ملف: الأخبار: وكالة الصحافة اليمنية
أكد مصدر قيادي في حركة «أنصار الله»، لـ«الأخبار»، أن اغتيال رئيس المجلس السياسي الأعلى، صالح الصماد، شاركت فيه قوات الولايات المتحدة، في عملية على الساحل الغربي لليمن، يوم الخميس الماضي. وأفاد المصدر بأن الصماد كان ضمن جولة له في الحديدة، ويتنقل بموكب رمزي يقتصر على سيارتين: واحدة يستقلها بيضاء اللون مع سائق ومرافقين اثنين، وباص يقلّ مرافقين آخرين.
وعقب تحركات أمنية في الجو، وعبر عملاء على الأرض، وبعد عملية معقدة، رُصد هدف صُنِّف على أنه «قيادي عسكري كبير»، لتنطلق إثر ذلك طائرة حربية ترافقها طائرة استطلاع إلى أجواء الحديدة. ومن ثم أقدمت المقاتلة الحربية (لا يزال مجهولاً ما إذا كانت أميركية أم سعودية أم إماراتية) على تنفيذ هجوم بقصف السيارتين، ما أدى على الفور إلى مقتل الصماد ومرافقيه الستة، الذين ليس من بينهم من يحمل رتبة قيادية.
اختارت «أنصار الله» تأجيل الإعلان عن مقتل الصماد لجملة أسباب، ليس من بينها أن الرئيس كان جريحاً. يلخص المصدر دوافع التأخير بالآتي: تقييم الوضع الداخلي واختيار خليفة للصماد يسد ثغرة أحدثها اغتيال الرجل الذي وصفه المصدر بـ«الخسارة الكبيرة جداً جداً»، وتقييم الهجوم أمنياً وما يرافقه من مخاوف في عملية مماثلة، والأهم التأكد من منفّذي الجريمة بالوسائل كافة، الأمنية والإعلامية والسياسية، وهي التي قادت جميع خيوطها إلى إسهام الأميركيين في العملية.
شكل تأخير الإعلان عن الاغتيال فضيحة كبيرة للقوات السعودية والإماراتية التي تقود العدوان على اليمن، إذ لم يكن هؤلاء على علم ودراية بما جرى. لم يعلن تحالف العدوان عن أيّ غارات أو عمليات في المنطقة طوال المدة التي تقلّ عن خمسة أيام بقليل، سوى تسريبات صحافية تزعم قتل من اعتبر «قائد القوات البحرية». حتى إن الرياض وأبو ظبي ابتلعتا الطعم الأمني الذي رمته صنعاء، عبر إظهار الصماد في شريط مصوّر بعد استشهاده، يتضمن جولات الرجل على ورش التصنيع العسكري المحلي. تعمّدت قيادة «أنصار الله» إظهار الشريط لسببين: الأول فضح ضعف السعوديين والإماراتيين استخبارياً، وإفشال أي خطوة مبيّتة للأعداء قد تلي العملية، عبر إيهامهم بفشل الهجوم واتخاذ تدابير الاستعداد اللازم. ولم ينشر السعوديون صوراً للهجوم من الجو، إلى أن حدّد قائد «أنصار الله»، السيد عبد الملك الحوثي، أمس، مكان الاستهداف في شارع الخمسين في الحديدة.
فضيحة كبيرة للسعودية والإمارات
لدى قيادة «أنصار الله» ملء الثقة بأن الأميركيين شاركوا في الهجوم، أقلّه عن طريق الاستطلاع والدعم الأمني، مع احتمال أن تكون الطائرات السعودية شاركت بما يقتصر على تنفيذ الغارة من دون العلم بالهدف. المسؤولية، بحسب أصحاب القرار في صنعاء، لا تستثني أي طرف من الجبهة المقابلة. والرد الذي يجري تدارسه منذ الجمعة، يشمل أهدافاً تتناسب والخسارة التي تتطلب تدفيع العدوان ثمناً موجعاً. تؤكد قيادة «أنصار الله» أن الرد قادم، وسيشمل هدفاً أميركياً من بين عدة أهداف، ولن يقتصر على السعودية والإمارات. وتشير مصادر الحركة إلى أن الصماد كان هدفاً للسعودية والإمارات، لكن في أي من جولاته السابقة في المناطق، بما فيها نزوله المتكرر إلى الحديدة والساحل الغربي، لم ينجح هؤلاء في الوصول إلى الهدف الثاني على قائمة «المطلوبين»، حتى تدخّل الأميركيون، أخيراً، في عملية معقدة تحمل بصمات واشنطن بوضوح، ولا تشبه عمليات القصف التي ينفذها التحالف السعودي منفرداً.
تشارك واشنطن لوجستياً وتسليحياً ومعلوماتياً في الحرب ضد اليمن، منذ لحظة الإعلان عنها. وتسخّر لذلك كل الإمكانات، بما فيها الأقمار الصناعية وعمليات تزويد الطائرات بالوقود في الجو، والمعلومات الاستخبارية، إضافة إلى وجود غرفة عمليات مشتركة في الخليج، يشرف فيها عشرات الضباط من قيادة الشرق الأوسط على سير المعارك والعمليات والغارات الجوية، ويقدّمون الاستشارات للضباط الخليجيين. الانخراط الأميركي في الحرب تصاعد منذ وصول الرئيس دونالد ترامب إلى الرئاسة. وتشير معلومات إلى أن إدارة ترامب تشارك السعوديين والإماراتيين الرغبة في إبعاد «أنصار الله» عن كامل الساحل الغربي، وميناء الحديدة بالتحديد، وهو ما كان محل نقاش أميركي لأسباب إنسانية. الحماسة الأميركية توازيها حماسة مماثلة لدى بريطانيا، التي يُرصد لها اهتمام استثنائي بالساحل والبحر الأحمر. ومن المتوقع أن تتصاعد العمليات في الساحل الغربي بهدف الوصول إلى الحديدة، كمحطة أساسية يراهن عليها تحالف العدوان في كسر صمود صنعاء.
كان الصماد يردد أنه لا يملك مالاً كافياً ليصرفه على أبنائه إذا ما استشهد، ولن يكون أمام عائلته سوى العودة من العاصمة صنعاء إلى قريتهم في الشمال إذا ما نجح العدو في قتله. لكن المؤكد أن الرئيس اليمني، صاحب الكاريزما والموهبة الخطابية والنشاط الدؤوب، خلّف وراءه عشرات الآلاف من الجنود الذين قام بتخريجهم في دورات المعسكرات التدريبية في الأشهر الماضية، فضلاً عن قوة عسكرية صاعدة ومتنامية لم يشهد اليمن مثيلاً لها، من بينها ما كان الرجل مهتماً بمتابعته شخصياً باهتمام بالغ: البرنامج الصاروخي الذي أوصله إلى معادلة «صواريخ يومية على السعودية»، والتصنيع العسكري المحلي على صعد متنوعة، والقوة البحرية على الساحل الغربي. عناصر قوة شارك في تفعيلها الصماد، وتركها لبلاده إرثاً كافياً للرد على العملية، التي أراد من اتخذ قرارها إيقاف المد الثوري في اليمن.