تحت عنوان هجْمة عبثية ! كتب المفكر والكاتب السياسي العسكري الدكتور “أحمد عز الدين” تحليلا عسكريا سياسيا لما يحدث في حرب اليمن وابعادها على المنطقة العربية .
نص التحليل ..
لا أعتقد أن هذا الموضوع خارج سياق سلسلة تقدير الموقف التي لم تكتمل ، تحت عنوان الاستدارة الإستراتيجية الأمريكية من أفغانستان وما بعدها ، رغم أنني قصدت أن يحمل عنوانا مختلفا ، فما أراه من ردود أفعال دول الخليج ، وفي المقدمة منها السعودية والإمارات ، حول كلمات تقادمت للأستاذ جورج قرداحي ، وصفت الحرب على اليمن بأنها ( حرب عبثية ) أنها أقرب إلى أن تؤدي نفس الهدف والتأثير الذي كان وراء تفجير مرفأ بيروت ، أو وراء 28 طنا إضافيا من مادة نترات الأمونيوم نفسها ، ضبطها الجيش اللبناني داخل محطة وقود شرقي بيروت قبل شهر واحد ، بل هي أقرب بما تضمنته من طرد للسفراء ، ومنع للصادرات اللبنانية ، وغيرها من أشكال العقوبات الغليظة ، أن تنتسب إلى المبدأ السائد حاليا في الإستراتيجية الإسرائيلية في الإقليم ، وهو مبدأ ( المعركة بين الحروب ) والذي يشمل كافة أشكال التصعيد السياسي والعسكري ، والعمليات العسكرية السرية ، والتفجيرات ، والغارات ، وأعمال المخابرات ، خاصة وأن لبنان يكاد أن يقف داخل حقل ألغام يتم تغيير خريطته إلكترونيا كل صباح .
لذلك فإن في الأمر ما يدعو إلى الريبة ، ومن ثم إلى الانتباه ، فوق أن فيه ما يدعو إلى الدهشة .
لماذا ؟
هناك – أولا – ما يتعلق بأن توصيف الحرب على اليمن بأنها حرب عبثية ، قد أصبح تعبيرا شائعا في الأدبيات العسكرية والسياسية ، لكثير من مراكز الأبحاث الغربية ، وكثير من النخب السياسية والكيانات الدولية ، بل أن مبعوثين غربيين استخدموه بحروفه في مفاوضات مباشرة ومغلقة مع السعوديين لحثهم على إنهاء الحرب ، ولذلك كان طبيعيا أن يتسرب التعبير بحكم انتشاره الواسع إلى لسان أمين عام الأمم المتحدة ، وأن يكرره بتلقائية رتيبة ، دون أن يصدر عن أولئك الذين ملأ أذانهم في الخليج ردا أو تعليقا ، فقد ابتلعوه في صمت ، كأنه قطعة من الحلوى الغربية .
وهناك – ثانيا – ما يتعلق بأن التعبير نفسه لا يتضمن حكما سياسيا أو قيميا على الحرب ، فهو مناهض لاستمرارها فحسب ، بحكم أن سقفها الزمني قد طال حتى تجاوز السقف الزمني للحرب العالمية الثانية ، وبحكم أن حصادها على اليمن لم يكن أكثر من تدمير إبداعي لها ، بنية وبشرا ووحدة ونسيجا مجتمعيا متجانسا ، وبحكم أن حصادها على من أشعلوا نارها ، لم يكن أكثر من فشل في الهجوم ، وانكسار في الدفاع ، وانكشاف في النوايا قبل القدرات.
لقد ظلت اليمن تمثل هامش الثروة في الجزيرة العربية ، لكنها دون شك تمثل مركز الحضارة والثقافة والتاريخ لها من قبل ومن بعد ، فضلا عن أنها تمثل جبهة الحماية الإستراتيجية الطبيعية للجزيرة العربية من أولها إلى آخرها ، وقد كان ذلك جانبا من إدراك محمد علي وهو يضع قدم الجيش المصري في ( تعز ) ، كما كان جانبا من إدراك الظاهرة الاستعمارية عندما بدأت الشركة الهندية الشرقية عملها لتمهيد موطئ قدم في عدن ، ليبدأ الاستعمار البريطاني من فوقه بعد ذلك الزحف للاستيلاء على الجزيرة العربية ، بالاستيلاء على اليمن ، فعندما سقط جنوب اليمن كانت الجزيرة العربية كلها ، قد أصبحت ساقطة إستراتيجيا ، فخلال شهور قليلة كانت أقدام البريطانيين قد حفرت مساميرها عميقا فوق صدر الكويت والبحرين ، حيث لم تكن نطفة الإمارات قد تخلقّت بعد .
ولهذا جاءت الحرب على اليمن ، موجة دموية في عكس اتجاه أمن الجزيرة العربية ، قبل أن تكون في عكس اتجاه التاريخ ، كما هي في عكس موروث الحضارة العربية والثقافة والعقيدة ، ولهذا كان طبيعيا أن تتحول إلى موجة مرتدة .
وهناك – ثالثا – ما يتعلق بردود السعودية بعد أن طلبت لبنان وساطة واشنطن لحل الأزمة ، وإذا كان بيان الخارجية الأمريكية ، قد نص على ( إبقاء القنوات الدبلوماسية مفتوحة بين الأطراف لضمان حصول حوار جدي حول القضايا الملحّة التي يواجهها لبنان )، فقد جاء رد وزير خارجية السعودية صاعقا ، حيث أكد أن الأزمة لا علاقة لها بالحرب على اليمن لأنها ( تكمن في هيمنة حزب الله على الدولة ) .
