لم تعد الإمارات الدولة الاقتصادية القوية التي كانت تتباهى بوجود كبرى شركات المقاولات والعقارات على أراضيها، حيث بدأ عدد من تلك الشركات الإعلان عن إفلاسها وتسريح موظفيها، وسط علم الدولة ودون تقديم أي دعم لها.
آخر الشركات الإماراتية الكبرى التي أعلنت إفلاسها وتصفية أعمالها كانت شركة “أرابتك القابضة”، وهو ما يعد ضربة قوية جداً للاقتصاد الإماراتي، والقطاع العقاري بشكل خاص.
وتقدمت الشركة الإماراتية للمحكمة المختصة لإعلان إفلاسها وتصفيتها، مع موافقة الجمعية العمومية لها على قيام مجلس الإدارة قبل إشهار الإفلاس بإطلاع أصحاب المصلحة على آثار التصفية خلال مهلة تصل إلى شهرين.
ووصلت خسائر الشركة الإماراتية إلى 794 مليون درهم (216.3 مليون دولار) خلال الأشهر الستة الأولى من 2020، ليقفز إجمالي خسائرها المتراكمة إلى 1.45 مليار درهم، ما يشكل 97.2% من رأسمالها البالغ 1.5 مليار درهم.
الشركة أرجعت أسباب وصول الديون والخسائر لأرقام كبيرة إلى محدودية السيولة في قطاع العقارات والإنشاءات، وهو ما أدى إلى حالات تأخير في العديد من المشاريع، ومن ثم تكبد تكاليف إضافية متصلة بالتأخير.
وبدأت شركة “أرابتك القابضة”، التي أعلنت عن إفلاسها (الأربعاء 30 سبتمبر)، عملها عام 1975، ثم انتقلت إلى العمل في مشاريع النفط والغاز في أبوظبي.
وساهمت الشركة في بناء أبرز وأكبر المشاريع في الإمارات، منها متحف اللوفر أبوظبي، وبرج خليفة في دبي، وفنادق قصر الإمارات، وبرج العرب، والريتز كارلتون، ومطارات دبي ومطار آل مكتوم، والمرابع العربية وتلال الإمارات وJBR.
وسبق أن وقعت الشركة الإماراتية مشروعاً مع السلطات المصرية في (مارس 2014) لبناء مجتمعات سكنية لذوي الدخل المحدود في البلاد، بقيمة أكثر من 40 مليار دولار، ولكن بعد إعلان إفلاسها لم يعرف بعد مصير ذلك المشروع الذي روج له الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بشكل كبير.
أرابتك ليست الأخيرة
الخبير الاقتصادي عبد الواحد العوبلي، قال إن التداعيات التي فرضتها جائحة كورونا على قطاع الإنشاءات أتت على آخر آمال الشركة الإماراتية، مشيراً إلى أنها لم تكن الوحيدة التي وصلت إلى هذه النهاية؛ فهناك كثير من الشركات التي تواجه نفس المصير بسبب تردي اقتصاد الإمارة.
وفي تصريح لـ”الخليج أونلاين”، أوضح العوبلي أن انخفاض الطلب على شراء عقارات دبي لم يكن فقط بسبب تدهور الاقتصاد، وإنما أيضاً بسبب المبالغة في أسعار هذه العقارات والتي لا تعبر عن القيمة الحقيقية للأصول.
هذا الانخفاض على الطلب، يضيف العوبلي، أثر على إنتاجية مصانع الأسمنت والقطاعات المتعلقة بها، وعلى اقتصاد دبي عموماً، في تكرار لما حدث خلال أزمة الرهن العقاري التي شهدتها الولايات المتحدة عام 2007.
وتابع: “خلال أزمة الرهن العقاري في أمريكا التي امتدت لاحقاً إلى معظم اقتصادات العالم، كانت دبي من أكثر المتأثرين بها، ولولا تدخل إمارة أبوظبي وضخ سيولة لإنقاذها لما كانت دبي استمرت من الأساس”.
ويشير الخبير الاقتصادي إلى أنه كان من المتوقع أن تتوقف 70٪ من شركات دبي في غضون ستة أشهر بسبب الجائحة؛ بحكم أن دبي تعتمد كثيراً على السياحة، وزارها 16.73 مليون سائح في 2019 وكان من المخطط أن يصل الرقم إلى 20 مليون سائح في العام 2020.
لكن أزمة كورونا، بحسب العوبلي، خفّضت الرقم بأكثر من 70%، خصوصاً من الزوار القادمين من السعودية وبريطانيا.
كما أن انخفاض حركة التجارة وفضيحة الملياردير الهندي بي آر شيتي، الذي حصل على نحو 6.6 مليارات دولار من 12 بنكاً إماراتياً وعرضها للإفلاس، تسببا في هزة اقتصادية كبيرة أثرت على سمعة المؤسسات المالية في الإمارات وقدرتها الائتمانية، بحسب العوبلي.
