تقرير: مرزاح العسل//
اليوم الثاني من نوفمبر، هو يوماً ليس عادياً لدى الفلسطينيين فهو يمثل ذكرى النكبة الـ103 على مرور “وعد بلفور” المشئوم، الذي منحت بموجبه بريطانيا الحق لليهود الصهاينة في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين، بناء على مقولتها المزيفة (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض).
وتأتي ذكرى “وعد بلفور” هذا العام، والذي قوبل برفض الأمة العربية والإسلامية، وسط تزايد المخاطر التي تتعرض لها القضية الفلسطينية وتهدد بتصفيتها، وبالوقت الذي تهرول فيه بعض الدول العربية إلى الاعتراف بالكيان الصهيوني وتطبيع علاقاتها معه بدعم من الإدارة الأمريكية، وفي ظل شعور ب”الخذلان والخيانة” لقضيتهم.
وفي ظل تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية، خاصة مع إعلان دول عربية تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، دون انسحاب الأخيرة من الأراضي التي احتلتها عام 1967.. كانت القيادة الفلسطينية تعوّل في إقامة دولتها المستقلة على تنفيذ المبادرة العربية لعام 2002، التي تربط “تطبيع العلاقات” مع الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
هذا الوعد المشئوم كان بمثابة الخطوة الأولى للدول الغربية على طريق إقامة كيان لليهود على أرض فلسطين؛ استجابة مع رغبات الصهيونية العالمية على حساب شعب متجذر تاريخياً في هذه الأرض منذ آلاف السنين.
وفي كل عام تأتي ذكرى صدور وعد بلفور لتذكر الفلسطينيين والعرب والعالم أجمع بأبشع جريمة وقعت في التاريخ البشري، وهي منح تصريح لشريحة بشرية غير مثبت أصولها بالقيام بسرقة ونهب فلسطين من سكانها الأصليين على مرأى ومشهد ومسمع الشرعية الدولية.
ومثلما جاء “وعد بلفور”، جاء “وعد ترامب المشؤوم”، الذي ينكر وجود الشعب الفلسطيني، ويلغي الحقائق والتاريخ والجغرافيا، ويتعامل مع الشعب الفلسطيني كـ(مجموعة سكانية) وجدت بالصدفة”.
ومنذ وعد بلفور، لم تتوقف المؤامرات والمخططات الساعية إلى تصفية القضية الفلسطينية، وتذويبها، وإنكار الحق الفلسطيني في أرضه، والتي كانت “صفقة القرن” التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب آخر فصولها.. وهي خطة سياسية أعلنها بداية العام الجاري، تهدد بتصفية القضية الفلسطينية، إذ تضغط على الفلسطينيين للتنازل عن حقوقهم، التي أقرّتها قرارات الشرعية الدولية.
وبهذه المناسبة الأليمة دعا رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني بالإنابة أحمد بحر إلى إعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني وإرساء إستراتيجية فلسطينية موحدة في مواجهة آثار وعد بلفور وصفقة القرن والتطبيع وكل المخططات التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية.
وأكد بحر في بيان صحفي اليوم: أن وعد بلفور شكل بداية التآمر الدولي على القضية الفلسطينية، وفاتحة المخططات التي كادت من خلالها دول الغرب وأذنابها العرب للمساس بالشعب الفلسطيني وإنهاء الوجود الفلسطيني على الأرض الفلسطينية.
وأشار إلى أن وعد بلفور وآثاره وتداعياته التي لحقت بالقضية الفلسطينية تشكل القاعدة الأساسية التي مهدت لانطلاق كل مخططات تصفية القضية الفلسطينية، والتي كان آخرها صفقة القرن واتفاقيات التطبيع مع كيان الاحتلال.
ودعا بحر إلى تشكيل فريق سياسي وقانوني يتألف من خبراء في القانون الدولي والإنساني لرفع دعاوى على بريطانيا في مختلف المحافل المحلية والإقليمية والدولية بهدف تحميلها مسؤولية الظلم التاريخي والنكبات التي ألمت بالشعب الفلسطيني جراء وعد بلفور وإلزامها بالاعتذار الرسمي وتقديم كل أشكال التعويض السياسي والمالي والاقتصادي لشعبنا.
