تحليل// عمرو عبدالحميد// وكالة الصحافة اليمنية//
لم يكن قبول الإمارات بالانخراط في التحالف الذي أعلنت عنه الولايات المتحدة الامريكية أواخر مارس من العام 2015م للحرب على اليمن عبثياً بل له أطماع استراتيجية مزدوجة ورغبات تسلطية.
مع انطلاقة الحرب على اليمن وجهت الإمارات عينيها صوب السواحل اليمنية والمناطق النفطية قبل أن تتقهقر بعد تواجد قواتها في مأرب وذلك بفعل الضربة الشهيرة للقوة الصاروخية في الجيش اليمني والذي استهدف القوات الإماراتية بصاروخ توشكا مطلع سبتمبر في العام 2015 وكبدها عشرات القتلى والجرحى من جنودها وضباطها لتعود وتصب تركيزها على السواحل والجزر اليمنية والخط الملاحي الدولي تجنباً للخسائر البشرية والمادية بشكل مباشر.
بكل ثقلها عملت الإمارات لتحظى بتواجد فاعل على السواحل اليمنية بداءً من تواجدها العسكري ثم دعم بعض المكونات عسكرياً وسياسياً كـ”الانتقالي” في المحافظات الجنوبية اليمنية والمؤتمر الشعبي جناح “عفاش” بقيادة “طارق” في الساحل الغربي مستغلة انشغال السعودية بوضعها السياسي المتصدع على مستوى الداخل، وبمعاركها الحدودية مع الجيش اليمني واللجان الشعبية.
منظمات دولية تناولت في تقارير عدة، الانتهاكات الإماراتية بحق اليمنيين بالمحافظات الجنوبية من خلال السجون السرية أبرزها في “بئر احمد” بمحافظة عدن وفي مقر شركة توتال الفرنسية في “بلحاف” بمحافظة شبوة ومطار “الريان” الدولي بالمكلا، ما شكل ضغوطاً على الإمارات جعلها تعلن سحب قواتها من اليمن لإيهام الرأي العام الدولي بخروجها من اليمن للهروب من المُسائلة، وتلجأ إلى رفع وتيرة الدعم إلى بيادقها المتمثل بـ”الانتقالي” ومؤتمر “عفاش” الضامنان للتواجد الإماراتي على السواحل والجزر اليمنية فالانتقالي تسترت به “أبوظبي” لاحتلال جزيرة سقطرى وتغيير ديمغرافيتها وضمها كأمارة ثامنة خصوصاً مع صمت “حكومة هادي” وتواطؤ المجتمع الدولي.
شهية الإمارات توسعت بعد نجاح مآربها في “سقطرى” لتذهب للالتهام جزيرة “ميون” والتي تُعد أهم الجزر اليمنية على الإطلاق كونها تقع في أهم الممرات المائية بالعالم والشريان الرابط بين البحر الأحمر وبحر العرب وخليج عدن ولهذا دفعت الإمارات بـ “طارق عفاش” للتواجد في مدينة المخاء بالساحل الغربي ليكن عصى لتطويع الأهالي للقبول بها وكخط دفاعي يحمي تحركاتها وإنشاءاتها العسكرية من ضربات محتملة من قبل الجيش اليمني الذي يواجه التحالف منذ سبعة أعوام أو أي متغيرات طارئة قد تفسد المخططات الإماراتية.
عمل النظام الإماراتي على تسويق نفسه في الفترة الماضية من حربه على اليمن كوكيل حصري في المنطقة يستحق الاعتماد عليه من قبل الأنظمة الغربية لا سيما مع فرض وجوده العسكري في أهم الممرات المائية في المنطقة وإن كانت بإشراف أمريكي إلا أنها تظل محسوبة لأبوظبي.
لم تأتي وكالة “اسوشيتد برس” الامريكية بشيء جديد حول حديثها او كشفها عن إنشاء الإمارات قاعدة جوية في جزيرة “ميون” ونقل أسلحتها إلى الجزيرة من قاعدتها في ارتيريا سوى تأكيد المؤكد وإظهار سوءة “حكومة هادي” التي اباحت السيادة اليمنية لدولة كالإمارات والتي تعيش الدور على أنها “اسبارطة” الجديدة في التاريخ المعاصر كما أوهمها الامريكيون بوصفهم لها بذلك وهو الأمر الذي خلق جنون العظمة لدى حكام الإمارات.
