الرباط /وكالة الصحافة اليمنية//
عندما يريد شخص ما أن يكون أول من يعرف مَن مِنَ العرب صعد قطار التطبيع، فإنه لم يعد يحتاج إلى تسريبات من وزارات الخارجية العربية، الأمريكية أو الإسرائيلية؛ بقدر ما يحتاج ببساطة إلى متابعة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، فقد أغنتنا تغريداته عن كل ذلك العناء.
فكما حدث عند تطبيع العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة، في آب/ أغسطس، والبحرين، في أيلول/ سبتمبر، والسودان، في تشرين الأول/ أكتوبر، اكتشف العرب، بمن فيهم المغاربة أنفسهم، وجميع وزراء حكومتهم، الاتفاق مع بلادهم من خلال ترامب، عبر نافذته الخاصة بـ”تويتر”.
بأيام معدودة قبل مغادرته البيت الأبيض، قدم ترامب آخر هدية استراتيجية لإسرائيل، أو هي ما قبل الأخيرة، لأن المصادر لا تستبعد أن تنضم السعودية هي الأخرى في الأسابيع المقبلة إلى ما يراه المطبعون “سلاما” ويراه البعض الآخر “خيانة” للقضية الفلسطينية.
وبعد 11 عاما على التوالي في منصبه، لم يستطع نتنياهو التباهي بتوقيع اتفاقات بين إسرائيل والعالم العربي، منذ 1994 مع الأردن، دون تدخل ترامب ومستشاره جاريد كوشنر.
ومن ثم، فبمجرد الإعلان عن إعادة العلاقات مع المغرب، وجه له هذه الكلمات الممزوجة برائحة الوداع: “أريد أن أشكرك، على جهودك الهائلة لإحلال السلام في إسرائيل وعلى كل الأشياء العظيمة التي فعلتها لإسرائيل… لا نستطيع نسيان ذلك أبدا”.
يقود نتنياهو السياسة الخارجية من خلال التحالفات الاستراتيجية القائمة على مجال الطاقة مع اليونان أو قبرص، وبدافع ردع عدوهم الإيراني المشترك، يعمل بالتوازي في مجالات الدفاع والاستخبارات مع مصر والأردن ودول أخرى بالخليج العربي.
هؤلاء الأخيرون ظلوا يرفضون خروج العلاقة مع إسرائيل من دائرة الظل بسبب التزامهم تجاه الفلسطينيين.
واليوم، تكسر أربع دول النموذج الذي أرسته مبادرة جامعة الدول العربية، سنة 2002، بعدم إقامة علاقات مع الاحتلال الإسرائيلي، حتى إنشاء دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، والانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة في حرب عام 1967، وهو أمر لا يريده نتنياهو وليس مستعدا لدفع ثمنه سياسيا داخل إسرائيل.
ولكن خارطة مصالح ترامب وإسرائيل والعديد من الدول العربية هزت كل ذلك، وقلبت ظهرَ المِجَن للفلسطينيين وللجامعة العربية، تزلفا للرئيس الأمريكي الذي يفضل إسرائيل كقوة إقليمية، ونتنياهو كسياسي قد يواجه انتخاباته الرابعة خلال عامين في آذار/ مارس.
ويعتبر أمنون لورد المحلل السياسي والكاتب الصحافي، في صحيفة “إسرائيل هيوم”: “لقد غير ترامب ونتنياهو الشرق الأوسط… فمن ناحية، اتفاقيات السلام مع دول الخليج والسودان والمغرب، ومن ناحية أخرى، تزايد الضغط على إيران والتخلي عن الاتفاق النووي”.
تعبيد الطريق
المغرب قطع الشك باليقين، ولم يعد التحاقه بالأسرة الإبراهيمية التي يرتق الرجل الأبيض فتوقها، مسألة تؤكدها الصحافة تارة وتنفيها الحكومة الإسلامية بقيادة العدالة والتنمية تارة أخرى، فالمغرب طبع وكان له ما أراد: “الصحراء مقابل القدس”، مسنودا باعترافٍ “ترامبي” على سيادته في الصحراء الغربية.
وهكذا اعترفت الإدارة المنتهية ولايتها لدونالد ترامب يوم الخميس الماضي، وهي على مشارف ترك السلطة، بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، مقابل إقامةٍ كاملةٍ للعلاقات الدبلوماسية المغربية مع إسرائيل، بوساطة ومباركة من واشنطن.
