الخرطوم/وكالة الصحافة اليمنية//
بدأ السودان وأثيوبيا، أمس الثلاثاء، في الخرطوم مناقشة إعادة ترسيم الحدود بين البلدين، وما أن افتتحت الجلسة حتى وصف وزير الخارجية الإثيوبي، ديقمن مكنن، سلوك السودان بأنه «غير ودي».
وقال خلال اجتماع اللجنة السياسية العليا المشتركة لترسيم الحدود، حسب وكالة « فرانس برس» إن «ما شهدناه مؤخرًا لا يدل على علاقات ودية بين البلدين، ولهذا نريد إعادة تفعيل الآليات القائمة».
وشدد في كلمته، التي وزعت نصها السفارة الأثيوبية في الخرطوم، على أن «إيجاد حل دائم على الحدود يتطلب تسوية ودية للمسائل المتعلقة بالسكن وزراعة الأراضي».
واتهم الوزير الإثيوبي القوات السودانية باستغلال النزاع في تيغراي للتقدم على الأرض التي تعتبرها إثيوبيا تابعة لها. وقال «منذ 9 تشرين الثاني/نوفمبر، شهدنا نهب منتجات المزارعين الإثيوبيين وتعرضت مخيماتهم للتخريب وتعطلت محاصيلهم. لذلك نحن قلقون للغاية».
وكانت القوات المسلحة السودانية أعلنت منذ أسبوع أن قوة تابعة لها تعرضت لكمين داخل الأراضي السودانية في منطقة أبو طوير شرق ولاية القضارف، ما أسفر عن مقتل أربعة جنود وإصابة عشرين آخرين، متهمة «القوات والميليشيات الإثيوبية» بتنفيذه.
قوة العلاقات
وسبق أن شدد رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، على قوة العلاقات بين بلاده والسودان.
وقال في تغريدة على «تويتر» إن الحكومة في أديس أبابا «تتابع عن كثب الحادث الذي انخرطت فيه ميليشيات محلية على الحدود الإثيوبية ـ السودانية».
وشدد على أن مثل هذه الحوادث «لا تكسر الروابط» بين البلدين، لافتا إلى أن أديس أبابا والخرطوم يعتمدان دائما على «الحوار لحل القضايا».
وتابع: «أولئك الذين يثيرون الخلاف لا يفهمون قوة روابطنا التاريخية».
كما سارع المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية، دينا المفتي، للتأكيد على أن «الميليشيات والجنود السودانيين هم من بادروا بفتح النار على الحدود بين إثيوبيا والسودان» وأضاف أن الحكومة الإثيوبية «تركز حاليا على تطبيق القانون في الجزء الشمالي من البلاد».
وأكد أن «البلدين عززا العلاقات الدبلوماسية الثنائية بالإضافة إلى جهود إنفاذ القانون للحفاظ على السلام والأمن في البلاد».
ويعود اتفاق ترسيم الحدود إلى أيار/مايو 1902 بين بريطانيا وإثيوبيا، لكن ما زالت هناك ثغر في بعض النقاط تتسبب في وقوع حوادث مع المزارعين الإثيوبيين الذين يأتون للعمل في أراض يؤكد السودان أنها تقع ضمن حدوده.
والخلاف الأبرز، حول منطقة الفشقة في ولاية القضارف، التي تبلغ مساحتها 250 كيلومترًا مربعًا من الأراضي الزراعية التي يطمع بها المزارعون في كلا البلدين.
ويقود مفاوضات الخرطوم من الجانب الإثيوبي نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية ديقمن مكنن ومن الجانب السوداني وزير شؤون مجلس الوزراء، عمر مانيس.
وذكر مكتب رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك في بيان «أن الاجتماعات (التي تستمر يومين) ستناقش قضايا الحدود، فضلا عن تحديد موعد بدء العمل الميداني لترسيم الحدود».
وزاد: «تأتي زيارة الوفد الإثيوبي إلى الخرطوم لاستئناف اجتماعات اللجنة السياسية العليا للحدود بين البلدين حيث من المنتظر أن تناقش أجندة اجتماعاتها، معالجة قضايا الحدود بين البلدين من خلال الأطر القائمة وعلى أساس الوثائق المتفق عليها والموقعة فضلا عن تحديد موعد بدء العمل الميداني لترسيم الحدود».
وتابع «تجدر الإشارة إلى أن اللجنة السياسية المشتركة للحدود بين البلدين كانت قد عقدت اجتماعاتها في اديس أبابا في مايو/ أيار الماضي حيث آمنت على خلق بيئة مواتية لحل قضايا الحدود ومكافحة الأنشطة غير القانونية وضمان أمن المواطنين على طول المنطقة الحدودية بين البلدين».
وعقد الاجتماع الأخير حول ترسيم الحدود في أيار/مايو 2020 في أديس أبابا. وكان من المقرر عقد اجتماع آخر بعد شهر لكن تم إلغاؤه. كما أن موسم الأمطار زاد من صعوبة إقامة نقاط حدودية بين البلدين في هذه المنطقة.
وكان وزير الخارجية المكلف، عمر قمر الدين، أوضح للصحافيين، بعد عودته مع رئيس الوزراء من قمة دول «الايغاد» في جيبوتي أنه « لم تتم مناقشة التعديات الإثيوبية على الحدود السودانية خلال قمة دول الايغاد ولكنها نوقشت في الاجتماع الثنائي بين رئيسي الوزراء على هامش القمة وجرى التأكيد على اجتماع لجان الحدود في الخرطوم».
