إستطلاع / رشيد البروي // وكالة الصحافة اليمنية //
على أبواب “يوتيوب” يهرع العشرات من نجوم البث المباشر اليمنيين ” اليوتيوبريين ” عارضين بضاعتاهم الهزلية والهابطة على حساب الهوية اليمنية والثقافة والقيم والعادات والتقاليد الاجتماعية، ومع تزايد الساعين للشهرة والنجومية على تلك المنصة الإعلامية الشهيرة، خفتت أصوات الناشطين في النقد، وعجزت الصحف والجرائد وكل وسائل الاعلام المختلفة عن تقييم وتشخيص وترشيد تلك الشخصيات وما تقدمه من محتوى فادح التأثير على وعي وثقافة وفكر كل الشرائح والفئات اليمنية المنكبة على مقاطع الفيديو الفارغة من أي محتوى إيجابي قد يسهم في تنمية وعي المتلقي.
في هذا الصدد استطلعت “وكالة الصحافة اليمنية” أراء عدد من الناشطين الإعلاميين والكتاب البارزين لقراءة رؤيتهم النقدية البناءة ونقل رثائهم الثقافي والمعرفي للساحة اليمنية المكتظة بـ نجوم البث المرئي “اليوتيوبرية” في الداخل والخارج.
نجوم البث إلى أين ..؟
استطاع اليوتيوب أن يخلق نجوما معروفين ومشهورين ضمن هذا العالم، يتنافسون ويحققون انتشارا، ويتلقون مبالغًا مالية كلما حققوا مزيدا من الانتشار والشهرة، وتُعتبر الكوميديا والفن والرياضة والتعليم هي الفئات الأكثر شعبية في العالم بأكملة إلا في بلادنا اليمن فأن اكبر “اليوتيوبريين” لا يخرجون من قوقعة الغناء الهابط والشعر الركيك والكوميديا الساخرة الجوفاء والثرثرة بمواضيع مستفزة للمجتمع اليمني عقائديا وسياسيا واخلاقيا.
إذا كُنت عاطلا عن العمل ولا تجيد أي حرفة او مهنة تدر عليك رزقك، فما عليك إلا فتح قناة علي “يوتيوب”، وإذا أردت أن تصير شهيرا بين أبناء مجتمعك فما عليك سوى الهروب إلى “يوتيوب” وإذا ما طمحت إلى أن تكون ناشطا شهيرا وحتى شاعرا ومهرجا معروفا فما عليك سوى صقل لسانك وإتقان نقل الثرثرة الفارغة المحتوى والمضمون، وطلب الاشتراك وتفعيل زر الجرس.؟!
يقول الكاتب والإعلامي علي بن علي صلاح : “في الآونة الاخيرة ازداد اليوتيوبريون اليمنيون ومعظم هؤلاء بضاعة فاسدة كل يدلي بدلوه المتسخ لا يحملون رسالة او فكر هادف وانا على ثقة، أن ما دعاهم لفتح قنوات في اليوتيوب هو الفراغ والبطالة وشجعهم في ذلك من سبقهم من نظرائهم وحازوا على أعلى نسبة مشاهده لتدر لهم بالمال”
يضيف صلاح : انت بحاجة لان تكون واثقا من نفسك وتقف امام الكاميرا فقط، لست بحاجة لنقل فكرة قوية أو محتوى بناء وهادف ولست بحاجة لان تكون وسيما وذا مظهرا لائقا، هُناك عاملين يتقوقع فيهما “اليوتيوبريين” اليمنيين، وهما استفزاز المجتمع بمواضيع تفاهة تطعن في ثقافتهم وهويتهم، أو الغناء والتقليد وقول الشعر الهزلي.
