تحقيق: وكالة الصحافة اليمنية
عصفت الأرضَ العربيةَ موجةُ أحداثٍ سياسيةٍ مريبةٍ منذ العام 2011 .. أنتجت باستمرارٍ العديدَ من التغيرات الخطيرة التي ما زالت ويلاتها تعيث ببلدان شبه الجزيرة إلى الآن.
ومنذ حدوث تلك التغيرات ظهرت للجمهور العربي القنوات والوسائل التي كانت تعد من أهم المصادر الإخبارية له على حقيقتها، وانكشفت الأقنعة الزائفة التي ظلت على المدى الطويل تنقل الصورة السلبية لعمل الإعلام المعنيّ أساسًا بنقل الأخبار بتحرٍ للصدق والشفافية، فأتقنت رسم الخيال المصاحب للوهم بعيدا عن الواقع والكائن وكذا المنطق على حدٍ سواء، وأصبحت أيضا مصدرا فعليا لإشعال الحروب وإذكاء نار الفتنة هنا وهناك.
تعــريــفٌ
في مستهلّ الأمر لا بد من إيجاد تعريفٍ دقيقٍ للآلية التي تقوم بها الوسائل الإعلامية، ومدى التأثير الذي تعمله في أوساط جماهيرها ومتابعيها.
يوضح هذه النقطة الدكتور (أحمد العجل) أستاذ الرأي العام وعميد سابق لـ كلية الإعلام – جامعة صنعاء.. مؤكدا أن العصر هو عصر الإعلام فالخطورة المتحتمة على هذا السلاح المدمّر أو المشيّد، كلٌ بحسب المقتضى الذي تعمل في ضوئه أي وسيلة إعلامية، والحيثية التي تمضي على مسبباتها.
ولنا أن نرى النتيجة والحاصل من مؤسسات الإعلام ذات الجماهير الواسعة في كل من الدول المتقدمة ودول العالم الثالث (النامية)، فسيتضح لك كيف أسهمت الأولى في إعمار ونهضة بلدانها وشعوبها لأنهم عملوا تحت مظلة الوطن وقادتهم تطلعاتهم لخدمة التنمية والبناء، في حين تسببت هذه _ وسائل إعلام الدول النامية _ في الدعاية للأحداث السياسية المتصارعة، وخدمة مصالح الأنظمة والأفراد، فصارت كالدهماء تتبع وتنفذ ما يملى عليها بغير تدبير أو تحسب، أو إعمال للفكر على أقل الأحوال.
تخبّطٌ وضياعٌ
يردف العجل أيضا..هذه الوسائل تواصل فعلها وانجرارها وراء الخطأ الأحوج لبذل أخلص الجهود والإمكانات، وتسخيرها للرقي بأوطانها وأمتها.
من جانبه يرى (محمد الوموي) الخبير في الشؤون السياسية أن الدول العربية تعيش فترة من التخبط والضياع بين براثن الأزمات وتغلّب المصالح السياسية منها والاقتصادية التي تهدف أساسًا إلى التوسع وفرض القوة والكهنوت، ولا يمكن لها ذلك إلا عن طريق الإعلام الذي بدوره يؤدي الدور بأكمل وجه وعلى أتم التنفيذ.
بين التُخمة والتُهمة
وإن كانت بعض الدول العربية المتمثلة بدول الخليج العربي شهدت في الحقبة الزمنية الأخيرة تطورًا وقفزة نوعية مفاجأة قامت على إثرها بالإعمار والتنمية، إلا أنها لم تصل إلى مستوى النهضة والتقدم من جميع النواحي، فما زال تفكير أبنائها مقصورًا ومحدودًا جدا، فالفرد هنالك مفرط في تبذيره وإسرافه، ولا يكاد تتجاوز مسافة تأمله حد التفكير في بطنه.
ويشير الوموي إلى أن هذه الدول عملت على بذل أموالها ومواردها في تجنيد مؤسسات إعلامية ضخمة وعملاقة، تعمد من خلالها إلى العبث والتخريب المفتعل بالسياسات الهدامة للأنظمة والحكومات في البلدان العربية الأخرى، ولا أستطيع تفسير ذلك إلا أنه نابع من رغبة جامحة لإشباع شعور _لدى حُكام تلك الدول _ بالسيطرة والإكبار واحتقار أي قرين يرونه تجاههم.
تبـايــن
وفي منحًى آخر? يؤكد مسؤول بصحيفة صدى المسيرة الناطقة باسم أنصار الله أن الدور الكبير المناط على وسائل الإعلام المعارضة لكل تلك المؤامرات والتي يعمل تحت سقفها بوصفها وسيلة إعلامية وطنية تحمل قضية ورؤية صائبة على حد تعبيره تتمثل في أن يواجهوا أدوات الإعلام المناوئة ذات السياسات الخاطئة.