وإذا كان الوجه الحقيقي للأزمة ، يتعلق مباشرة بموقع حزب الله في البناء السياسي والاجتماعي اللبناني ، فما علاقة ذلك بتوصيف جورج قرداحي للحرب على اليمن بأنها حرب عبثية ؟ وما المطلوب منه تحديدا، أن يعيد ابتلاع كلماته البعيدة عن الأزمة معتذرا ؟ أم أن يدخل في الأزمة ويحمل معولا لهدم هذا البناء السياسي والاجتماعي اللبناني بما في ذلك مواقع حزب الله فيه ؟.
لقد استُخدمّت كلمات قرداحي المتقادمة إذا كقناع زائف ، لإخفاء الوجه الحقيقي لفرض مزيد من الإجهاد على الداخل اللبناني ، وهو إجهاد سياسي واقتصادي واجتماعي ، يستهدف إشعال تناقضاته الداخلية بغية تفجيره .
غير أن الملفت حقا أن محاولة التفجير هذه المرة ، بعد عدة محاولات سابقة ، لم تحقق أهدافها ، تزامن مع أوسع مناورة للجيش الإسرائيلي ، شملت كافة أسلحته ، ووحداته الأساسية ، في أجواء حرب حقيقية ، لم تكن أصداؤها بعيدة عن حدود لبنان ، وكأنها كانت استعدادا لحالة لم يقدر لها أن تلتئم .
وهناك – رابعا – ما يتعلق بسعي وزير الخارجية السعودي لإخراج الحرب على اليمن من بنية الأزمة مع لبنان ، رغم أن إشعال الأزمة بدأ سعوديا بتوصيف لا يتعلق بغير الحرب على اليمن .
والحقيقة أن مجرد الحديث عن الحرب على اليمن ، لم يعد مطلوبا فوق أنه لم يعد مقبولا ، لا من جانب السعودية ولا من جانب الإمارات ، فهو حديث يثير الفزع والكآبة والإحساس بالانكسار .
لك أن تتصور أن السعوديين دفعوا بوزير خارجية ( هادي ) أحمد عبيد داغر ، لطلب لقاء مع الدبلوماسية الأمريكية كاثي ويستلي ، ليتقدم بطلب حار بتدخل أمريكي عاجل ، لوقف تقدم الحوثيين في محافظة مأرب ، بعد أن جندوا لها في مواجهتهم كل كتائب القاعدة ، والمجموعات المسلحة للجماعة السلفية اليمنية ، ومجموعات من المرتزقة المحليين والأجانب ، إلى جانب الوحدات العسكرية الأساسية لجماعة الإخوان المسلمين .
ولك أن تتصور أنه في التوقيت ذاته تقريبا ، علا صوت المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي محذرا من التقدم المتسارع في مأرب ، لماذا حسب قوله : ( لأن ما بعد مأرب إلا الجزيرة وما وراءها ، حتى لا تتكرر مأساتنا التي عانينا منها قبل 1340 عاما ، حين سقطت يثرب من أيدينا ومكة والجزيرة من أيديكم ) .
والواقع أن الجيش اليمني واللجان الشعبية ، خاضوا معركة عسكرية من طراز رفيع ، في تكسير عظام الدفاع عن مأرب ، بتكتيك أقرب إلى نحت منظم للدفاعات ، من كافة الاتجاهات المتعامدة ، وتمتعوا بإرادة قتال صُلبة ، رغم القذف المساحي للطيران السعودي والإماراتي في غيبة مضادات للدفاع الجوي ، وقد وصولوا فعليا إلى ( الفلج ) مدخل مدينة مأرب ، بعد أن حرروا ( الجوبة ) و( جبل مراد ) بما يساوي 1100 كم2 ، بينما يعني النجاح في دخول مأرب فعليا ، الذي أتوقع حدوثه خلال أيام معدودة ، انتهاء المعارك الكبرى ، والتقدم نحو محافظة ( شبوة ) بعد أن سيطروا على 4 مديريات منها ، هي بيحان وعسيلان وعين ومؤخرا مرخة ، ثم التقدم نحو حضرموت ، وكلا المحافظتين ستعتبران في وضع أقرب إلى السقوط إستراتيجيا ، وهكذا لا قوة المال نجحت في شراء ما كان يلزم شراؤه للتعبئة ، ولا قوة السلاح نجحت في تحقيق ما كانت تتصور أنها قادرة على تحقيقه من نصر إستراتيجي حاسم ، بينما ارتدت موجة الدم في اتجاهها الطبيعي .
وهناك – خامسا – ما يتعلق بهذه الفظاظة لفظا ، والاستعلاء سلوكا في مواجهة لبنان .
وفيما أحسب فإن الأمر لا يخرج عن محاولة للقفز إلى الأمام من بركة واسعة من الخوف والإحساس بالاهتزاز .
إن تعبير الخوف في كل الأحوال ، ليس من عندي ، ولكنه من عند ( موردخاي كيدار ) عقل مركز بيجن – السادات للدراسات الإستراتيجية في جامعة بارإيلان
لقد كتب قبل أربع سنوات تقريبا ما يلي :
( إن سعار الخوف قد وصل إلى اقتراح سعودي بوضع اتفاقية دفاع مشترك مع إسرائيل ) .
أما رد كيدار كما أوصى به نصا فهو :
( أحذّر من اتفاقية دفاع مشترك مع السعودية ، لأنها لم نحترم اتفاقية الدفاع المشترك مع العراق ، بل عملت ضدها ) .
وهناك ، سادسا وسابعا وثامنا .. الخ .. مما لا يتسع له المقال .