أما الباحث السياسي والكاتب الصحفي محمد ناجي احمد فقد قال في حديثه لـ”وكالة الصحافة اليمنية”: بشكل عام أستطيع القول بأن ما شاهدته من نماذج للبث في اليوتيوب يعكس رغيا شفاهيا ضحلا، وهذا جزء من وظيفة وأهداف مواقع التواصل أي تكريس المشافهات من خلال ترميز وخلق نجوم بوعي ثقافي سطحي، مما يعزز من توسيع دائرة التجهيل ولغه الانحطاط والسفه، وتجريف الوعي السياسي ..إنه زمن الشعبويين وضحالة ما يبثونه في اليتيوب في الشأن السياسي والاجتماعي والاقتصادي”.
فيما ذهب الناشط “عبد الرحمن دماج” قائلا: “لن يشتهر أي يوتيوبر يمني مالم يُشّهر ببلادة اليمن، فاليوتيوبرين اليمنيين يعكسوا نظرة غير لائقة لليمن، فما رأيت مشهور يمني يحمل الثقافة والوعي الكافي”.
اما صلاح فختم في تصريحهِ محملا ادارة اليوتيوب المسئولية تجاه هذا العبث والاستخفاف، متسائلا اين سياسة القناة ومعايير المحتوى بالقول: “أليس من المفروض عندما ترى يوتيوبر يسب ويشتم ويخرج عن إطار الأدب والاخلاق أن تلغي عليه القناة، وعلاوة على ذلك يجب على الناشطين أن ينتقدوا مثل هذه الترهات وأن يوجوهوا رسالات نارية لأصحاب هؤلاء القنوات من اجل ان نصحح المسار ونرتقي بفكر ووعي المشاهد .. ومن اجل ايضا ان ننقل صورة جيدة لخارج اليمن أننا شعب واعي وعلى مستوى من الثقافة والوعي.”
محتوى اليوتيوبر اليمني وأبعاده
لعل الحديث عن التأثير الاجتماعي الذي يحظى به موقع يوتيوب يتجاوز حدودا محصورة في مكان أو زمان، لأن شمولية المحتوى الذي يتضمنه يجعله قادرا على مخاطبة مختلف الطبقات والشرائح الاجتماعية مهما تنوعت واختلفت توجهاتها، لكن يظل المحتوى الفني هو الأكثر حضورا وتأثيرا، وعلى الصعيد العربي تصدر المصريون على الساحة العربية في نقل المحتويات الهادفة التي تنعكس على المجتمعات تعليميا وفكريا واخلاقيا.
فهذا الصحفي محمد الحمودي يقول : “رسائل اليوتيوبريين اما ان تكون شتيمة للمقدسات، أو طعن في اعراض الناس واحيانا تبادل الشتيمة فيما بينهم على مرئى ومسمع ونقل المخلفات الفكرية واللفظية لا اكثر، في حين يتصدر المصريون عالم اليوتيوب العربي لأن قنواتهم”مفيدة” تجيبلهم متابعات وفلوس بالهبل، قنوات تسويق وقنوات رياضية وقنوات تعليم لغات، وقنوات تعليمة في كل المجالات، وكذلك يصنف المغاربة والتوانسة بالدرجة الثانية بعد المصريين”.
دكتورة الاعلام اليمني في جامعة صنعاء “سامية الاغبري” ترى في حديثها مع “وكالة الصحافة اليمنية” أن اليوتيوب وسيلة اتصال حديثة ومهمة ولكنها تضج بالفيديوهات المفبركة والكاذبة والدعائية والفاضحة اخلاقيا والمدمرة نفسيا والتي لا تراعي اي قيم انسانية”.. حد توصيفها.
وأضافت الأغبري: أصبح من هب ودب ينشر فيديوهات اختلط فيها الحابل بالنابل فمثلا ستجد من يقدم نصائح للعلاج بالاعشاب وكأنه طبيب متخصص في الطب البديل وهو لا يفقه شيئا ويدعي ان بعض الاعشاب باستخدامها لفترة بسيطة ستخلصك من المرض المستعصي نهائيا وذلك ليكسب لاياكات ويزيد رصيده.. ومن يعمل دعاية لشركات طبية او شركات لأدوات رياضية وغيرها، تتضارب المعلومات التي تصلنا من خلال اليوتيوب لحد التناقض مما يجعل المتابع في حيرة من امره.