وبذلك يصبح المغرب رابع دولة عربية تطبع علاقاتها مع الدولة العبرية، ملتحقا بركب الإمارات العربية المتحدة التي أعلنت ذلك في آب/ أغسطس، وتلتها البحرين في أيلول/ سبتمبر والسودان في تشرين الأول/ أكتوبر، وهو التطبيع الذي سمي وفق أبجديات ترامب بـ”الاتفاقات الإبراهيمية”.
الطريق الإسرائيلي إلى الرباط كان له ثمن، وهو الاعتراف الأمريكي الذي طال انتظاره بسيادة المغرب على الصحراء
هذا الطريق الإسرائيلي إلى الرباط كان له ثمن، وهو الاعتراف الأمريكي الذي طال انتظاره بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، والذي عارضه مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون، واستثمارات بملايين الدولارات في مجال البنوك والسياحة والطاقة البديلة وصفقات سلاح، خاصة الطائرات بدون طيار (درون).
وقبل إعلان ترامب، استغرق الأمر عامين ونصف العام من الاتصالات بين الولايات المتحدة والمغرب.
وخلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2018، التقى نتنياهو ووزير الخارجية ناصر بوريطة سرا، كما لعب مستشار نتنياهو، مئير بن شبات، ورجل الأعمال اليهودي المغربي ياريف الباز، وكوشنر، وأندريه أزولاي مستشار العاهل المغربي، دورا أساسيا في اللقاءات السرية، وفِي تعبيد الطريق.
وانتهى الأمر بمحمد بن زايد إلى إقناع صديقه، العاهل المغربي، بالتطبيع مقابل الصحراء، معللا ذلك بأن “الاعتراف بالصحراء الغربية مستحيل مع جو بايدن”، كما أعطى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مباركته، وفق ما كشفته الصحافة العبرية.
وقبل هذا الإعلان، أطلق “المكتب الوطني للمطارات” المغربي طلب عروض خاصة لـ”تطوير وتقوية أنظمة المراقبة بالفيديو والتحكم في الدخول وتركيب نظام الأمن” المحيط بمطار الداخلة بقيمة 44.55 مليون درهم قرابة (4.9 ملايين دولار).
ووفق مصدر مغربي تحفظ عن ذكر اسمه فتهيئة المطار “أمر طبيعي، فقد كان ضرورة لحماية الأمريكيين في مدينة ستحتضن قنصلية بلادهم”.
وأضاف المصدر الذي تحدثت إليه “القدس العربي” قائلا: “أحيط الهدف الرئيسي حول تطوير أنظمة المراقبة بسرية تامة، حتى يتم الإعلان الرسمي عن فتح القنصلية”.
كلام المصدر يؤكده تصريح وزير الخارجي المغربي، ناصر بوريطة: “هذا الموقف جاء نتيجة لاتصالات متواصلة بين الملك محمد السادس والإدارة الأمريكية منذ أكثر من سنتين، وكان هناك تنسيق حول هذا الموضوع”.
ولتهدئة الانتقادات الداخلية للاتفاقية، ونظرا لوضعها الخاص في العالم الإسلامي، أكد العاهل المغربي محمد السادس في اتصال مع الرئيس الفلسطيني أبو مازن دعمه لإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل.
ويرى محللون أن موجة التطبيع، التي جاءت بعد عقود من العلاقات السرية إلى حد ما، “مستحيلة بدون الضوء الأخضر من المملكة العربية السعودية“.
وفي الحالة المغربية، بقي التعاون وثيقا بين المغرب وإسرائيل، وإن بشكل سري، قبل إقامة العلاقات الرسمية في عام 1995 “بعد اتفاقيات أوسلو”، وبعد انهيارها في عام 2000 “الانتفاضة الثانية”.
كما استضاف المغرب اجتماعات حاسمة بين إسرائيل ومصر أدت إلى أول اتفاق سلام إسرائيلي عربي عام 1979.
بالإضافة إلى الاعتراف الذي طال انتظاره بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، فإن الإدارة الجمهورية المنتهية ولايتها ملتزمة باستثمار “3 مليارات دولار في البنوك والفنادق والطاقات المتجددة”، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز”.
كما كشفت وكالة “رويترز” النقاب عن اتفاقية بيع أربع طائرات مسيرة من الجيل التالي للمملكة، والتي ستنتظر الضوء الأخضر النهائي من الكونغرس.
القدس العربي