وخلص المحلل الاقتصادي إلى أن الأمر في النهاية “يتعلق بقدرة إمارة أبوظبي على دعم دبي كما حدث في 2009، مع الأخذ في الحسبان أن أبوظبي خسرت الكثير من الإيرادات بسبب انخفاض أسعار النفط العالمية، وتورطها في تمويل صراعات وحروب في المنطقة، وهو ما يضغط على ميزانيتها ويحد من قدرتها على حل مشاكل شقيقتها الاقتصادية.
شركات تعاني
وسبق شركة “أرابتك القابضة” في إعلان الإفلاس شركة الاستثمار المباشر أبراج، العام الماضي، إضافة إلى وجود عشرات الشركات المتعثرة في الإمارات، أبرزها “إن.إم.سي هيلث” (NMC) وشركاتها التابعة، وهي الإمارات للصرافة، ومجموعة فينابلر لحلول الدفع.
كذلك، أعلنت داماك العقارية، إحدى شركات التطوير العقاري في دبي والشرق الأوسط، انخفاض صافي الربح 94% على أساس سنوي في الربع الأول من العام، لتحقق الشركة أقل ربح منذ طرح أسهمها في 2015، متضررة من تراجع السوق العقارية في دبي، وفق ما ذكرته وكالة “رويترز”.
وشمل الانخفاض الكبير في الأرباح عدداً آخر من الشركات الإماراتية في قطاع العقارات والإنشاءات؛ مثل “إعمار للتطوير”، و”ديار للتطوير العقاري”، و”رأس الخيمة العقارية”، وشركات أخرى.
وأمام إفلاس الشركات الإماراتية وانهيارها، سارع الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، في ديسمبر الماضي، إلى إصدار مرسوم بقانون اتحادي رقم 23 لسنة 2019، يضمن تعديل بعض أحكام قانون الإفلاس المعمول به حالياً، رقم 9 لسنة 2016.
وشملت التعديلات بنوداً في 34 مادة، جاءت في مجملها لتسهيل الإجراءات، وضمان حقوق الدائنين والموظفين، وكذلك الحفاظ على استمرارية عمل المدين، وعدم الإضرار به، وإعطاء فرصة أكبر للمشروعات المتعثرة.
وتضمنت أهم التعديلات منح الدائنين أصحاب الديون المضمونة برهن أحقية التنفيذ على ضماناتهم، متى كانت ديونهم مستحقة، بشرط أن تتأكد المحكمة من عدم وجود تواطؤ بين المدين، وأيٍّ من الدائنين الذين لديهم ضمانات.
ولم يستطع الدعم المالي الذي أعلنه عبد العزيز الغرير، رئيس مجلس إدارة اتحاد مصارف الإمارات، في أبريل الماضي، حماية الشركات الإماراتية من الإفلاس والسقوط.
وسبق أن أعلن الغرير تخصيص المصرف المركزي حزمة غير مسبوقة بـ 256 مليار درهم (69 مليار دولار) لدعم الشركات والأفراد الذين تأثروا بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد.
وشملت الحزمة 205 مليارات درهم (55 مليار دولار) كدعم سيولة من خلال تحرير متطلبات البنك المركزي، و50 مليار درهم (13 مليار دولار) دعماً للأفراد والشركات المتعثرة بسبب كورونا، ولكنها لم تحمِ أقوى الشركات الإماراتية من الإفلاس.
أرقام مخيبة
وإلى جانب إفلاس الشركات الإماراتية الكبرى، تعكس الأرقام التي تتداولها الشركات العالمية حول تلك الدولة الخليجية مدى صعوبة أوضاعها الاقتصادية، خاصة مع انهيار أسعار النفط، واستمرار جائحة فيروس كورونا المستجد.
وخلال الفترة الأخيرة، أصدرت حكومات الإمارات والكيانات المرتبطة بها ديوناً بقيمة 24.5 مليار دولار مؤهلة على مؤشر “جي بي مورغان” لسندات الأسواق الناشئة، وفق البنك الاستثماري الأمريكي متعدد الجنسيات “مورغان ستانلي”.
وتجعل تلك الديون حكومات الإمارات والكيانات المرتبطة بها ، وفق تقرير للبنك نشره الاثنين (15 سبتمبر الماضي)، الأكبر بفارق كبير بين الديون السيادية المدرجة على المؤشر.
البنك الاستثماري أكد أيضاً أن الديون المؤهلة على المؤشر والصادرة عن الحكومات والشركات في الإمارات تتخطى بفارق كبيرٍ حكومات عدة، مثل إندونيسيا التي أصدرت ديوناً بقيمة 16.3 مليار دولار، والمكسيك بديون بلغت 14.5 مليار دولار.
كذلك، تراجعت الأصول الاحتياطية من النقد الأجنبي في الإمارات إلى 96 مليار دولار، بعد أن كانت قد بلغت 110 مليارات دولار في شهر مارس الماضي، ما يعني أن الإمارات فقدت نحو 14 مليار دولار بسبب تداعيات جائحة كورونا.
كما يتوقع البنك الدولي أن ينكمش اقتصاد الإمارات بنسبة 4.3%، فيما توقع مصرف الإمارات المركزي انكماش اقتصاد البلاد 3.6% لهذا العام.