في ذات السياق يقول مدير إذاعة صوت الشعب “أحمد المختفي” لـ”وكالة الصحافة اليمنية” : لاشك ان اقتحام مجال اليوتيوبر في اليمن كان شيئا مرحبا به وبقوة كونه يعتبر نافذة للتعبير بشكل فني خاص وقريب من القلب هو الصوت والصورة والحقيقة ان المتابع لمجتمع اليوتيوبرز اليمني يحس بالحسرة والألم للهبوط الكبير في المحتوى المقدم الا ما رحم ربي بدءا من المسمى الخاص بصاحب القناة على اليوتيوب والتي تثير الدهشة والاستغراب على سبيل المثال “روتي مشحوط ” أو “عصيد يمني” او غيرها فضلا عن المحتوى المسف في أغلبه الذي يعتمد الاضحاك المبتذل والقاء النكات والهزليات.
بين التجهيل الممنهج وغياب التقييم والترشيد
الجمهور المتلقي لكل ذلك الضخ الإعلامي من المنصات المتعددة ومنها على وجهه الخصوص “يوتيوب” هو السوق المستهدف لكل تلك البضائع التجهيلية من قبل الموردين الهزليين، وغياب الوعي والثقافة والترشيد من النخبة المتعلمة للجمهور ساهم في خلق تجهيل كبير جعل اليوتيوبر والمشاهد وجهان لعملة واحدة.
وحتى تقيس ثقافة الشباب اليمني اليوم ما عليك سوى أن تقرأ أي تعليق أدرج في أي مقطع كان على اليوتيوب لترى نوعا من الانحدار الفكري الذي يندى له الجبين، ليس هذا فحسب بل تستطيع ان تقيم تعداد المشاهدين لكل مقطع فيديو هزلي مقارنة بمقطع آخر لدكتور يمني ينقل معلومات قيمة أو ما شابه ذلك.
يقول “المختفي” لست ضد الكوميديا ان تم توظيفها في سياق درامي يخدم الهدف لكن أن يكون لمجرد الاضحاك دون أي رسالة وبطريقة مبتذلة فهذا ما يحزن القلب، مع ان هناك من يقدمون مواضيع إيجابية إلا ان شعبيتهم قليلة وجمهورهم أٌقل وهذا إن دل على شيء فهو تأكيد على مستوى الانحدار في السلوكيات والقيم التي كانت تحكم المجتمع اليمني كنتاج للانفتاح الزائد غير المدروس والتخلي عن الاخلاق والعادات القيمة التي كانت تضبط المجتمع، والمحتوى الجيد سيفرض نفسه ولو بعد حين أما المحتوى الخالي من المضمون بكل تأكيد ينساه الناس لأنه اساسا بلا قيمة.
الباحث الاجتماعي”سمير العلفي” يرى أن الواقع المعاش في المجتمع اليمني هو ما سبب ظهور مثل تلك الشخصيات حيث لا يوجد يوتيوبريين في المجالات الأخرى المتعددة كـ الهندسة والطب والاقتصاد والتعليم، ما جعل الجمهور يسرفون اوقاتهم في متابعة الضحك بغض النظر عن مصدره الفارغ.
ويضيف العلفي قائلا : يجب الدفع بمعظم المواهب لدينا و دعمهم لأنشاء قنوات على اليوتيوب و تقديم محتوى ذو ذوق رفيع ويعكس اعراف و تقاليد وطننا الحبيب و تحصل هذه المواهب على تسهيلات لتقديم كل ما هو فريد و منافس بصوره هادفه و مدروسة، وأتمنى تشكيل لجان الكترونية تتابع كل محتوى يسيء لنا و تقديم البلاغات لإدارة اليوتيوب لكي يتم حذف هذا المحتوى المسيء او حتى حذف القنوات الهابطة على اليوتيوب.