وأصدرت فصائل المقاومة الفلسطينية بيانات منفصلة أكدت فيها على التمسك بكامل الحقوق الفلسطينية، وحق العودة، ورفض كل أشكال التطبيع من قبل بعض الدول العربية مع “إسرائيل”.
واعتبرت حركتا حماس والجهاد الإسلامي، أن وعد بلفور المشؤوم شكل “خطيئة كبيرة” وأسس “لمأساة القرن” بحق الشعب الفلسطيني الذي تحمل الكثير من الظلم والعدوان نتيجة لهذا الوعد.
وقالت حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، في بيان لها اليوم، على لسان متحدثها الرسمي عبداللطيف القانوع: إن “ذكرى وعد بلفور، تأتي هذا العام في ظل مرحلة فارقة في تاريخ قضيتنا الفلسطينية، تشهد هجمة شرسة من قبل الإدارة الأمريكية والاحتلال الصهيوني لتصفية القضية”.
وأوضح أن “وعد بلفور لم يستطع أن يمنح بنفسه الاحتلال الشرعية على أرضنا، ولم يتمكن من تصفية حقوقنا وسلب إرادتنا وكسر معنوياتنا”.. مشددا على أن “صفقة القرن أيضا لن تسقط حقوق شعبنا الفلسطيني”.
ولفت القانوع، إلى أن “محاولات التطبيع وهرولة بعض الأنظمة العربية للتطبيع، من أجل شرعنة الاحتلال على أرضنا، أيضا لن تسقط حقوق شعبنا بالتقادم”.. مؤكدا أن “كل مشاريع تصفية القضية الفلسطينية وشرعنة الاحتلال على أرض فلسطين، ستبوء بالفشل، فشعبنا أنفاسه طويلة، وهو متقدم في مواجهة الاحتلال وسيواصل نضاله حتى التحرير”.
ووصف محاولات دمج الاحتلال بالمنطقة العربية والتطبيع معه بأنها “جريمة وهي امتداد لجريمة وعد بلفور الكبرى، وطعنته الكبرى لشعبنا الفلسطيني”.
فيما أكدت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، في بيان لها على لسان داود شهاب، اليوم، أن “هناك تقاعسا رسميا عربيا غير مسبوق عن نصرة القضية الفلسطينية، وصل حد أن تقوم بعض الدول العربية بتوجيه طعنة في الظهر للقضية الفلسطينية من خلال إقامة علاقات تحالف مع الاحتلال الإسرائيلي؛ وهذا هو التحدي الأخطر أمام الشعب الفلسطيني الذي يترك الآن وحيدا في مواجهة الشر والإرهاب الصهيوني”.
وأشار إلى أنه “لم تعد المنظمات والهيئات الرسمية العربية تكتفي بصمتها، بل هي اليوم تعبر عن مواقف علنية مساندة للتطبيع ومشجعة لتخلي الأنظمة العربية عن فلسطين”.
وأوضح شهاب، أن “ما قامت به دول عربية مثل الإمارات والبحرين والسودان من تطبيع مع الاحتلال، يمثل تهديدا أشد من تصريح وزير خارجية بريطانيا قبل نحو 103 سنوات”.
إلى ذلك أكدت حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح”، على لسان متحدثها إياد نصر، أن “كل ما مر به شعبنا من معاناة هو نتاج هذا الوعد المشؤوم”.
وقال إن “السلوك الاستعماري الاستيطاني لم يتوقف عند هذا الوعد، فكل يوم هناك مؤامرات تستهدف قضيتنا وحقوق شعبنا المشروعة”.. مضيفا إن “أملنا الوحيد هو في ثبات وصمود الإرادة الفلسطينية الصلبة، التي تتحطم عليها كل هذه المؤامرات”.
وشدد نصر، على أن “شعبنا مستمر في نضاله حتى نيل حقوقه الشرعية وإقامة دولتنا المستقلة في حدود الرابع من يونيو عام 1967، وعاصمتها القدس”.
واعتبر أن “حالة الانحراف التي يعيشها العالم العربي اليوم، وخروج بعض الدول العربية عن المسار وهرولتها للتطبيع مع الاحتلال، هي استمرار لسياسة وبرنامج وعد بلفور”.. قائلاً إنه “رغم ذلك، ما زلنا نؤمن أن ظهيرنا العربي سيبقى إلى جوارنا، وأن الدول العربية ما زال فيها الخير، وستكون مع شعبنا في صون حقوقه وإقامة دولته”، بحسب رأيه.
