خاص: وكالة الصحافة اليمنية
يشهد الشارع السوداني نوع من الغضب والغليان تجاه حكومة البشير الذي زج بمئات من جنود بلادهم في الحرب الدائرة في اليمن.
وبلغت الأصوات المطالبة بسحب القوات السودانية من اليمن ذروتها هذا الاسبوع وتمثل ذلك بتبني كتلة الاصلاح الآن للمطالبات الشعبية وطرحها رسمياً في مجلس النواب، ليقوم المجلس باستدعاء وزير الدفاع بشأن تلك المطالبات فيعلن أن حكومته بصدد تقييم مشاركتها في حرب اليمن واعداً باتخاذ قرار يراعي مصلحة السودان.
في السياق نفسه نشر الكاتب السوداني الطيب مصطفى وهو خال الرئيس البشير مقالاً بعنوان “آن الآوان لسحب قواتنا من اليمن” اليوم الخميس في صحيفة الصيحة وصف فيه تعامل دول الخليج مع بلاده بالحقير وأنه لا يشفي السودان إلا سحب جنودها فوراً.
وقارن مصطفى كيفية التعامل مع مصر مقارنة ببلاده حيث موضحاً بأن الرئيس المصري انتزع لبلاده مليارات الدولارات من الخليج دون أن سريل جندياً واحداً، بينما لم تحصل السودان على أي مقابل بالرغم من ارسال جنودها من أول يوم في الحرب التي شنتها السعودية على اليمن.
نص المقال :
حق لمن نادوا بسحب القوات السودانية من اليمن أن يجهروا بأصواتهم ويرفعوها إلى عنان السماء، فما عاد هناك مبرر للصمت على ظلم تطاوَل وصبر فاق كل حدود المعقول والمقبول.
حتى قبل نحو عامين كان جنيهنا والجنيه المصري كفرسي رهان يقفان على حافة الستة عشر جنيهاً للدولار، فإذا بالمصري يثبت على حاله حتى اليوم بينما هوى جنيهنا الذي لا بواكي له ولا نصير، إلى القاع حتى بلغ الدولار اليوم في السوق الموازي 40 جنيهاً والحبل على الجرار!
أنعم قادة السعودية والإمارات على الخزانة المصرية بعشرات المليارات من الدولارات ثبّتوا بها الجنيه المصري وغمروا حليفهم السيسي بالهبات والعطايا ثم بالزيارات (الملكية) التي يخشون أن تعفر أقدامهم إن وطئوا بها أرضنا، بالرغم من أن السيسي أحجم حتى عن إرسال جندي واحد للمشاركة في عاصفة الحزم التي تقدّم صفوفها من أول يوم جنود السودان البواسل الذين استشهد منهم ولا يزال المئات ذودًا عن بلاد الحرمين وعما سُمّي بالشرعية في اليمن.
تواتَرت زيارات الرئيس البشير إلى المملكة تأكيداً على علاقة أرادها السودان إستراتيجية، بل كان السودان أول المسارعين إلى قطع علاقاته بحليفته القديمة إيران لمجرد قيام بعض متظاهريها بالاعتداء على السفارة السعودية بطهران، أما مصر المدلَّلة فرغم (الرز) الملياري فلا يزال علَم سفارتها يُرفرف في سماء طهران!
ليس حسداً لمصر – والله العظيم – لأن الأولى بالحسد رئيس أمريكا ترمب حليف إسرائيل وعدو أمتنا الإستراتيجي الذي (غرف) مئات المليارات من أموال البترودولار في عطاء بلا مقابل!
يعلم راعي الضأن في بوادي السودان أن شعبنا لم يعانِ منذ سنوات من أزمة اقتصادية كما عانى خلال الأشهر القليلة الماضية، وبات الناس يتندّرون بدخول طول صفوف الوقود موسوعة جينيس للأرقام القياسية، وعادت تلك الأيام النحسات من جديد، حين كان الناس يسهرون حتى الصباح أمام طلمبات الوقود، وحدثت ندرة في الدولار والعملات الحرة ربما لم يشهد السودان لها مثيلاً في تاريخه الطويل، ويكفي أن الحكومة اضطرت، من أجل كبح جماح الدولار ومنع مضاربة أصحاب المال، إلى خيار حرمان الناس من سحب أموالهم بالرغم من تأثيره الهائل على مصداقية النظام المصرفي، مما أعاد الناس إلى عهود سلفت، الأمر الذي اضطرهم إلى اقتناء الخِزن المنزلية التي ارتفعت أسعارها، لحفظ أموالهم. للأسف الشديد، فإنه رغم تجفيف السيولة لا يزال الدولار يواصل تمرّده، ولا أحد يعلم ما سيحدُث لجنيهنا المغلوب على أمره لو سُمح للناس بسحب أموالهم!
