حوار / حلمي الكمالي / وكالة الصحافة اليمنية //
في حوار حمل الكثير من الشفافية، وضع وكيل وزارة المالية لقطاع التخطيط، الدكتور أحمد حجر، النقاط على الحروف، حول أساليب الحرب الاقتصادية القذرة التي يتعرض لها شعب اليمن من قبل دول التحالف، وكيفية مواجهتها.
وأكد د/أحمد حجر أن الحرب الاقتصادية التي تشنها دول التحالف على اليمن تعود لعقود سابقة وليست وليدة اليوم. وقال حجر في حوار واسع مع “وكالة الصحافة اليمنية” حول تفاصيل هذه الحرب الاقتصادية على اليمن، إن نحو 70 % من إيرادات الدولة تذهب إلى حكومة العملاء.
وكشف حجر عن حجم المؤامرات التي تستهدف الاقتصاد الوطني وعمليات النهب والسطو التي طالت ثروات القومية. إلى تفاصيل الحوار:
مراكمة الديون الخارجية على اليمن
ـ البداية من آخر مستجدات الجانب الاقتصادي.. ما علاقة قرار صندوق النقد الدولي بتخصيص 650 مليون دولار كقرض للبنك المركزي في عدن؛ بالحرب الاقتصادية، ولماذا لم يساهم هذا المبلغ في إعادة القيمة للعملة المحلية هناك ؟
أولًا صندوق النقد هو أداة من أدوات العدوان على البلد ويعلم أن البنك المركزي في عدن لديه ودائع في البنك الأهلي السعودي بما يقارب 6 مليارات دولار ونصف، أي أضعاف القرض الذي قدمه البنك، لكن تلك المبالغ محجوزة بقرار من التحالف.
هذا القرض عبارة عن طعم الغرض منه الحصول على اعتراف رسمي بهذا البنك التي ضاقت الأمم المتحدة بفساده، حسب تقارير للمنظمة الدولية التي كشفت عن عمليات تهريب للأموال من البنك اليمني في عدن إلى الخارج، إلى جانب أن المجتمع الدولي يسعى لتحميل اليمن تكاليف مالية ضخمة وضرب اقتصاده.
صندوق النقد الدولي أداة رخيصة في يد القوى الغربية المتنفذة
ـ هل هناك تعامل بين البنك الدولي وبين العاصمة صنعاء منذ نقل البنك المركزي إلى عدن ؟
نعم لا يزال هناك تعامل، ففي العام 2020م، جرت مناقشة بين البنك المركزي اليمني في صنعاء وبين صندوق النقد الدولي حول مختلف الأمور الاقتصادية ، ويعرف البنك الدولي أن لدينا قاعدة البيانات ورؤية لإعداد السياسة المالية والنقدية، ولكن للأسف الشديد، صندوق النقد بدلا من أن يكون مؤسسة فنية وعلمية ترشد الدول لمعالجة مشاكلها المالية أصبح أداة رخيصة جدا في يد القوى الغربية المتنفذة ، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا وفرنسا.
التزام الحياد الاقتصادي
ـ دائما ما يروج إعلام التحالف بأن صنعاء ترفض مناقشة الأمم المتحدة والبنك الدولي لتحييد الاقتصاد ومسألة دفع المرتبات وغيرها.. ما ردكم حول هذه الإشاعات ؟
كل ما يتم تداوله بشأن هذا الأمر غير صحيح، على العكس تماما ليس لدى البنك المركزي اليمني والحكومة في صنعاء أية مشكلة أو تحفظ في طرح المواضيع الاقتصادية ومناقشتها مع البنك الدولي، وقد أبدت صنعاء تعاطيها مع هذا الأمر منذ أول مبعوث خاص للأم المتحدة إلى اليمن، جمال بن عمر، حيث طرحت للمبعوث رؤية لتحييد الاقتصاد القومي.
والجميع يعلم أن حكومة صنعاء انتهجت عملية الحياد عندما كان البنك المركزي في صنعاء في أول عامين من العدوان، إذ ذهبت لاستيراد السلع الأساسية من البنك المركزي في صنعاء، والتزمت بتسليم كافة مرتبات الموظفين في أنحاء البلاد، حتى لأولئك الذين كانوا في صفوف تحالف العدوان، قبل أن يتم نقل البنك المركزي إلى عدن، إلا أن حكومة العملاء تعاملت بعنصرية مقيتة ولم تلتزم بالحياد.
