تحقيق / حلمي الكمالي / وكالة الصحافة اليمنية //
يتعرض شعب اليمن، لأقذر حرب عرفها العصر الحديث، من خلال الحرب الإقتصادية، التي تشنها قوى التحالف على اليمنيين، عبر ضرب قيمة العملة المحلية الريال، بهدف إخضاع الشعب.
هذه الحرب المسكوت عنها خارجيا وداخليا إلى حد ما، التي يتعرض لها الشعب اليمني من صعدة إلى المهرة، بحاجه إلى استفاقة شعبية حقيقية نظراً للمخاطر المترتبة على هذه الحرب، التي تتربص بكل اليمنيين.
“وكالة الصحافة اليمنية” تسلط الضوء على واحدة من أقذر أشكال الحرب التي يتعرض لها شعب اليمن على يد دول التحالف، وتكشف الستارعنها أمام الجمهور الذي يعيش أعراضها الفتاكة في كل تفاصيل حياته اليومية، وتوضيح حقيقة ما يدور خلف كل القرارات والإجراءات المتعلقة بالعملة، التي تتخذها “حكومة هادي” في إطار الخدمات التي تقدمها الأخيرة لدول التحالف؛ لنسف الإقتصاد اليمني.
التحقيق التالي يكشف خبايا حرب العملة الأخيرة، ويفك شفرات التضليل وعمليات التحايل والمبررات التي تضج بها “حكومة هادي” و خطورة ما يتعرض له شعب اليمن، من مؤامرة كونية، تمتد على كامل الخريطة اليمنية دون استثناء.
رصاصة الرحمة
البداية من الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها ما يسمى بـ”حكومة الشرعية” تحديدا عندما أقرت رفع الرسوم الجمركية من 250 ريالا يمنيا إلى 500 ريال، بالتزامن مع قرار بنك عدن المركزي، بضخ أوراق مالية جديدة من فئة الألف ريال من الحجم الكبير المطبوعة دون تأمين.
هذه القرارات التي اعتبرها خبراء الإقتصاد بمثابة ” رصاصة الرحمة ” على كاهل المواطن اليمني؛ بإعتبارها قرارات عشوائية متعمدة ، تهدف إلى مضاعفة الأعباء المعيشية على المواطنين.
تساؤلات حول الألف المضروبة
قبل التطرق للآثار المدمرة لهذه الإجراءات الإقتصادية القاتلة، يجب التعريج على نقطة مهمة، حول الغاية من طباعة نحو 400 مليون ريال من فئة الألف ريال من الحجم الكبير، بنفس مواصفات العملة المطابقة لها في صنعاء،ولم يتم طباعة نفس الرقم من الحجم الصغير الجديد التي طبعتها “حكومة هادي” في السابق؟!
حسب اقتصاديون، فإن هذه الخطوة تهدف إلى إغراق الأسواق في مناطق سيطرة حكومة صنعاء؛ لضرب تماسك العملة المحلية المستقرة فيها، مشيرين إلى أن مثل هذه الإجراءات الإقتصادية يراد منها تحقيق مكاسب سياسية عجزت المواجهة العسكرية عن تحقيقها.
تعويض الخسارة العسكرية أمام صنعاء
يقول وكيل وزارة المالية في حكومة صنعاء، أحمد حجر ، في حديثه لـ”وكالة الصحافة اليمنية ” حول هذه الآراء إن ” هناك علاقه طردية بين الهزائم العسكرية التي تتعرض لها دول العدوان وتكثيف الحرب الإقتصادية، فكلما زادت هزائمها كلما زادت من تشديد حروبها الإقتصادية”.
فشل كافة وسائل الحرب الإقتصادية
ويرجع حجر، أنه نظرا لفشل كافة وسائل الحرب الإقتصادية التي اتخذها التحالف سابقا إبتداءا من سياسة السيطره على موارد الثروات المعدنية (النفط والغاز ) ومنع الصادرات، ومرورا بنقل مهام البنك المركزي من صنعاء إلى فرعه في عدن ، وانتهاء بطبع كميه كبيره من النقد غير الرسمي وفق مواصفات العملة ” الإماراتية “؛ لجأت ” الحكومة” الموالية للتحالف، إلى طباعة عملة مطابقة للعملة الرسمية، وذلك لتتمكن حكومة التحالف من تمريرها في محافظات السيطرة الوطنية بهدف إغراق السوق المحلية بهذه العمله المزورة وسحب النقد الأجنبي وتهريبه إلى الخارج وبأي ثمن.
أحمد حجر : ضخ العملة المزورة يهدف توفير بيئة مناسبة لتحريك الشارع ضد القوى الوطنية
ويشير خبير الإقتصاد، أحمد حجر، إلى أن ” إغراق الأسواق في مناطق السيطرة الوطنية بالعملة المزورة المطابقة للعملة القديمة، سيتسبب بإشعال أسعار صرف العملات الأجنبية، وارتفاعها بصوره متتالية ومتزايده، ما يؤدي إلى ارتفاع كبير في مستوى الأسعار للسلع الأساسية والغذائية؛ مما يزيد من حالة الفقر والبطالة واستمرار تراجع مستوى الأنشطة الإقتصادية، وتدهور الخدمات “.