إلى ذلك قال بيان سياسي صادر عن جبهة التحرير العربية في ذكرى وعد بلفور: إن “وعد بلفور يتجدد مع ترامب فيما سمي بصفقة القرن, وهي باختصار إنهاء كافة قضايا الحل النهائي للقضية الفلسطينية”.
واعتبر مراقبون فلسطينيون أن خطة ترامب تتقاطع مع وعد “بلفور”، من ناحية أهدافها القائمة على إضاعة الحقوق الفلسطينية.
من جهته، قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، رئيس دائرة شؤون اللاجئين، أحمد أبوهولي، إن القيادة الفلسطينية لن تسمح بتمرير صفقة القرن الأمريكية، وستواجه قرارات الضم الإسرائيلية والتهويد والاستيطان، ولن تستسلم للضغوط الإسرائيلية والأمريكية، ولسياسة الأمر الواقع التي تفرضها حكومة الاحتلال الإسرائيلي لتمرير مخططها في إنهاء الوجود الفلسطيني.
وأكد أن الشعب الفلسطيني سيواصل نضاله المشروع ومقاومته الشعبية في كل المجالات ضد “صفقة القرن” الأميركية والمشاريع التصفوية التي تستهدف حقوقه وثوابته الوطنية، وسيحبط كل المؤامرات.. قائلاً: إن “ما أقدمت بريطانيا على تمريره قبل 103 أعوام عبر “وعد بلفور” لن يستكمل على أيدي الإدارة الأمريكية عبر “صفقة القرن”ـ. وسيدافع شعبنا عن قراره الوطني المستقل مهما كانت الأثمان”.
وطالب “أبو هولي” بريطانيا بـ”الاعتذار” للشعب الفلسطيني عن الوعد، والاعتراف بدولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام 67 بعاصمتها القدس، وتحمل مسؤولياتها تجاه الشعب الفلسطيني، ونصرة قضيته العادلة، باعتبارها الدولة الأولى المسئولة عن مأساته، تعويضا عن جريمتها التي ما زالت تداعياتها قائمة.
إلى ذلك أكدت فصائل وشخصيات فلسطينية، على أن المشاريع الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية وشرعنة الاحتلال على أرض فلسطين، وأبزرها “التطبيع” و”صفقة القرن” هي امتداد لـ”وعد بلفور المشؤوم”.. مشددين في ذات الوقت على أنها “ستبوء بالفشل”.
من جهته قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واصل أبويوسف: إن “وعد بلفور المشئوم، أسس لما جرى بعد ذلك من إقامة “إسرائيل” على حساب فلسطين التاريخية، واقتلاع شعبنا من خلال المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية، ليتم تشريده إلى المنافي والشتات”.
وأكد أبويوسف، أن “وعد بلفور ما زال مستمرا حتى يومنا هذا، من خلال المؤامرات التي تهدف لشطب قضيتنا، وخاصة ما صدر عن الإدارة الأمريكية الحالية، من نقل السفارة إلى القدس والاعتراف بالمدينة المقدسة عاصمة للاحتلال ومحاولة تمرير صفقة القرن، إضافة إلى تصعيد الاحتلال الذي يستفيد من التحالف الصهيوأمريكي بتثبيت الوقائع على الأرض، التي ستحول دون إقامة دولة فلسطينية”.
وأعلنت “لجان المقاومة” في فلسطين، أن وعد بلفور “يكشف الوجه التآمري والإجرامي للدول الغربية”، وأن فلسطين وشعبها “حقيقة ثابتة في الوجود”، فيما كل محاولات المطبعين “ستبقى وهماً وسراباً، ولن تضفي أي شرعية على كيان العدو المجرم”.
واستذكرت الأمانة العامة للمؤتمر العام للأحزاب العربية، في بيان، وعد بلفور في 2 نوفمبر 1917، الذي وصفته ب”المشئوم”.. لافتة إلى أن “مئويته تتزامن مع وعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب للصهاينة ومنحهم القدس وأراضي عربية محتلة، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس وتهويدها ضمن صفقة القرن، والتطبيع مع بعض الدول العربية والخليجية الجاري حاليا.. ومن وعد بلفور إلى وعد ترامب المشئومين، الجريمة واحدة والمقاومة مستمرة”.