هنا تحديدا تفقد الأمم المتحدة والبنك الدولي مصداقيتهما في اليمن، نتيجة سياساتهم المخزية، وتجاهلهم لممارسات التحالف وأدواته، وهذا السقوط سيضرب مصداقيتهم في كل دول العالم.
قرار نقل البنوك التجارية ليس اختصاص الحكومة
ـ أصدرت (حكومة هادي) مؤخرا قرارا بنقل مراكز البنوك التجارية من العاصمة صنعاء إلى عدن .. ما الغرض من هذا القرار وما تداعياته على السوق المالية في مناطق السيطرة الوطنية ؟
.أولا قرار نقل البنوك يخضع لمجلس إدارة البنوك نفسها، وليس من اختصاص الحكومة، وقرار نقل مراكز البنوك إلى عدن مخالف للقوانين.
بجانب ذلك، فإن المعايير الدولية تنص على أنه يجب أن تكون مراكز البنوك التجارية في أماكن تتميز بالنشاط الاقتصادي المحوري ، ونسبة عالية من الأمان والاستقرار، وهذا لم نره في عدن التي لا يوجد فيها مسؤول واحد نتيجة الانفلات الأمني الواضح، إضافة إلى أن هناك أربعة بنوك مركزية في مناطق المرتزقة، في عدن ومأرب وحضرموت ، وكلا منهم له سياسة خاصة ومنفصلة ، وبالتالي ليس هناك سياسة نقدية حتى يتم نقل البنوك التجارية إلى عدن.
“طرد المغتربين اليمنيين من السعودية يعطي لليمن الحق في الانسحاب من اتفاقية الطائف التي تنص بنودها على معاملة المواطن اليمني مثل المواطن السعودي”
ـ قرار السلطات السعودية بترحيل المغتربين اليمنيين في هذا التوقيت بالذات.. إلى أي حد سيضاعف من الأزمة الاقتصادية في البلاد، وما هي وسائل الضغط التي تمتلكها صنعاء لإلغاء هذا القرار ؟
. بلا شك أن الغرض من ترحيل المغتربين اليمنيين من السعودية هو ضرب السيولة النقدية من العملات الأجنبية في البلاد، وزيادة مستوى الفقر، ورفع أسعار السلع بالأخص السلع الأساسية، نتيجة زيادة الطلب على الواردات، كل هذا يتم الدفع به لمفاقمة المعاناة الشعبية، واستخدامها كأداة ضغط على السلطات الوطنية في صنعاء.
لذلك أمام حكومة الإنقاذ خيارين لمواجهة هذا القرار، أولا على مجلس النواب في صنعاء أن يجتمع لإصدار قرار بإلغاء اتفاقية الحدود مع السعودية ” اتفاقية الطائف ” ، التي تنص بنودها على معاملة المواطن اليمني في الأراضي السعودية كمعاملة المواطن السعودي، وهذا ما يعطي الحق لليمن بالانسحاب من الاتفاقية.
ثانيا يتوجب على صنعاء إيجاد بدائل لاحتواء المغتربين وإنعاش الاقتصاد الوطني عن طريق مثلا فتح أبواب الشراكة التجارية مع الدول الصناعية مثل الصين، وإيقاف استيراد منتجات الشركات الصناعية في السعودية ودول العدوان والذي تصل نسبة الاستيراد فيها إلى 30 % ، بيدا أن هذه الشركات ليست في بلدان المنشأ.
ويمكن لصنعاء في نفس الوقت، أن تدعم المغتربين لرفع دعاوى قضائية لمحاكمة السعودية في المحاكم الدولية.
مراقبة التجار وتحديد أسعار سلع المنشأ
.هل لدى الحكومة في صنعاء رؤية واضحة لمعالجة ارتفاع الرسوم الجمركية في عدن في حال استمرار تعنت الأمم المتحدة بفتح الحظر على الاستيراد عبر ميناء الحديدة؟
الحل لمشكلة ارتفاع التعرفة الجمركية يتمثل في إيجاد غرفة تجارية حقيقية في وزارة التجارة والصناعة في صنعاء، وعلى ضوئها يتم مراقبة التجار، وتحديد أسعار سلع المنشأ وتكاليف الشحن والنقل والتأمين، ودراسة الآثار المترتبة على هذا الارتفاع.