محاولة إثارة الشارع
ويلفت حجر، إلى أن التحالف يبحث من خلال الآثار المترتبة من هذه الإجراءات إلى توفير بيئة مناسبة وفعالة لتحريك الشارع ضد القوى السياسية المناهضة له حتى تكون أداة ضغط على متخذي القرار سواء في ظل إستمرار الحرب أو في حالة حدوث مفاوضات.
واشنطن : الحرب الإقتصادية على اليمن مفتعلة
وكانت الولايات المتحدة قد اعترفت الأسبوع الماضي، على لسان المتحدث باسم الخارجية الأمريكية “نيد برايس” أن سياسة التجويع والعقاب الجماعي التي يتعرض لها الشعب اليمني، مفتعلة ، في إشارة واضحة لاستخدام التحالف لهذه الحرب بهدف تطويع القوى السياسية في صنعاء ، وتمرير الإملاءات الأمريكية.
عملية احتيالية
بجانب ذلك، فإن الهدف من الطبعة الأخيرة لم يكن يستهدف المناطق التي تسيطر عليها حكومة صنعاء وحسب، وإنما يهدف لتحقيق غايات التحالف في كل اليمن ، إذ يؤكد محللين إقتصاديين أن طباعة عملة مطابقة للعملة القديمة تعد عملية احتيال على الشارع الجنوبي الذي رفض إستمرار بنك عدن بإغراق الأسواق في تلك المحافظات بالعملة الجديدة والتي أدت إلى انهيار سعر الصرف إلى أكثر من 1000 ريال للدولار الواحد، والسخط الشعبي بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية والاساسية في تلك المحافظات.
عزوف الشارع الجنوبي عن العملة الجديدة
ويرى الخبير الإقتصادي رشيد الحداد، في حديثه لـ”وكالة الصحافة اليمنية “أن قيام “حكومة هادي ” بطباعة عملة بتاريخ قديم من فئة الالف ريال التي تكلفها أقل من 70 ريال للألف ريال، هي بالفعل عملية احتيالية، تأتي ردا على عزوف التجار وأصحاب رؤوس الأموال عن التعامل بالعملة المطبوعة الصغيرة بسبب ارتفاع العرض النقدي منها إلى معدلات كبيرة تفوق إحتياج السوق من العملة عن التعامل بها واتجاه الجميع نحو استبدال تلك العملات بالدولار والسعودي لتأمين عملاتهم من التأكل في ظل استمرار التدهور في سعر العملة المطبوعة ، إضافة إلى عجز “حكومة هادي” عن صرف رواتب موظفيها في عدن وعدد من المحافظات منذ ديسمبر الماضي.
تناقضات البنك المركزي في عدن
الغريب، أن تصريحات البنك المركزي اليمني في عدن متضاربة وتنقض بعضها البعض، حيث صرح البنك في بيان عقب عملية الضخ الأخيرة، تحدث فيه أنه بصدد إعداد دراسة يوازن فيها إحتياجات السوق للعملة ، ولكن هذه الإجراءات يفترض أن تكون قبل ضخ العملة إلى الأسواق، ما يعكس التبريرات الواهية، والغير منطقية التي تطلقها “حكومة هادي”.
معالجة الداء بالداء
الأغرب من ذلك ، أن “حكومة هادي” لخشيتها من ردة فعل الرأي العام في المحافظات الجنوبية بررت تلك الخطوة التي أقدم عليها البنك، بأنها تأتي “لإزالة التشوهات النقدية”، واعترفت بأن طباعة 2 تريليون من العملة بحجم صغير كان خطاءً فادحاً، ولكن معالجة التشوهات والفارق في سعر صرف العملة لا يتم عبر معالجة الأثار التضخمية بضخ عشرات المليارات من العملة المطبوعة ، وهذه آلية لم يسبق لأي مصرف مركزي في العالم أن لجأ إليها ، كونها معالجة الداء بالداء ، والآثار التضخمية للعملة سواء حجم العملة صغير أو كبير، هي ذاتها ، حسب ما يؤكده الخبير الإقتصادي الحداد.
غياب الدورة المالية في عدن
ما يجب الإشارة إليه هنا، هو أنه لا يوجد دورة مالية داخل البنك المركزي في عدن، حيث لا يتم توريد أي إيرادات نفطية أو ضريبية أوجمركية من المحافظات الواقعة تحت سيطرت التحالف إلى البنك، بحسب إعتراف “حكومة هادي” التي تقوم بالسحب المالي على المكشوف بشكل مستمر منذ أربع سنوات ، وتغطي العجز بطباعة عملة دون غطاء ، فيما تذهب عائدات النفط والغاز اليمني إلى البنك الأهلي السعودي وليس إلى البنك المركزي في عدن.