موقف قوي
المحلل الاستراتيجي اللواء المتقاعد أمين مجذوب، بين لـ«القدس العربي» أن على جدول أعمال، اجتماع اللجنة السياسية العليا المشتركة لترسيم الحدود «إيقاف العمليات بين البلدين وبدء ترسيم الحدود وملف خاص بالعلاقات الثنائية ومن ضمنه ملف سد النهضة».
وزاد: «السودان يدخل المفاوضات بموقف قوي بعد أن سيطر على 90٪ من أراضيه الحدودية وتبقت بعض الجيوب الوعرة التي لا تؤثر وتعتبر مناطق نهب وسلب من ميليشيات الشفتة وتتبعها عمليات فزع من المواطنين».
وتابع «الجيش السوداني دفع بتعزيزات ضخمة لأول مرة في تاريخه لحسم هذه التفلتات التي كانت تحدث لسنوات عديدة».
وأضاف «مسالة الحدود التي يجري نقاشها تم ترسيمها والاتفاق عليها من قبل، منذ العام 1902، ومن ثم فتح الملف في سبعينيات القرن الماضي حيث تحرك قائد الجيش وهدد برفع العلم السوداني في أديس أبابا ثم تم ترسيم الحدود مرة أخرى عام 2018 «.
وضع علامات فقط
وزاد «بعد حضور آبي أحمد، بعد الثورة للسودان، أمن على هذا الترسيم، ولهذا فإن لجنة ترسيم الحدود ستعمل على وضع العلامات فقط، وليس ترسيم الحدود. ليس هناك أي مناطق متنازع عليها بيننا وبين أثيوبيا على مر التاريخ، والمنطقة الوحيدة المتنازع عليها هي منطقة بني شنغول، التي أقيم عليها الآن سد النهضة وهي تقع ضمن الحدود السودانية وبموجب اتفاق 1902 كان يجب على إثيوبيا إخطار السودان قبل بناء السد».
وأوضح أن «مناطق الفشقة كان يدخلها المزارعون الأثيوبيون ويزرعون ويدفعون رسوما ثم يخرجون، في العشر سنوات الأخيرة لوحظ أن أثيوبيا تقوم ببناء بنية تحتية فيها، من مستشفيات ومزارع حتى أقيمت مقابر، وهي في القانون الدولي تسمى أساليب وضع يد».
لهذه الأسباب، تبعاً للمصدر، «تحرك السودان الذي هو غير مهتم في الوضع الراهن سوى بوضع العلامات الحدودية فقط وتعويض المزارعين وقفل الحدود نهائيا والسماح فقط بعبور اللاجئين الذين وصل عددهم إلى 53 ألف، وهذا كله لا يمنع من دخول العمالة الأثيوبية أو تأجير الأراضي السودانية بالقانون وباللوائح المنظمة، بين ولاية القضارف والأقاليم الأثيوبية المتاخمة، وأي طريق غير هذا سيكتب الفشل لهذه المفاوضات».
جبهة جديدة
ويبدو أنه سيكون من الصعب على آبي أحمد القبول بترسيم الحدود، حسب ما أكد مصدر أثيوبي لـ«القدس العربي» موضحاً بدون كشف هويته، هذه الخطوة «ستخرج منطقة الفشقة الخصبة من سيطرة حلفائه الرئيسيين من قومية الأمهرا التي يستغل قادتها العسكريون والسياسيون هذه المنطقة، لعقود طويلة، ويستفيدون من ريعها لمصلحتهم الشخصية ولاقتصاد الإقليم بالإضافة إلى أن مقاتلي الولغاييت الأشداء (الشفتة) الذين يحاربون معه الآن في جبهة القتال في تيغراي، سيكونون غير راضين بهذا الترسيم آخذين في الاعتبار أن الأزمة التي نشبت بين حكومة آبي أحمد وقادة إقليم تيغراي كان واحد من أسبابها التنازل عن منطقة بادمي الحدودية مع أرتريا والتي قاتل التيغراي لسنوات طويلة من أجلها، لذا أي تنازل عن الفشقة سيفتح جبهة جديدة مع الأمهرا».
تقدم عسكري
وعلى الصعيد العسكري، استطاع «الجيش السوداني خلال الأيام الماضية، السيطرة على مناطق أم قزاز وعاروض والأسرة، وآخر المناطق التي استعادها خلال اليومين الماضيين هي جبل الطيور وخور شين وقلع اللبان، وهي مناطق استراتيجية وتحوي علامات الحدود التي وضعت في العام 1902» حسب ما قال مصدر عسكري لـ«القدس العربي». وزاد، دون كشف هويته، « كما سيطرت قواتنا على منطقة محاج جنوب معبر اللكدي، ودمرت معسكرين لميليشيات إثيوبية في منطقة سلام بر الواقعة في عمق الأراضي السودانية وتقريبا الآن كل المنطقة الحدودية على الحدود مع إقليم تيغراي تحت سيطرة الجيش السوداني ما يعني تحرير غالب المساحات الزراعية في الفشقة الكبرى».
وتداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي، مقاطع فيديو تظهر تقدم الجيش السوداني وعبوره خور شيد المائي الاستراتيجي والحدودي، إلى جانب السيطرة على مقرات ومعسكرات الميليشيات الاثيوبية في منطقة الفشقة.
وذكرت وكالة الأنباء السودانية الرسمية السبت أن السودان أرسل «تعزيزات عسكرية كبيرة» إلى الحدود بعد أيام من «كمين» للجيش الاثيوبي وميليشيات ضد جنود سودانيين.
وأضافت أن «القوات المسلحة السودانية واصلت تقدمها في الخطوط الأمامية داخل الفشقة لإعادة الأراضي المغتصبة والتمركز في الخطوط الدولية وفقا لاتفاقيات العام 1902. وقد أرسلت القوات المسلحة تعزيزات عسكرية كبيرة للمناطق».