حبل النجاة الأخير الذي حاولت واشنطن تمتينه من خلال قصف دمشق بوابل من الصواريخ انقطع أو لنكن منطقيين أكثر على وشك الانقطاع في ظل تعاظم قوة محور المقاومة التي لا يوجد من يردعها عن تحقيق أهدافها في إرساء الأمن في بلادها والمنطقة عامةً.
تداعيات العدوان الثلاثي على سوريا تتسارع بشكل طبيعي نظراً لحجم الردّ الذي لم يكن متوقعاً من الطرف السوري، ومن أبرز هذه التداعيات أو النتائج أن واشنطن أصبحت أقرب إلى الانسحاب من سوريا أكثر من أي وقت مضى لأسباب كثيرة أبرزها “خرق القانون الدولي وعدم احترام سيادة الدولة السورية، فضلاً عن عجزها في الاستمرار هناك في ظل رفض جماهيري لبقائها على الأراضي السورية وخوفها من التعرض لهجمات غير متوقعة تشابه تلك التي شهدها الجنود الأمريكيون في العراق”.
الولايات المتحدة لا تنسحب بسلاسة فهي تريد إطالة عمر الأزمة السورية قدر المستطاع لذلك بدأت إدارة الرئيس دونالد ترامب تكشف عن خططها للمرحلة القادمة في سوريا والتي تمثلت حتى اللحظة بإحلال قوات عسكرية عربية مكان القوات الأمريكية المنتشرة في سوريا، بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية.
وفي هذا السياق أعلن مسؤولون أمريكيون أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تنوي إحلال قوة عسكرية قوامها بعض الدول العربية مكان قواتها المنتشرة في سوريا “درءاً لحدوث فراغ جراء انسحابها.. والإعداد لبسط الاستقرار في منطقة الشمال الشرقي من سوريا بعد إنجاز هزيمة داعش”.
وبحسب صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية التي نقلت عن مصادرها في البيت الأبيض، فإنّ مستشار الأمن القومي جون بولتون أجرى اتصالاً هاتفياً مع مسؤول المخابرات المصرية بالوكالة عباس كامل لبحث حجم القوة التي بإمكان مصر المساهمة بها.
إلى أي درجة يمكن تحقيق الخطة الأمريكية الجديدة؟!
أن تدفع السعودية مليارات الدولارات لإبقاء القوات الأمريكية هذا أمر يمكن تصديقه لكون ابن سلمان بدأ يفقد جميع أوراقه في المنطقة وعوضاً من أن يواجه إيران زاد من قوتها من حيث لا يدري، ولذلك لن يتوانى ولي العهد عن دفع أي مبلغ يساعده في حفظ ما تبقى من ماء الوجه، ولكن هل ستتمكن السعودية وبقية الدول المذكورة في تقرير الصحيفة الأمريكية والتي شملت قطر، الإمارات، الأردن ومصر من إدخال قواتها إلى سوريا لتحل محل القوات الأمريكية؟!.
أولاً: الظروف لا تسمح بذلك، وهذا الأمر يعدّ من كل النواحي انتهاكاً صارخاً للسيادة السورية، ويمكن أن نقرأ في هذا الكلام رسالة مبطّنة تؤكد خروج الأمريكي من سوريا، ولكن هل ستوقف أمريكا مشاريعها، بالطبع كلا.
ثانياً: الدول المطروحة؛ لنبدأ من الأردن الذي لم يُدخل قواته إلى الجنوب السوري، فكيف الحال بباقي مناطق سوريا، فضلاً عن العجز الاقتصادي الذي تواجهه هذه الدولة وبالتالي بأحسن أحوالها قد يكون تمثيلها شكلي يتناسب مع سياستها مع الجانب الأمريكي.
أما مصر فتربطها علاقات جيدة مع دمشق وبالتالي لن تقدم على هذه الخطوة من دون تنسيق وموافقة مسبقة من سوريا، خاصةً أن التنسيق الأمني بين البلدين قوي جداً وقد ترجم ذلك بعدة زيارات قام بها رئيس الأمن القومي السوري إلى مصر خلال الأزمة.
وإذا أردنا الحديث عن قطر، هل نتحدث؟!، أعتقد أنه لا تعليق على هذا إلا اللهم، إذا كانت ستنتشر في زقاق أحد الأحياء في قرية سورية صغيرة! الظروف الخليجية والحصار ووجود احتمالية الخيار العسكري في هذه الدولة، فكيف لها بالذهاب إلى سوريا.
العملاق الخليجي السعودي غارق حتى أخمص قدميه في أزمات المنطقة وعلى رأسها أزمة قطر واليمن، فضلاً عن كونه لا يمتلك القدرة العسكرية التي تخوله من ممارسة هذا الدور.
والأهم من هذا كله أن أغلبية المناطق أصبحت بيد الجيش السوري، فلا نعلم ماذا تستطيع أن تفعل هذه الدول مجتمعة إذا كان الأصيل وبكل جبروته وقوته عاجز عن فعل شيء يذكر فكيف بالوكيل.
ثالثاً: هذا الادعاء من صحيفة عرقية كصحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية يأتي بعد أيام قليلة على الضربة العسكرية التي شكّلت انتكاسة بدل أن تكون نصراً يهدف للتخفيف من وطأة الانتكاسة الأمريكية في سوريا.
ولو أدركت واشنطن أن القانون الدولي يسمح لها بالبقاء لبقيت، ولكنها تستغل انشغال الدولة السورية في مكافحة الجماعات التكفيرية للبقاء حالياً، ومع ذلك لن يطول هذا الأمر وقد قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز الأحد الماضي إن ترامب “لا يزال يريد سحب القوات الأمريكية من سوريا في أقرب وقت ممكن، ولكنه لم يحدد وقتاً معيناً لذلك”، مضيفة إن “مهمة الولايات المتحدة لم تتغير، وإن ترامب كان واضحاً إنه يريد عودة القوات الأمريكية في أسرع وقت ممكن”، وفق المتحدثة.
في الختام؛ في كل حرب لا بدّ أن يكون هناك كبش محرقة في الطرف الخاسر، والواضح أن المحور المواجه لمحور المقاومة، عدا تركيا المنسحبة مؤخراً، هو الخاسر الرئيسي، كبش المحرقة إما أمريكا وإسرائيل أو دول أخرى في هذا المحور.
هنا نعتقد أن أمريكا تسعى لتقديمهم على أنهم كبش محرقة في ختام الأزمة السورية، وبالتالي ستكون الرياض أمام “جاستا” سوري و”جاستا” أمريكي.
“الوقت التحليلي”