وفي حال عدم الاستيراد عبر ميناء الحديدة يجب فرض رقابة شديدة على التجار الذين يبالغون في رفع أسعار السلع، إذ أنهم بذلك يخدمون مشاريع العدوان بطريقة غير مباشرة ويحققون هدفه.
ويتطلب الأمر حراك رسمي ومدني لممارسة كل أدوات الضغط على تحالف العدوان للعدول عن قراره، حتى باستخدام الحل العسكري لكسر عنجهية هذه الدول التي تستخدم كل الوسائل القذرة لتجويع الشعب اليمني.
فتح منافذ اقتصادية شرق آسيوية
ـ ما أثر القيود التي فرضها التحالف على الحوالات والمعاملات البنكية في الخارج على البنوك اليمنية ، وكيف يمكن معالجة هذا الأثر ؟
. بالفعل أثرت القيود المفروضة على الحوالات المصرفية على الحركة المالية في اليمن، وهذه القيود هي إحدى وسائل الضغط التي تستخدمها أمريكا في حروبها مع الدول، كالصين وإيران وسوريا وغيرها، لكن هذه الدول استطاعت أن تضع دراسات لمعالجة هذه المشكلة.
وأمام الحكومة في صنعاء فرصة لدعم فنيين من الجهات المختصة لعمل دراسات علمية لتقييم الواقع وإيجاد حلول منطقية للمشكلة، فعلى سبيل المثال، من المفترض أن يتم فتح منافذ أخرى مع دول شرق آسيا التي تضاهي اليوم الاقتصاديات الكبرى، عوضا عن أي تعامل اقتصادي مع دول العدوان، لتعويض السوق المالية، فالعديد من هذه الدول لا تشترط وارداتك بالدولار ، كما يمكن لصنعاء أن تصدر لهذه الدول بعض المنتجات اليمنية التي يمكن أن تساعد في رفد الاقتصاد الوطني كالعسل والفواكه والخضار.
صمود شعبنا وراء استقرار العملة
ـ برأيكم كيف استطاعت صنعاء الحفاظ على استقرار العملة الوطنية على الرغم من الصعوبات التي تواجهها في ظل الحرب والحصار وعدم توفر النقد الأجنبي نتيجة سيطرة العدوان على الموارد القومية والمنافذ ؟
من الطبيعي في ظل الحرب والعدوان أن يكون لديك فريق متخصص لمواجهة التحديات الاقتصادية وكل آثار الحرب على الاقتصاد الوطني، ومحاولة معالجة هذه الآثار أولا بأول ، وهذا ما ينطبق على الجهود التي تبذلها صنعاء طوال مدة الحرب على الرغم من بعض القصور.
بالنسبة لاستقرار العملة الوطنية في صنعاء يرجع لعدة أسباب أبرزها عدم وجود استيراد للاستثمارات، الذي يعد شبه معطل بسبب العدوان، بالتالي لا يوجد طلب على السلع، إضافة إلى أن المجتمع يعيش في أدنى مستوى معيشي، والذي تراجع إلى نحو 30 % مقارنة بوضعه المعيشي قبل الحرب، وهذا ما أثر على انخفاض الاستهلاك، لينعكس على انخفاض الطلب على الواردات ، ما يعني تراجع الطلب على العملات الصعبة.
الأهم من ذلك، أن صمود الشعب اليمني وثباته في وجه الأزمات الاقتصادية التي يقودها تحالف العدوان، هو أحد العوامل الرئيسية في استقرار العملة، إلى جانب منع حكومة صنعاء دخول العملة المزيفة التي طبعتها حكومة العملاء دون غطاء نقدي، والتي كان غرضها سحب النقد الأجنبي، وليس تعزيز السيولة النقدية التي تتوفر بكميات هائلة في مناطق المرتزقة.