كان ذلك الحال البائس معلوماً لقادة وزعماء الدول التي ينزف أبناؤنا الدماء الغالية دفاعاً عنها وعنهم، فقد حفيت أقدام كبارنا وأريق ماء وجوههم، وهم يطرقون أبوابهم طلباً لودائع أو قروض سلعية، وكم كان محزناً أن تتراص صفوف الوقود ويُهدد الموسم الزراعي بكل ما يعنيه ذلك من أخطار سياسية واجتماعية، ولا يتكرّم علينا من نحميه بالمهج والأرواح بقرض بترولي سلعي – أقول قرضاً وليس هبةً – بالرغم من أنه أكبر مصدري البترول في العالم، وبالرغم من أنه على مرمى حجر من بلادنا!
ولكن هل اقتصر الأمر على كف عطائهم عنا وإغداقهم على مُبتزِّيهم من الأعداء والحُلفاء أم إن الأمر أكبر من ذلك؟
هل تذكرون ضجيج (منسوبهم) طه عثمان وموظفي علاقاته العامة حين أوحوا للناس بفرية كبرى أنه لولا أولياء نعمته وسادته لما رُفعت العقوبات الأمريكية؟
نحمد الله أن استبانت الحقيقة، وانكشف المستور حين ظلّت مصارفهم مغلقة عن التعامل مع بنوكنا حتى بعد رفع العقوبات!
كنتُ أعلم أنهم أهون من أن يؤثّروا على صاحب القرار الأمريكي ففاقد الشيء لا يُعطيه، ومن يهُن يسهل الهوانُ عليه ومن يؤمَر لا يأمُر ومن يُذعن ليس مؤهّلاً للتوسط، فقد كان ما حدث من رفع للعقوبات الأمريكية عطاء غير منقوص لوزارة خارجيتنا وجهاز أمننا ولله الحمد.
أكثر ما يفري الكبد أن من بذل السودان الدماء في سبيلهم يعلمون ما تنطوي عليه الأزمة الخانقة على الحكومة التي ما استبقت شيئاً في سبيل الدفاع عنهم، وكم كانت المفارقة مدهشة أن ندافع عنهم ولا يأبهون لما يُمكن أن تجرّه تلك الأزمات على نظام الحكم الذي انبرى للذود عنهم، وما يعنيه سقوط الحكومة المنافحة عنهم، فما أرخص دماء أبنائنا عليهم، وما أغلى المال عندما يكون مطلوباً لبلادنا التي تشكو ضعف قوتها وقلة حيلتها وهوانها على المتطاوِلين عليها، وما أرخصه وأتفهه عندما يُغدَق على غيرنا خاصة من (بني الأصفر) حتى ولو تآمروا علينا واحتلوا أرضنا ومقدساتنا ومنحوا القدس، حيث المسجد الأقصى، لأعدى أعدائنا؟!
حتى دولة قطر حليفتنا الاستراتيجية التي لطالما وقفت معنا دون منٍّ ولا أذى أحجمت عن نجدتنا رغم علمها بحالنا ربما جراء عدم رضاها عن موقفنا الوسطي بين المُعسكرين.. معسكرها ومعسكر دول الحصار، فهلا حسمنا أمرنا بدلاً من هذا التذبذب بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، والذي لم يُورثنا غير الخسران؟!
شعور بالخزي والأهانة ورب الكعبة يغمر شعبنا جراء هذا الاحتقار والتطاوُل على كبريائنا لن يكافئه إلا سحب فوري لقواتنا، فما عاد هناك من مُبرر، بعد أن رأينا مآلات حرب اليمن التي غدت مجرد صراع على النفوذ، وبعد أن حُبس (هادي) رمز الشرعية اليمنية، وبات يُدار بالريموت كونترول، وبعد أن انتقل صراع النفوذ إلى حدودنا الغربية دعماً لعدوّنا حفتر الذي يؤرّق أمننا من تلقاء متمرّدي دارفور .
لن يرضوا عنا حتى لو بذلنا دماءنا في سبيل عروشهم، فقد صنّفونا أعداء إستراتيجيين، وذلك هو سر التضييق المسكوت عن مُبرراته رغم وضوح تداعياته.. نعم لم يرضوا عن موقفنا الوسطي من قطر ثم عن مواقفنا التالية من تركيا أردوغان ثم سوريا وروسيا وإيران.
نعم، لقد آن الأوان لأن نحسم أمرنا ونستعيد جُندنا وندّخرهم لنصرة الحق، فوالله إنه أرضى لربنا وأمتنا، فمن يضع يده في يد الأعداء ليمرر سايكس بيكو جديدة، ووعد بلفور جديداً لا خير فيه وصفحات التاريخ لا ترحم، وقصة ابن الأحمر وهو يسلم مفاتيح غرناطة لا تزال شاخصة تستعصي على النسيان.