تقرير//وكالة الصحافة اليمنية/
يستنفر الراعي الأميركي للتحالف السعودي – الإماراتي كل قدراته، من أجل منع تحرير محافظة مارب بيد «أنصار الله»، والذي يرى فيه الغربيون «نكسة رهيبة» للرياض. نكسة تضع السعودية جميع إمكاناتها في جبهة مأرب من أجل تجنبها، إلى حد حشد ثلاث مناطق عسكرية بكامل عديدها وعتادها هناك.
وفي هذا الوقت، تصل صنعاء، عبر وسطاء، رسائل من واشنطن، بضرورة وقف تحركها تجاه مركز المحافظة، وهو ما تقابله «أنصار الله» بمواصلة عملياتها، التي تؤكد أنها لن تتوقف حتى استرداد جميع مديريات مأرب، التي سيشكل تحريرها تحولا دراماتيكا في مسار الحرب.
صدر في الأيام الماضية العديد من الدراسات والأبحاث الغربية التي تتحدث عن معركة مأرب بوصفها محطة حاسمة في مسار الحرب، بالنظر إلى الموقع الجغرافي الحيوي للمحافظة، ومزاياها العسكرية والاقتصادية، وتأثير ذلك على الخريطة السياسية لليمن.
وتجمع تلك الدراسات على أن ما تسمى «الشرعية» ستخسر الكثير إذا ما أخفقت في معركة مأرب، فيما ستتمكن صنعاء من فرض شروطها في أي تسوية مقبلة، فضلا عن امتيازات أخرى. واعتبرت «مؤسسة جيمس تاون للأبحاث» الأميركية، في إصدار نشر نهاية الأسبوع الماضي، أن معركة مأرب ستقرر مصير اليمن من جميع النواحي لأعوام، لافتة إلى أنه إذا نجحت «أنصار الله» في تحرير المحافظة وعاصمتها، فستتلقى قوات هادي المدعومة سعوديا ضربة قد لا تتعافى منها، وهو ما سيؤدي إلى تغيير جذري في التضاريس السياسية في هذا البلد، في وقت تجري فيه تحولات إقليمية مهمة أخرى.
انطلاقا من تلك الاعتبارات، تولي قيادة «التحالف»، ومعها وكلاؤها المحليون، معركة مأرب أهمية زائدة، مختلفة عما أظهروه في بقية المعارك، إذ حشدت قوات هادي، هذه المرة، قوات ثلاث مناطق عسكرية هي: المنطقة الثالثة المسؤولة عن محافظة مأرب، والمنطقتان السادسة والسابعة اللتان انتقلتا بكامل عديدهما وعتادهما إلى مأرب بشكل مؤقت (يقسم اليمن إلى سبع مناطق عسكرية)، وهي سابقة لم تحصل في أي معركة في تاريخ اليمن الحديث. هذا فضلا عن قوات خاصة تابعة مباشرة لوزارة الدفاع التي تتخذ من مأرب مقرا لها، ومجاميع عسكرية أخرى تدار من قبل هيئة الأركان ومقرها في مأرب أيضا. وتقدر المجاميع المشاركة في القتال بنحو نصف العديد الكلي لقوات هادي، المقدرة بـ400 ألف جندي وضابط وفق الكشوفات الرسمية. تضاف إلى ما تقدم تشكيلات تابعة للقبائل المنخرطة مع «التحالف»، إضافة إلى مقاتلي التنظيمات السلفية وتنظيمي «داعش» و»القاعدة» الإرهابيين، الذين فتح أمامهم المجال علنا للانخراط في المعركة.
ولا توفر قوات هادي، ومن ورائها السعودية، فرصة إلا وتستغلانها في المعركة الراهنة، لإدراكهما أن خسارتهما محافظة مأرب قد تؤدي إلى إعادة تقويم ولاءات الجماعات القبلية والنخبوية وتلك التي تتمتع بامتيازات اقتصادية وسياسية، لصالح صنعاء، ولا سيما أن الأخيرة أثبتت أن لديها قدرة على التعامل ببراغماتية عالية مع التعقيدات القبلية والاجتماعية؛ إذ كما تمتلك قياداتها العسكرية مهارات هائلة في ساحة المعركة، فهي بارعة أيضا في عقد الصفقات، على الأقل محليا، الأمر الذي مكنها من استعادة 12 مديرية في مأرب من أصل 14، بعد التفاهم مع قبائل كثيرة آثرت السلام على خوض معارك الآخرين على أرضها، فيما تنتظر قبائل أخرى رجحان الكفة لصالح أحد الطرفين لتحدد موقفها.
