تحليل خاص: وكالة الصحافة اليمنية..
لم تكن الضربة الامريكية لسوريا السبت الماضي تلبية لنزق الرئيس الامريكي دونالد ترمب كما يعتقد البعض، فالمعروف أن واشنطن تحسب حسابات الربح والخسارة في كل خطوة تخطوها، وما بدى غضباً امريكياً لادعاءات واشنطن باستخدام اسلحة كيميائية في مدينة دوما من قبل الجيش السوري، هو في الحقيقة عملية محدودة في اطار حرب واسعة تحاول من خلالها واشنطن ان تقول للعالم ان الولايات المتحدة لاتزال تتمتع بكامل قوتها لمواجهة موجات التحرر في المنطقة العربية دفاعاً عن سيادتها التي تسلب بفعل تحركات محور المقاومة للهيمنة الامريكية في المنطقة.
ولعل اول المعنيين برسالة الضربة الامريكية ضد سوريا، هي جماعة انصار الله الثورية في اليمن، خصوصاً أن قائد الثورة في اليمن السيد عبدالملك الحوثي أعلن صراحة وفي أكثر من مناسبة ان اليمن جزء من محور المقاومة ، وان على الكيان الصهيوني ان يحسب حساب اليمن في أي مواجهة قادمة ، الامر الذي ايقظ مشاعر العداء للكيان الصهيوني في نفوس الشعب اليمني ، بعد ان كانت واشنطن تعتقد ان مسألة العداء للصهاينة قد اندثرت بحكم هجمة القوة الناعمة المتمثلة بالتمييع الاعلامي والثقافي التي تعمل عليها واشنطن منذ عقود والتي وصلت إلى حد تمكن الامريكيين من خلق اعداء وهميين للعرب مثل ايران، وتغيير نظرة شعوب المنطقة العربية تجاه اسرائيل من العداء نحو التطبيع والقبول بالعدو الصهيوني باعتباره صديق.
أمام مسألة اعادة اسرائيل لواجهة العداء التي حركتها ثورة انصار الله في اليمن، اضطرت واشنطن إلى اتخاذ خطوات تعتبر سابقة لأوانها على الصعيد السياسي ، عبر اسقاط الاقنعة عن الانظمة العربية التابعة لها عبر دفع تلك الانظمة الى اتخاذ خطوات سريعة نحو التطبيع الكامل مع اسرائيل مثل ما هو حادث مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي اعلن قبل عدة ايام في باريس ان من حق الاسرائيليين ان يكون لهم وطن ،مسقطاً القناع عن الدور الذي كانت تتشدق به المملكة بادعاء انها الدولة الراعية لشئون المسلمين، وكل ذلك يعتبر خطوات استباقية قبل أن تخرج الامور عن سيطرة واشنطن ، وتسافر دعوات استنهاض الامة في مواجهة العدو الصهيوني خارج حدود اليمن.
والحقيقة أن المتابع لتوالي الاحداث على صعيد تصدي اليمن للتحالف العسكري الذي يشن على اليمن، بملامح وبصمات امريكية واضحة تحت غطاء (سعودي – إماراتي) يمكنه أن يلاحظ، انه كلما تعرضت السعودية لضربة صاروخية يمنية فان الوجع يكون في البيت الابيض، ليس فقط لان الامريكيين يضطرون لتقديم المبررات حول اخفاق اسلحتهم بعد ان ثبت فشلها في التصدي لضربات الصاروخية القادمة من اليمن ،او بما يخلقه من تساؤلات حول جدوى الاسلحة الامريكية ، بل ان المسألة تتجاوز ذلك الى خلق مخاوف اقتصادية حقيقية في الولايات المتحدة المستفيد الحقيقي من نفط الخليج الذي بات تحت رحمة الصواريخ اليمنية، ففي اليوم التالي للضربة البالستية التي تعرضت لها مقر شركة ارامكو لضربة بصاروخ باليستي الاربعاء الفائت، ارتفعت اسعار النفط لمستوى غير مسبوق منذ العام 2014.
فقد أوجد تصدي اليمن للتحالف للعام الرابع على التوالي وما صاحبه من تنامي قدرات الردع الصاروخية في اليمن ، جملة من التحديات أمام البيت الابيض، اضطرت واشنطن على اساسها الى القيام بحركات استعراضية تتسم بكل العداء والجدية دفاعاً على الانفراد الامريكي بالاستحواذ على قرار ومقدرات المنطقة العربية، وهي لا تمانع مثل نمر جريح أن تذهب إلى أبعد من مجرد ضربة محدودة على سوريا في حال واجهت اي اعتراض، الامر الذي يمكن ان نفسر على أساسه أسباب الصمت الذي انتاب كل من روسيا وايران امام الضربة الامريكية الاخيرة لسوريا ، واللذان يبدو أي (روسيا – ايران) انهما فضلا الجنوح للعاصفة وترك امريكا لتنال منها ضربات محور المقاومة.. فالمسألة ليست (مسرحية هزلية) كما يحاول أن يصورها البعض من باب التبرير للفشل الأمريكي المتلاحق في المنطقة العربية.
ومثلما تتألم واشنطن من الضربات الباليستية اليمنية على السعودية فإنها تحاول الرد بضربات مماثلة قد لا تقتصر على سوريا لتصنع وجعاً لمحور المقاومة العربية.
ولا يمكن لأحد أمام جملة التداعيات التي تشهدها المنطقة العربية أن يتوقع أن اليمن بعيد عن حلقة التأثير والتأثر الحاصلة في المنطقة العربية فمنابع النفط تمثل ركيزة للاقتصاد الأمريكي ، وقد أصبحت آبار النفط الخليجية تحت مرمى القدرات الصاروخية المتنامية في اليمن.
وهي مسألة لا يمكن بناءً عليها الاعتقاد بأن الامبراطورية الامريكية القائمة على استغلال ثروات العرب ستتغاضى عن اهم مواردها من نفط الخليج ، خصوصاً أن الموقف الاقتصادي الامريكي سجل تراجعاً كبيراً في السنوات الخمس الاخيرة، في ظل التصاعد الاقتصادي للتنين الصيني.
الامر الذي سيدفع واشنطن لإبراز كل ما لديها من انياب واظافر، للتشبث بتفوق عالمي يكاد يغيب على يد محور المقاومة العربية.