صحیفة “لیبراسیون” الفرنسیة : ترجمة
استقبل الرئیس الفرنسي ایمنویل ماكرون ولي عھد المملكة العربیة السعودیة الأمیر محمد بن سلمان بكل حفاوة وبسط له السجاد الأحمر، فقد كانت تلك هي أول زیارة رسمیة له إلى الجمھوریة الفرنسیة. یكمن السبب وراء حفاوة الترحیب تلك التي حظي بھا
الأمیر بن سلمان في دفتر الشیكات الخاص به، فقد بات ھذا الدفتر صاحب الكلمة الفصل في ابرام الصفقات المربحة لبیع الأسلحة الفرنسیة، كما أن ھذه الزیارة ستعمل على مد جسور الصداقة والتقارب بین البلدین.
یتشارك الرئیس الفرنسي إیمانویل ماكرون مع الأمیر السعودي الشاب في العدید من النقاط، فكل واحد منهما يسعى إلى أن یصل ببلده إلى القمة من خلال تنفیذ حزمة اصلاحات واعدة وذات تأثير كما یطمحان إلى تجسید مبدأ الحداثة، فالعجلة ومواكبة العصر صفة یمتاز بھا كل من ھو في ریعان الشباب.
ولكن ھنا سنتوقف عن المقارنة، لأن وراء صورة المصلح الجريء التي یسعى ولي العھد السعودي أن یظھرھا بعنایة تخفي وراءھا واقعاً مریراً.
فذلك القائد ذو القبضة الحدیدیة الذي عمل على تنفیذ حزمة من الإصلاحات الصوریة، عمل في المقابل على إغراق بلاده في مستنقع القمع، كما عكف ایضاً على مدى السنوات الثلاث الأخیرة على إقحام المملكة في حرب ملطخة بالجرائم، حرب لا ھوادة فیھا في الیمن.
ولسوء حظ الأمیر الشاب، یوجد في الیمن انتھاكات لا یمكن حتى لأفضل وكالات الاتصال في العالم أن تحجب الضوء عنھا.
كان العام 2015 شاھداً على جلوس الأمیر محمد بن سلمان على كرسي وزارة الدفاع، حیث بدأ بلعب دور محوری في ھذه الحرب التي أودت بحیاة أكثر من 6100 مدني و جرح 9683 آخرون جراء الضربات الجویة التي تشنھا مقاتلات التحالف العربي بقیادة الریاض، فقد خلفت تلك الغارات الموت والدمار في الأسواق، المستشفیات، المدارس ودور العبادة، كما أن تلك الغارات جعلت من حفلات الزفاف ومراسم العزاء ھدفاً نصب اعینھا.
لم یكتف التحالف العربي عند ھذا الحد فحسب، بل عمل على فرض حصار خانق على البلد. فوفقا للتقاریر الصادرة عن ھیئة الأمم المتحدة يعاني ھذا البلد من أسوأ أزمة إنسانیة في العالم، إذ یعاني المدنیون من نقص المواد الغذائیة وانتشار الأمراض والأوبئة وهم الآن بحاجة ماسة للمساعدات.
ومن جانبه یسعى التحالف العربي من خلال ھذا الإجراء لمنع إمدادات الأسلحة للمتمردين الحوثيين عن طريق محاصرة الميناء الرئیسي في البلد، الذي يستقبل السلع التجاریة والإنسانیة. كما جعلوا الامدادات الغذائیة والوقود والأدویة شحیحة ومكلفه للغایة. وعلاوة على ذلك عمل التحالف العربي أيضاً على اغلاق مطار صنعاء الدولي الذي حال دون إمكانیة المدنیین من المغادرة.
لاشك أن بیع المزید من الأسلحة إلى المملكة العربیة السعودیة من شأنه عدم منع الانتھاكات المتكررة التي یرتكبھا التحالف العربي، ففرنسا ثالث أكبر مصدر للاسلحه ولطالما طالبت منظمة ھیومن رایتس ووتش وغیرھا من منظمات حقوق الإنسان في العالم بفرض حظر على تورید أو بیع الأسلحة للریاض، إذ اثبتت دراسة أجرتها منظمة العفو الدولیة الفرنسیة و جمعیة العمل المسیحي من أجل منع التعذیب أن صفقات بیع الأسلحة الفرنسیة غير قانونیة بموجب القانون الدولي ” ACAT” المتعلق بتجارة بالأسلحة.