من جهتها وعلى استحياء جددت جامعة الدول العربية، في ذكرى وعد بلفور مطالبتها بتصحيح هذا الخطأ التاريخي، وطالبت بريطانيا بالاعتراف بالدولة الفلسطينية وبهذا الظُلم التاريخي الذي تسببت فيه دعماً للسلام وفق رؤية حل الدولتين والضغط على إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال، لوقف جرائمها وانتهاكاتها المُـتواصلة ووقف آلة الحرب والعدوان وإنهاء احتلالها لأرض الدولة الفلسطينية.
وأكدت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في بيان لها اليوم بمناسبة الذكرى الـ103 لوعد بلفور، على أن السلام الشامل والعادل والدائم له طريق واحد وهو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لكافة الأراضي الفلسطينية والعربية المُحتلة منذ عام 1967، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية وفقاً لمُقررات الشرعية الدولية ومُبادرة السلام العربية.
وأضاف البيان، إن هذا التصريح الباطل الذي أصدره من لا يملك لمن لا يستحق يبقى جُرحاً غائراً في الضمير الإنساني لما تسبب به من نكبة الشعب الفلسطيني واستمرار حرمانه من حقوقه المشروعة غير القابلة للتصرف وفي مُقدمتها إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية المُستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية.
رسالة وعد بلفور:
بتاريخ 2 نوفمبر 1917، بعث وزير خارجية بريطانيا آنذاك جيمس بلفور، برسالة عُرفت فيما بعد باسم “وعد بلفور”، إلى اللورد ليونيل والتر روتشيلد، أحد زعماء الحركة الصهيونية، وجاء في نص الرسالة أن “حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل عظيم جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية”.
وزعم بلفور في رسالته، أن بريطانيا ستحافظ على حقوق القوميات الأخرى المقيمة في فلسطين، وهو ما لم تلتزمه.. وتزامن الوعد مع احتلال بريطانيا كامل أراضي فلسطين التاريخية، خلال الحرب العالمية الأولى.
وبعد مرور عام أعلنت إيطاليا وفرنسا موافقتهما عليه، لتتبعها موافقة أمريكية رسمية عام 1919، ثم لحقت اليابان بالركب في العام نفسه.. وخلال فترة الاحتلال البريطاني لفلسطين (1917-1948)، عملت لندن على استجلاب اليهود من جميع دول العالم وتنظيمهم وتقديم الدعم لهم، لتأسيس دولة إسرائيل.
وكان من أهم أهداف بريطانيا من وراء “وعد بلفور” آنذاك، إنجاح مشروعها الاستعماري في الشرق الأوسط.
وبدل أن تعتذر بريطانيا عن آثار وانعكاسات هذا الوعد المشئوم على الشعب الفلسطيني، من نكبة وويلات وتهجير، دافعت عنه، قائلة إنها “راضية عن الدور الذي قامت به لمساعدة إسرائيل على الوجود”.
وكان هذا الوعد الأساس الذي أنشأت بموجبه دولة “إسرائيل” على أرض فلسطين التاريخية، وتسبب في تشريد جماهير الشعب الفلسطيني، وعدم تمكنه من تأسيس دولته المستقلة حتى الآن.. وسهل الانتداب البريطاني لفلسطين نهاية الحرب العالمية الأولى عملية تحويل فلسطين إلى “وطن قومي” لليهود، حيث بدأ البريطانيون بتطبيق “وعد بلفور” من اللحظة الأولى لوصول قواتهم إلى القدس، بتسهيل الهجرة لليهود الأوروبيين إلى فلسطين.
ولا تزال تبعات هذا الوعد الكارثية تلاحق الفلسطينيين على كل شبر من وطنهم وفي الشتات أيضا، في ظل الدعم الأمريكي وصفقات تطبيع حكومات عربية مع الاحتلال، ما يزيد من شعور الفلسطينيين ب”المرارة والخذلان” وخصوصاً من قبل العرب المطبعين.
…………………………………………………………………………………….
المصدر: وكالة الأنباء اليمنية “سبأ”