دول العدوان طبعت هذا الكم الهائل من العملة لتغطية مصاريف أدواتها وهوامير الفساد في حكومة العملاء قامت بتهريب الدولار من اليمن إلى الخارج ما أدى إلى هذا الإرتفاع المهول في أسعار العملات امام العملة المحلية
ـ إذا ما توقفنا عند هذه النقطة .. هل تقصد أن هناك مآرب أخرى من طباعة العملة المزورة بجانب الهدف الرئيسي الذي كان يستهدف رفع التضخم للعملة في مناطق السيطرة الوطنية ؟!
بكل تأكيد، وللعلم أن كل الممارسات السابقة كانت جزء من المخطط السعودي، الذي دفع باتجاه طباعة مبالغ طائلة من العملة الجديدة لتغطية مصاريف أدواته في اليمن بدلا من تزويدها بالعملات الأجنبية، حتى لا يستفيد منها الاقتصاد الوطني بشكل غير مباشر.
إضافة إلى ذلك، فإن إقدام هوامير الفساد في حكومة العملاء على شراء الدولار وتهريبه إلى الخارج، وطرح مبالغ مالية ضخمة من العملة الغير شرعية بدلا عنه ، تسبب بخروج العملات الصعبة من الدورة المالية في مناطق المرتزقة ، ما أدى لارتفاع مهول في أسعارها أمام العملة المحلية.
صنعاء تحصل على 30% فقط من الإيرادات
ـ مشكلة المرتبات.. برأيكم هل تستطيع حكومة صنعاء أن تصرف ولو جزء من مرتبات الموظفين بشكل منتظم، وما هي الإجراءات المتاحة التي يمكن اتخاذها لصرف المرتبات في ظل استمرار الحرب ؟
يبدو أن الأمر صعب إلى حد ما، لأن موازنة الدولة الحالية لا تسمح بذلك، وللعلم فإن الإيرادات العامة التي تحصل عليها الحكومة في صنعاء لا تمثل سوى 30 % فقط، مما يجب تحصيله، لأن هناك 45 % من إيرادات الدولة من عائدات النفط والغاز تذهب إلى حكومة العملاء ، بالإضافة إلى أن كافة السلع والخدمات التي يتم استيرادها عبر الموانئ والمنافذ التي تسيطر عليها أدوات الاحتلال يتم استخلاص الضرائب والرسوم الجمركية عليها هناك، بالتالي يستحوذ العملاء على نسبة تصل إلى 70 % من إيرادات الدولة.
المبالغ التي يتم تحصيلها من قبل حكومة الإنقاذ في صنعاء محدودة وقليلة جدا بالكاد يتم تخصيص معظمها لعملية الصمود لتغطية أكثر من 56 جبهة عسكرية.
ومع ذلك فهذه معجزة من الله سبحانه وتعالى، ففي حرب صيف 94 التي استمرت عدة أيام استهلكت نحو 10 مليار دولار ، ونحن نواجه بهذه المبالغ المتواضعة إلى جانب المساهمات المجتمعية، أضخم وأكبر عدوان كوني.
شراكة حقيقية مع القطاع الخاص
ـ في هذا الصدد.. هل هناك إمكانية للحصول على طرق جديدة للإيرادات، لتحسين هذه الهوة الهائلة في خزينة الدولة ؟
ما نحتاجه أولا هو إنعاش روافد الاقتصاد القومي بإيجاد توجه لدى المجتمع، من خلال دفعه نحو بناء الذات، فعلى سبيل المثال، السوق اليمنية غارقة بالفواكه والعصائر المستوردة من الخارج، بينما اليمن غنية بجميع أنواع الفواكه وأجودها، لذلك يجب أن نعمل على تثقيف المجتمع ليكون أداة من أدوات تحسين الاقتصاد من خلال دعم استهلاكه وثقته بالمنتج المحلي، كما يجب إيجاد شراكة حقيقية مع القطاع الخاص سواء في دفع مستحقات الدولة أو المساهمة في بناء المشاريع ، واستقدام ولو جزء من المبالغ المالية التي تملكها القطاعات الخاصة في الخارج.
كل هذا سيساعد في زيادة الواردات بالتالي يمكن للحكومة تغطية جزء من العجز في الميزانية، كصرف المرتبات وغيره.
“نحتاج إلى بناء شراكة بين القوى السياسية لايجاد العدالة الاجتماعية بهدف مواجهة مؤامرات العدوان الاقتصادية ويبقى الحل العسكري هو الأنسب لإفشال المؤامرات الاقتصادية”