لا تمتلك السعودية ووكلاؤها على الأرض الكثير من الخيارات سوى استمرار القتال بالمتاح لديهم من قوات (علما بأن عديد تلك القوات في حزام مأرب ضخم جدا، وهو يتعارض – إذا لم يستغل بالوجه الصحيح – مع أصول الحرب المعروفة، وفق آراء الخبراء العسكريين)، ومناشدة «المجتمع الدولي» ومجلس الأمن التدخل لوضع حد لتقدم قوات صنعاء، فضلا عن إثارة قضية النازحين الذين يقدر عددهم بأكثر من مليون، والتحذيرات المتكررة من وقوع ضحايا مدنيين أثناء المعارك، على رغم ضآلة الخسائر في صفوف المدنيين إلى الآن، وحرص الجيش و اللجان الشعبية على الابتعاد عن أماكن وجود النازحين.
تجد السعودية نفسها في قلب المعركة في معقلها الأخير في الشمال، وهي مجبرة على أن تخوضها على أنها «أم المعارك»، والأكثر خطورة في مسار الحرب التي شارفت على دخول عامها السابع، غير مبالية بتشوه سمعتها السياسية والاقتصادية والتنموية وتعرض أمن عاصمتها لمخاطر القصف بالطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية ردا على مشاركة طائراتها الحربية المكثفة في محاولة صد هجمات قوات صنعاء.
وتعتبر صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية أن خسارة مأرب ستكون «نكسة رهيبة» للسعودية وداعميها الدوليين، لافتة إلى أن المعركة الجارية اليوم تعتبر بمثابة «المعركة المفتاح» التي تخوضها «أنصارالله» بقوة للسيطرة على آخر معقل للحكومة المدعومة عسكريا من «التحالف»، وسياسيا من الولايات المتحدة.
وعلى رغم الحشود العسكرية الهائلة في أرض المعركة، فقد ارتفعت أصوات من عدة جهات محسوبة على «التحالف»، بالمطالبة برفد الجبهات في مأرب بالرجال والعتاد والمال. كذلك، يطالب برلمانيون وسياسيون قيادة «التحالف» وحكومة الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، بضرورة الانسحاب من «اتفاق ستوكهولم» الذي أبرم مع صنعاء عام 2018، وفتح جبهات قتال متعددة ضد «أنصار الله» لتخفيف الضغط عن مأرب، غير أن القيادة العسكرية التابعة لعبد ربه منصور هادي، ترفض الانسحاب من الاتفاق، لإدراكها عجزها عن القتال في جبهتين في آن واحد.
وتمثل آخر تلك الدعوات في رسالة أصدرها، نهاية الأسبوع الماضي، نواب حزب «الإصلاح» (إخوان اليمن) وحلفاؤهم، وفحواها التحذير من أن «خذلان جبهات مأرب والجوف في هذه المرحلة الفارقة من تاريخ شعبنا وأمتنا سيشكل انتكاسة حقيقية لهادي». وطالبت الرسالة الموجهة إلى هادي ونائبه ورئيس حكومته بالإسراع في تنفيذ المطالب الآتية:
– دفع المرتبات المتأخرة للضباط والجنود في الجوف ومأرب، مع انتظام دفعها مستقبلا.
– توفير السلاح والذخيرة لجبهات مأرب والجوف حتى تتمكن « قوات هادي» من متابعة قتالها.
– تحريك الجبهات المتوقفة، وتوفير العتاد والسلاح لها لتفويت الفرصة على قوات صنعاء.
ولا يقتصر الاهتمام بمعركة مأرب على الأطراف المحليين والإقليميين، بل إن عواصم العالم، وعلى رأسها واشنطن ولندن وباريس، تتابع باهتمام تلك المعركة، فيما علم أن الأميركيين بعثوا، عبر وسطاء، برسالة إلى القيادة السياسية في صنعاء، يطالبونها فيها بإنهاء الهجوم على مأرب. إلا أن قرار صنعاء السيادي هو مواصلة العمليات حتى استعادة كامل مأرب. والجدير ذكره، هنا، أنه سبق لواشنطن أن وضعت، أكثر من مرة، خطوطا حمرا أمام الجيش واللجان الشعبية، كما حصل في معركة الجوف، إلا أن ذلك لم يحل دون تحقيقهما أهدافهما.
(لقمان عبدالله،الأخبار)