كما يجزم بقوله:” إن فكرة مواجهتنا _ كوننا الجانب المعارض _ ستستمر على الساحة تجاه أفكار ذلك الإعلام المخادع والمضلل، عن طريق التثقيف والتوعية وحشد الطاقات الفكرية والعسكرية لصد تلك القوى الإعلامية والسياسية”.
وبأسلوب مغاير لسابقه.. يجيب على تساؤلاتنا عن واقع الإعلام الحالي وكيفية اختلافاته (أحمد السعيدي) صحفي وطالبُ بمستوًى ثالثٍ – كلية الإعلام – جامعة صنعاء قائلا:” لقد فرضت الأحداث السياسية المتوترة منذ ليلة الـ 26/مارس/آذار/2017 جوا ملونا بالتناحر الإعلامي والسياسي، وأسهمت من تلك الوهلة وحتى الآن وسائل إعلام أطراف الحرب الداخلية والخارجية، في الترويج والتسويق كلٌ لتوجهاته واعتقاداته.. ببراعةٍ تظهر مدى الإبداع في اختلاق الأخبار وتلوينها وادّعاء التكهنات الكاذبة.
ويضيف..
الإعلام بوسائله التابعة لـ كل الأطراف المتنازعة والمتحاربة.. هو أحد المتهمين وأبرزهم في إحداث كافة الجرائم السياسية والسيادية على الأراضي العربية ومنها بلادنا، وهي من يتحتم عليها إيقاف حمام الدم وإنهاء الكارثة الإنسانية الذي فجرت ينبوعه برؤاها السوداوية الضمير والمعتمة الفكر حسب تعبيره.
تحليلٌ وحلٌّ
في المقابل نرى العديد من المشاهدين غير المنطويين تحت جمهور متحيز لأي طرف.. يبحثون بصبرٍ وإصرارٍ للسعي عزما في الحصول على الحقيقة وإيجاد الصورة الحسنة للإعلام.. وذلك أملا للملاقاة رسائل إعلامية صادقة من قبل إعلاميين شرفاء في أي من وسائل الإعلام المتعددة، فقد أصبحت العدسة التي يعتمد عليها الجمهور في رؤية الواقع مزيفة بالخداع والتضليل، وجفت العين التي من المفترض أن يستقي المتابعون ما يروي معرفته ويشبع عطش بحثه عن المعلومة الصحيحة.. بالإضافة إلى الدور الإعلامي الملحوظ لكل من شعراء وأدباء وفناني الوطن كل في مجاله واختصاصه، والذين يقع على عاتقهم أن يذودوا بأفكارهم النقية حماقة المتصارعين وجهلهم.
وبالنسبة لما يتعلق بالخروج من هذا الوحل الذي غرق في مستنقعه الإعلام يذكر الأديب والناشط الحقوقي في المنطقة (مهدي علي) أن المآل الوحيد والحل الأمثل للابتعاد عن ما سببته السياسات العمياء بفعل وسائل الإعلام التي تشنّ حملاتها الدعائية لا الإعلامية ليل نهار، لتخدم الأجندة المموّلة لها، وتلبي? مصالح الأشخاص بعيدا عن مصلحة الوطن العليا التي يهتفون زورا وبهتانا بها، وقد تبرّأت منهم كل التبرّؤ.
يستلزم وجود نخبة واعية من الإعلاميين (صحفيين – مذيعين – وخبراء – وناشطين) لكي يسهموا في إصلاح ما تم هدمه، أو بالأحرى تأسيس قاعدة من التفاهم والأخلاق الذاتية والسياسية، والتي منها سينطلقون في إخماد لهيب النزاع وسعيرها المتشظي، ونثر الزهر والورود على العقول المتحجرة والقلوب الجافة تكريسا لثقافة السلام الفكري، الثقافة التي تجعل الشخص يؤمن بقبول الآخر وتعدد الآراء وسنة الاختلاف الكونية، وصولا إلى تحقيق السلام الفعلي.
استـنتـاج
ويظل الإعلام رهين إصبع المتلقي والمستقبل للرسائل الإعلامية المتباينة، وحبيس رغبته التوّاقة في الحصول على الحقيقة أو العكس.
وليس الخطاب هنا خطابا موجها بأمر الجمهور على أن يتابعوا وسيلة معينة عن غيرها، وإنما على المتلقي متابعة شتى الوسائل بتمعن وحذر شديدين، وحينها سيعرف بالتأكيد أين يبرز الصواب، وأين يكمن الخطأ !!
عندها..سيتمكن من إدراك التمييز بين الحقيقة والسراب.