الوصول إلى الشواطئ اليمنية في قارب معبّأ بالمهاجرين الأفارقة جحيم لا يطاق، خاصة من منطقة القرن الإفريقي التي يدفع الشباب فيها آلاف الدولارات للمهربين كفدية، ويتعرضون للقتل أحياناً في حالة عدم الدفع، ورغم الحرب اليمنية، لا يزال يقصدها نحو ستة آلاف مهاجر كل شهر، وفق مفوضية الأمم المتحدة، وينطلق هؤلاء غالباً من إثيوبيا أو الصومال على أمل أن يجدوا فرصة لجوء أو سفر إلى بلدان مجاورة، لكنهم لا يلبثون أن يقعوا في قبضة الاحتلال الاماراتي، بعد أن أصبحت مدينة عدن جنوب اليمن مقبرة للمهاجرين، حيث يتم قتل ودفن أي مهاجر يتأخر عن الدفع، حتى أصبح الوضع كابوساً يؤرّق كل المهاجرين.
مستجير بالرمضاء
يتدفق المهاجرون من القرن الإفريقي إلى اليمن بمعدلات متزايدة، رغم الحرب على اليمن التي تدخل عامها الرابع، والتي ألقت البلاد في أزمتها الإنسانية الخاصة من الجوع والتشرد، ورغم ذلك يلجأ إليها المهاجرون هرباً من الجفاف والفقر في وطنهم، ويأملون في عبور اليمن والوصول إلى السعودية الدولة المجاورة الغنية بالنفط، والتي تستغل مثل هؤلاء المهاجرين لتجنيدهم كمرتزقة ضد الجيش اليمني ولجانه الشعبية، وذلك بالتنسيق مع قيادات أمنية وعسكرية رفيعة في مدينة عدن وبقية مدن الجنوب.
هيومن رايتس تفضح
قالت “هيومن رايتس ووتش” إن بعض المسؤولين الحكوميين اليمنيين عذبوا واغتصبوا وأعدموا مهاجرين وطالبي لجوء من القرن الإفريقي بمركز احتجاز بمدينة عدن الساحلية جنوبي اليمن. وحرمت السلطات التي تتبع حكومة منصور هادي طالبي اللجوء من فرصة طلب الحماية كلاجئين، ورحّلت مهاجرين بشكل جماعي في ظروف خطيرة عبر البحر. ووفقاً لـ “هيومن رايتس” فإن محتجزين سابقين أفادوا أن الحراس ضربوهم بقضبان حديدية وهراوات وسياط وركلوهم ولكموهم وهددوهم بالقتل والترحيل، واعتدوا عليهم جنسياً، وأطلقوا عليهم النار فقتلوا منهم، وأجبر حراس ذكور النساء على خلع عباءاتهن وحجابهن، كما صادروا نقود المهاجرين وأغراضهم الشخصية ووثائقهم الممنوحة لهم من وكالة الأمم المتحدة للاجئين.
بطولة إماراتية
قال بيل فريليك مدير برنامج حقوق اللاجئين في هيومن رايتس ووتش: “اعتدى حراس مركز احتجاز المهاجرين في عدن – تديره الإمارات – على الرجال بالضرب الشديد، واغتصبوا النساء والصبية، ورحّلوا المئات عبر البحر في قوارب مكتظة، لا تمثل الأزمة في اليمن أي مبرر لهذه القسوة والوحشية، وعلى الحكومة اليمنية أن تنهي هذه الممارسات وتحاسب المسؤولين عنها، وأوضحت المنظمة أن موظفين حكوميين تابعين لهادي قاموا بتعذيب مهاجرين من القرن الإفريقي والاعتداء عليهم وإعدامهم داخل مركز احتجاز في مدينة عدن جنوبي اليمن، وأكدت أن قوات مدعومة من الإمارات تقوم باعتقال المهاجرين والاعتداء عليهم بممارسات تخالف كل القوانين والأعراف والمواثيق، وأصدرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تقريراً مماثلاً يستند لشهادات ناجين وثّقوا عمليات ضرب واعتداء وإعدام وتجويع بحق المهاجرين.
حكومة هادي تعترف
اعترفت حكومة منصور هادي بهذه الانتهاكات، حيث أصدر وزير الداخلية أحمد الميسري أمراً بتوقيف ضابط برتبة عقيد كان يدير مركزاً للمهاجرين الأفارقة في عدن، وذلك بعد اتهامات منظمة هيومن رايتش ووتش مسؤولين بتعذيب واغتصاب نساء وأطفال في المركز، وقالت وزارة الداخلية في بيان نشرته الخميس على موقعها إن الوزير اليمني “وجّه الأجهزة الأمنية المعنية بإلقاء القبض فوراً على العقيد خالد العلواني مدير مركز اللاجئين الأفارقة السابق وإحالته للتحقيق”. وأضافت إن أمر القبض صدر على خلفية “اتهامه بانتهاكات حقوق الأنسان وقضايا اغتصاب لمهاجرين أفارقة كانوا محتجزين بالمركز”. وكان العلواني يشغل منصب مدير مركز اللاجئين الأفارقة في مديرية البريقة في السابق، وقال بيان وزارة الداخلية إنه يشغل حالياً منصب مدير شرطة مديرية المعلا في عدن. إلى ذلك قالت الوزارة أيضاً أنه تم توجيه أوامر بوقف مركز احتجاز اللاجئين في البريقة في عدن عن العمل، واخلائه وتسليمه إلى “هيئة الأحياء البحرية” التابعة لوزارة الثروة السمكية اليمنية، ووجه الميسري، الذي يشغل أيضاً منصب نائب رئيس الوزراء، بتشكيل لجنة لترحيل المحتجزين في المركز إلى مخيم آخر للمهاجرين.
إجراءات سابقة
وكانت وزارة الداخلية التابعة لحكومة هادي قالت في رسالة بتاريخ 2 أبريل/نيسان ردّاً على نتائج “هيومن رايتس ووتش” الأولية، إنها عزلت قائد المركز وبدأت في إجراءات نقل المهاجرين إلى موقع آخر، واعدة بالتحقيق في الشكاوى أو الأدلة الخاصة بالإساءات، وفي مطلع أبريل/نيسان، وضعت السلطات الجديدة بالمركز ما تبقى من الإثيوبيين – نحو 200 شخص – في شاحنات ونقلتهم إلى باب المندب، على الساحل، على مسافة نحو 150 كيلومتراً من عدن، حسب قول الشهود، وأنزل الحراس نحو 100 إثيوبي في قارب إلى البحر، وكان محرك القارب الثاني معطلاً، فأجبر الحراس الإثيوبيين الباقين على العودة إلى فناء كبير عليه حراسة قرب الشاطئ، وبعد يوم في الفناء بلا طعام، تمكّن بعض المحتجزين من الهرب.