عندما زار محمد بن سلمان بريطانيا في بداية شهر آذار الماضي، كانت في استقباله مظاهرات شعبية غير مسبوقة تُطالبه بوقف الحرب على اليمن واعتبرته مجرم حرب، وطالبت المعارضة والمنظمات الحقوقية، الحكومة البريطانية، بوقف تصدير السلاح البريطاني الى السعودية قبل وقف العدوان على اليمن، ورغم ذلك، أبرمت رئيسة الوزراء تيريزا ماي مع بن سلمان اتفاقيات ناهزت المئة مليار دولار، وهذا أمر طبيعي أن تُقدِم عليه بريطانيا، لأنها منذ إعلان انسحابها من الإتحاد الأوروبي تبحث عن أسواق للتبادل التجاري، وتجارة الأسلحة بشكلٍ خاص، لا أسواق لها إلَّا في أماكن الصراعات، ولدى الأنظمة الغنيَّة التي تُشعِل حروب الشرق الأوسط.
مُجمل التحليلات السياسية اعتبرت أن زيارة بن سلمان أنتجت صفقات لمصلحة بريطانيا ليس فقط مادياً، بل سياسياً أيضاً لإعطاء بريطانياً دفعاً معنوياً في مفاوضات الخروج من الإتحاد، وأن بن سلمان بدوره، اشترى بموجب هذه الصفقات رضا التاج البريطاني عليه في طريقه الى التاج السعودي، خاصة أن أشرس المُعارضين السعوديين للنظام الحاكم يعيشون في بريطانيا، إضافة الى “الأخوان المسلمين” الذين استوطنوها منذ أكثر من نصف قرن، وأن بن سلمان الذي استطاع إخماد ثورة الأمراء المُعارضين له في الداخل عبر الإستيلاء على جزء من ثرواتهم، هو بحاجة لإسكات من يسكنون في الخارج بعيداً عن قبضته، واعتبر المراقبون أن بن سلمان خلال عامٍ واحد أبرم صفقات لصالح الغرب توازي الموازنة السنوية للمملكة البالغة 500 مليار دولار، وأن مجموع صفقات ترامب مع السعودية مُضافة إليها الصفقة الأخيرة مع بريطانيا تتعدى كثيراً رقم هذه الموازنة.
وبهدف امتصاص نقمة المعارضة ونواب البرلمان والمنظمات الحقوقية البريطانية، دافع وزير الخارجية بوريس جونسون عن علاقة بلاده بالسعودية، وإدَّعى أن الناس لا يفهمون بأن السعودية تقود الحرب في اليمن لإعادة الحكومة الشرعية، وأن من حقها الدفاع عن أمنها، وأن بلاده ستسعى لعقد اجتماع بالأمم المتحدة للبحث عن حل سياسي في اليمن، لكن كل التبريرات التي ساقها جونسون، لم تُقنِع الآلاف من البريطانيين والمقيمين العرب للخروج في مظاهرات احتجاجية بالتزامن مع زيارة بن سلمان، وجابوا شوارع لندن وصولاً إلى مقر الحكومة البريطانية رافعين عشرات اللافتات التي كُتب على بعضها عبارة “محمد بن سلمان مجرم حرب”، ويافطات تطالب الحكومة البريطانية بوقف تصدير الأسلحة الى السعودية، والضغط لوقف الحرب على اليمن، ورُفِعت خلال المُظاهرات صُوَر الأطفال والنساء الذين سقطوا بغارات التحالف السعودي على اليمن!
وزيارة بن سلمان الى الولايات المتحدة أواخر آذار الماضي جاءت لإستكمال عقد الصفقات، ومن ضمنها إتفاقية مع شركة صيانة تابعة لـ “بوينغ” بهدف تأسيس مشروع مشترك مع الشركة السعودية للصناعات العسكرية، لتوطين أكثر من 55% من الصيانة والإصلاح للطائرات الحربية ذات الأجنحة الثابتة والطائرات العمودية في السعودية تحقيقا لرؤية المملكة 2030، لكن وكما كان هدف بن سلمان كسب رضا بريطانيا عبر الصفقات لضبط معارضيه المُقيمين لديها، كان هدفه في الولايات المتحدة التأكيد على دورها في سوريا لتقويض نظام الأسد، الى أن جاء التصريح الصادم من الرئيس ترامب بعد أيام من انتهاء زيارة بن سلمان: “أنه حان الوقت لانسحاب القوات الأمريكية من سوريا”، لكن وسط ذهول الكونغرس من تجاهل ترامب لدوره، سارع مسؤول أميركي بارز الى القول، أن المهمة الأمريكية لمحاربة “تنظيم الدولة” في سوريا لم تنتهِ وأميركا ستُكمل هذه المهمة، وبالفعل تراجع ترامب وأعلن بقاء قواته في سوريا لفترة أطول، لكن المُلفت في تصريحه قوله: “المملكة العربية السعودية مهتمة جداً بقرارنا، وقلت لهم حسناً، إذا أردتم أن نبقى فيتعين عليكم أن تدفعوا”.
هكذا وبكل بساطة يتعاطى ترامب مع السعودية، منذ أعلن خلال حملته الإنتخابية أنها البقرة الحلوب التي تدرّ ذهباً ويجب حلبها حتى يجفّ ضرعها، وعملية الإبتزاز مستمرة، وإذا كان محمد بن سلمان قد “جنى” 107 مليارات دولار كشرطٍ لتحرير الأمراء الذين اعتقلهم، فإن شراء العرش عبر استرضاء بريطانيا وأميركا وحتى فرنسا يُكلِّفه وسوف يُكلِّفه مئات المليارات من الصفقات والرشاوى، وارتضاءه الذلّ الذي يلقاه من ترامب تحديداً، محاولة لتبييض سمعة المملكة كشريك للإرهاب من جهة، والإستقواء بالغرب على من يُعارضون وصوله الى العرش من أمراء العائلة المالكة من جهة أخرى، وهذا الرجل الذي يتَّصف بالذئب الكاسر كما وصَّفه أمير الكويت، مُستعدٌّ لشراء العرش عبر دفع الأثمان للغرب حتى ولو باع المملكة.
(موقع المنار)