فھذه العقود والصفقات سلطت الضوء على مدى مصداقیة فرنسا التي ترى في نفسھا الحصن المنیع والمدافع عن حقوق الإنسان في العالم، كما جعلت من قادتھا في نفس “خانة إلیك” مع المتورطین في الھجمات غیر القانونیة التي یقوم بھا التحالف العربي.
إن السجل العام لولي العھد السعودي في الجبھة الداخلیة، لیس بالسجل النظيف، إذ تدفع المملكة العربیة السعودیة لوكالات العلاقات العامة بسخاء لتبیض صورتھا وتسلیط الضوء على حزمة الاصلاحات التي شھدتھا المملكة و منھا اصدار قانون یقضي بسماح المرأة السعودیة بقیادة السیارة بدءا من یونیو القادم.
وفي المقابل لا تزال المرأة السعودیة مقیدة، إذ أنھا لا تستطیع السفر أو الحصول على جواز سفر أو حتى الزواج بدون إذن من عائلتھا.
وعلاوة على ذلك، لا یزال العدید من الناشطين السعودیين المدافعين عن حقوق المرأة یتعرضون للمضایقة وعملیات تكمیم الأفواه ناھیك عن كون المملكة العربیة السعودیة صاحبة الرقم القیاسي في تنفیذ أحكام الإعدام على مستوى العالم.
كما ارتفع معدل عملیات القمع والاضطھاد ضد المدافعین عن حقوق الإنسان، بالإضافة إلى كافة أشكال المعارضة في ظل سلطة ولي العھد.
وكانت المملكة العربیة السعودیة قد شهدت في سبتمبر من العام المنصرم موجة اعتقالات واسعة استھدفت العدید من رجال الدین المعارضین واستمرت تلك الموجه حتى شھر نوفمبر من نفس العام، حیث تم تحویل فندق ریتز كارلتون في الریاض إلى سجن ذھبي، احتجز فی، العشرات من الشخصیات التي تحمل نفس صفة الأمیر محمد بن سلمان دون اللجوء إلى القضاء.
ووفقا لإحدى التحقیقات التي أجرتها صحیفة نیویورك تایمز الامریكیة، تم نقل 17 شخص من نزلاء ریتز كارلتون إلى المستشفى بعد تعرضھم لعملیات تعذیب وسوء المعاملة لإجبارھم على دفع ملیارات الدولارات.
وافتقر الأمر إلى الإجراءات القانونیة مما جعله يتشح بثوب الابتزاز. وتم الإعلان أن أھداف تلك العملیة هو التقدم خطوة في مشوار مكافحة الفساد، بید أن ھذه العملیة ونظراً للدور الذي یلعبه الأمیر السعودي الشاب في جمیع تلك الانتھاكات، ینبغي على قصر الألیزیة الفرنسي أن یكون رصینا خلال ھذه الزیارة والامتناع عن خلق زوبعة كبیرة.
كما أن الأفضل لباریس دعم العقوبات الدولیة ضد الأمیر محمد بن سلمان، وذلك استناداً إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2140 ،الذي ینص على تجمید الأصول وحظر السفر على المسؤولین عند ارتكاب انتھاكات خطیرة لحقوق الإنسان في الیمن.
یحظى الملك المنتظر للمملكة العربیة السعودیة بدعم حلفائه الأقویاء في مجلس الأمم المتحدة والذي تعتبر فرنسا عضو دائم فیه إلى جانب الولایات المتحدة الامریكیة والمملكة المتحدة ولكن في حال كان إیمانویل ماكرون صادقًا عندما أكد على أن فرنسا ستلتزم “بشكل متواصل” بالدفاع عن حقوق الإنسان ویمكنھا “التوفیق بین الواقعیة وبین الدفاع عن قیمھا”، كان عليه أن یفكر ملیاً في ضحایا المذبحة الیمنیة حین التقى بالأمیر محمد بن سلمان.
كما كان یجب علیه أن یخبره وبوضوح وعیناه في عینیه أن فرنسا لم تعد قادرة على الاستمرار في بیع الأسلحة له, طالما استمر التحالف الذي یقوده على الیمن في نھج اللامبالاة و انتھاك القانون الدولي.
بقلم / فیلیب بولوبیون
*نائب مدیر منظمة ھیومن رایتس ووتش