إستهداف القوة الشرائية
لذلك، يمكن القول أن تلك الإجراءات مؤامرة واضحة على العملة الوطنية واستهداف ممنهج لقوة الريال اليمني الشرائية، وعقاب جماعي للمواطن اليمني في تلك المحافظات، كونه من تحمل الآثار التضخمية لسياسات سد عجز “حكومة هادي” في إدارة الملف المالي والإقتصادي بنقد مزور وعملة مطبوعة دون غطاء.
القفز على الحقائق
من الواضح جدا أن الجميع يتفق حول الحرب القذرة التي يشنها التحالف بحق الإقتصاد اليمني ، إلا أن المشكلة تظل في التضليل الكبير والتعتيم الممنهج بشأن كل ما يخص الجانب الإقتصادي في اليمن، حيث يتم تداول أخبار مفبركة بين أوساط المجتمع؛ لتكريس مفاهيم مغلوطة، فعلى سبيل المثال، يذهب البعض لمطالبة صنعاء بصرف المرتبات، في نفس الوقت الذي يباركون فيه نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن.
وهنا يتم القفز على حقائق هامة وردت بموجب الإتفاق مع الأمم المتحدة عند نقل البنك إلى عدن في 19 سبتمبر 2016م، والتي تنص على إلتزام “حكومة هادي ” أمام الأمم المتحدة والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، صرف رواتب الموظفين والحفاظ على سعر صرف العملة لما لها من علاقة بالوضع الإنساني والمعيشي، ولكن تم التنصل عن هذا الإلتزام واستخدمت وظائف البنك كأداة حرب اقتصادية ضد كل اليمنيين.
تسريح حكومة هادي لموظفي الدولة
ولم تتوقف “حكومة هادي ” عند حرمان أكثر من 800 ألف موظف حكومي في مناطق سيطرة صنعاء، من مرتباتهم، بل ذهبت بحسب معلومات خاصة حصلت عليها ” وكالة الصحافة اليمنية ” نقلا عن مصدر مسؤول في ” حكومة هادي ” على إحلال موظفي الدولة بموظفين آخرين وأقرت عام 2019م، رفع الباب الأول من الموازنة العامة للدولة وهو باب الأجور والمرتبات من 947 مليار ريال وفق موازنة العام 2014، كانت تصرف كرواتب رسمية وعلاوات وبدلات ورواتب متعاقدين وحتى رواتب العاملين بالأجر اليومي ، إلى أكثر من تريليون و170 مليار ريال، وهو إرتفاع مهول خارج نطاق كشوفات موظفي 2014م.
نسيان الحقائق
وطبقا لهذه المعلومات ، فإن ما يحدث اليوم، هو أن “حكومة هادي ” تستخدم العملة المطبوعة كمجهود حربي وتصرف رواتب لمئات الآلاف من الموظفين الوهمين، في ظل تقاعس الأمم المتحدة في إلزامها بصرف رواتب الموظفين في المحافظات الواقعة تحت سيطرة صنعاء وذلك بموجب الإتفاق المبرم.
خبراء إقتصاديون: طباعة عملة مطابقة للعملة القديمة عملية احتيال تستهدف الشارع في المحافظات الجنوبية
كل تلك المعلومات والحقائق التي تعترف بها “حكومة هادي ” ، وتقرها الأمم المتحدة ، يتم نسيانها والتعتيم عليها، عندما يبدأ الحديث عن إنهيار الوضع الاقتصادي في البلاد،في حين يتم تعبئة الشارع اليمني ضد القوى الوطنية في صنعاء بطريقة فجة تصيب المتلقي العاقل بـ” الجنون “.
استغباء الشارع
ومما يتم تداولها من المغالطات في محاولة ل” استغباء ” الشارع بمسألة العملة ، كما يصفه مراقبين؛ نشر ثقافة الإستياء من رفض صنعاء دخول العملة الجديدة الغير شرعية إلى مناطقها، دون معرفتهم المخاطر التي يمكن أن تخلفها هذه العملة على الوضع المعيشي للمواطنين كما هو حاصل في المحافظات الجنوبية التي تشهد احتجاجات شبه يومية بسبب تردي الأوضاع المعيشية وإرتفاع هستيري في أسعار السلع الغذائية والأساسية، نتيجة تضخم العملة.
مفارقات واضحة
ولكن، في مقارنة بسيطة بين وضع العملة الوطنية في صنعاء وعدن منذ بداية ضخ العملات بدون غطاء، يتضح أن صنعاء التي رفضت الطبعات الجديدة، حافظت على إستقرار أسعار الصرف تحت حاجز 600 ريال للدولار الواحد، بينما تجاوزت أسعار الدولار الواحد في عدن، حاجز ال1000 ريال، ما يعني فعالية إجراءات حكومة صنعاء تجاه العملة المضروبة على الرغم من الحصار الخانق الذي تتعرض له وانقطاع المرتبات ونزوح معظم السكان إلى مناطق سيطرتها، بالمقابل سيطرة “حكومة هادي” على جميع موارد البلاد.