كل الخطوات الإماراتية فيما يخص تواجدها العسكري في السواحل والجزر اليمنية والتي تقع في نطاق أهم الممرات المائية بالعالم، لم تكن لتبقى دون المباركة الامريكية وأن طفى إلى السطح بعض التباينات في السياسة المرسومة بينهما.
ما كشفته وكالة “اسوشتيد برس” الأمريكية عن الوجود العسكري الإماراتي في جزيرة “ميون” ثم إصدار التحالف بيان يزعم بأن التواجد يأتي في إطار عمليات التحالف مبرر يثير السخرية إلا أنه يؤكد الحضور الإسرائيلي وإلا لما كان التحالف يجرؤ لإصدار بيان عكس الرغبة الامريكية ما يدحض التأويلات بأن تناول الوكالة الامريكية للقاعدة الجوية الإماراتية في “ميون” يأتي نتيجة التقارب الإماراتي الصيني وتهديد الأمريكيين بإفشال صفقة الطائرات اف 36 المُبرمة بين إدارة “ترامب وأبوظبي” كهدية بمناسبة إخراج العلاقة السرية بين الإمارات وإسرائيل من السر إلى العلن لا يتوافق أو ينسجم مع الواقع لا سيما أن البيت الأبيض قبلة حكام الخليج ولا قدرة لهم أن يولوا وجهوهم لغيره.
جزيرة “ميون” حلم دول الاستكبار اليوم كما كانت محل أطماع واحتلال الدول في التاريخ بداءً من البرتغاليين مروراً بالعثمانيين والفرنسيين والبريطانيين ما بين 1799م وحتى 1967م، وكان لها دور بارز في فرض حصار على السفن المتجهة إلى مرفأ “إيلات” المحتل من الكيان الإسرائيلي خلال حرب نوفمبر في العام 1973 بعد تنسيق يمني مصري.
وما يميزها أنها تقسم مضيق باب المندب إلى ممرين أو قناتين، شرقية تعرف باسم “باب إسكندر” وعرضها 3 كلم وعمقها 30 متراً، وتقع بين الجزيرة والبر الآسيوي، وغربية تفصلها عن البر الإفريقي بمسافة 16 كلم وعمقها يقدر بـ100-310 أمتار في العمق المحاذي للساحل الإفريقي.
وهو ما يسمح لشتى السفن وناقلات النفط بعبور الممر على محورين متعاكسين متباعدين بسهولة ويُسر وتُعد “ميون” مفتاح قناتي “السويس” ومضيق “هرمز” أمام الملاحة الدولية ومرور 21 ألف ناقلة نفط سنوياً.. وهذه أهم العوامل التي جعلت من الجزيرة لها أهمية عسكرية استراتيجية بالغة، تمكن من يسيطر عليها تحقيق السيطرة العملياتية العسكرية والتحكم بالملاحة الدولية.
مميزات جزيرة “ميون” تكشف ما يريده الإعلام الأمريكي أو بالأصح الإدارة الأمريكية التي تتخذ الإمارات والسعودية قفازين لتحقيق مشاريعها بأقل تكلفة فإلاعلان عن التواجد الإماراتي يرفع الحرج عن أمريكا أمام المجتمع الدولي من احتلال مباشر للجزيرة ليكون تواجدها من خلال القفازات الخليجية هذا من زاوية، أما الزاوية الأخرى هو السعي إلى تدويل قضية الجزيرة ووضعها تحت وصاية دولية بعد فشل محاولتها في مناسبتين سابقتين الأولى بعد هجوم فدائيين فلسطينيين على ناقلة نفط متجهة إلى ميناء إيلات الإسرائيلي في العام 1971 والثانية بعد نجاح فرض الحصار على الكيان الإسرائيلي اثناء العدوان على مصر في العام 1973، بالإضافة إلى محاولة بريطانيا لفرض التدويل قبل انسحابها من جنوب اليمن في عام 1967.
كل المعطيات السابقة لا تخرج عن إطار فائدة الكيان الإسرائيلي وتحقيق حلم رواده من السبعينيات والقضاء على كابوس أرقه في آن واحد، فالتواجد الإماراتي والسعودي في “ميون” هو تواجد إسرائيلي كان حاضراً منذ أول ساعة من شن الحرب على اليمن وقد عبرت التصريحات الرسمية لقادة الكيان عن ذلك وأبرزهم رئيس الوزراء “نتنياهو” الذي ابدى قلقه بعد ثورة الـ 21 من سبتمبر من وصول من قال عنهم “الحوثيين” إلى باب المندب قبل العدوان على اليمن بأيام.