكرّرة للمسؤولين الأميركيين وسفراء واشنطن في اليمن إلى هناك.
ورُصدت أوّل زيارة للسفير الأميركي السابق، ماثيو تولر، أواخر عام 2017، حيث زار غرفة العمليات العسكرية الأميركية في مطار الريان، ثمّ قام بزيارة أخرى قبيل انتهاء فترة عمله في العام 2018 إلى المكلا، برفقة السفير السعودي محمد آل جابر، للمشاركة في حفل تسليم المحتلّ الإماراتي مهامّ حماية سواحل حضرموت لقوات خفر السواحل.
تلت ذلك زيارة وفد أميركي برئاسة القائم بأعمال السفارة الأميركية لدى اليمن، جنيد منير، ومساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الصراعات ودعم الاستقرار، دينيس ناتالي، المكلا خلال العام 2019.
والعام الماضي، قام السفير الأميركي لدى اليمن حالياً، كريستوفر هنزل، بزيارة المدينة مرّتين، حيث التقى محافظ حضرموت وشارك في اجتماع للقيادات العسكرية والأمنية هناك.