استطلاع/عبدالكريم مطهر مفضل/وكالة الصحافة اليمنية//
هناك قصصاً عظيمة عن البطولة والشجاعة تخلدها المواقف وترويها الأحداث، اليوم نروي قصة أحد فتيان البطولة والتضحية الستة.. المجاهد الشهيد البطل غمدان مشعل السلمي “أبو رائد” ، أحد الفتية الستة الذين ضربوا لنا أعظم صور النضال والتضحية التي نستلهم منها الدروس والعبر والمعاني السامية للتضحية والبذل والعطاء من أجل الدين والوطن والعزة والكرامة، والذي طلق حياة الرفاهية التي كان يزهو بها طلاقاً بلا رجعه، واستثمر كل أمواله والعز الذي كان يعيشه في تجارته مع دينه وكرامة وعزة اليمن.
البذخ والدلال
ولد البطل “غمدان السلمي” في أحد أحياء جنوب العاصمة صنعاء، في أسرة غنية تعيش في الولايات المتحدة، وترعرع في رفاهية كبيرة، وكان أخوته قد غادروا اليمن للعمل في الولايات المتحدة.
يقول “مؤيد الشريف” رفيق الشهيد “أبو رائد”: لقد تميز “أبورائد السلمي” بالذكاء والفطنة منذ صغره، فكان متفوقاً على زملاءه في الدراسة، كما تميز بطيبة القلب والكرم والشهامة وكان مع رفاقه الخمسة المجاهدين من أشجع فتيان الحي.
وأضاف الشريف: غادر والد “أبورائد” ووالدته إلى الولايات المتحدة للعيش فيها عند ولديهما، إلا أن البطل “أبورائد” رفض المغادرة معهما وفضل الجلوس في وطنه، وكان آنذاك يبلغ من العمر 21 عام.
وأكد الشريف، أن نفقة الشهيد “أبورائد” اليومية آنذاك تفوق نفقات أبناء مسؤولي حكومة علي عبدالله صالح.
الزهد بعد الرفاهية
تأثر “أبورائد” من جرائم التحالف، بحق الأبرياء، ولعل جريمة إبادة أسرة القاضي يحيى ربيد في الأول من يناير 2016، والتي راح ضحيتها 8 من أفراد أسرة القاضي ربيد، ومجزرة استهداف صالة العزاء مطلع أكتوبر 2016 والتي أدت إلى مقتل أكثر من 100 شخص واصابة المئات، كانتا من أسباب انطلاق “أبو رائد” إلى جبهات القتال، إلا أن السبب الرئيسي يكمن في نجاح الشهيد محمد عنان “أبونصرالله” في إقناعه بأن ما يحدث في اليمن هو عدوان أمريكي صهيوني عبر أدواتها في المنطقة يستهدف كل ماهو يمني، وبأن العدوان على اليمن الذي تم الإعلان عنه من واشنطن يستهدف الدين الإسلامي والوطن.
قرر الشهيد غمدان السلمي الزهد في الدنيا، وترك مظاهر البذخ والإسراف ورفض ما كان فيه من حياة الرفاهية، وترك ألوان الطعام والشرب والملبس، فكان لا يهمه من الأكل إلا ما يسد جوعه، ويقيم صلبه، بعد أن قرر توجيه كل نفقاته لدعم رفاقه في الجيش واللجان بالمال والسلاح خاصة أصدقائه الخمسة الذين كان يشكل معهم فريق لاينفصل في مختلف الجبهات.
ويتجلى ذلك من خلال مقولة الشهيد “أبورائد” الشهيرة في أحد المجالس، “بعت الدنيا وأشتريت الأخرة بعت نفسي لله، وما أعظمها من بيعة”.
الإنطلاق إلى ميادين العزة والفداء
قرر “غمدان مشعل السلمي” ورفاقه الخمسة الشهيد محمد أحمد عبدالله عنان، والشهيد حمزة مصطفى قائد القاسمي، والشهيد محمد صالح أحمد القوسي، والشهيد محمد حسين أحمد مطير القاولي، التوجه إلى جبهات العز والشرف، حيث قام الشهيد “أبورائد” بتحمل تكاليف تسليح وتجهيز رفاقه بالمال والسلاح.
انطلق الفتية الستة لجبهات الدفاع عن الوطن في جبهات ماوراء الحدود في المنطقة الفاصلة بين محافظة الجوف والسعودية، وكانت أول مواجهة لهم ضد عناصر تنظيم القاعدة بقيادة الإرهابي “الحسن أبكر” المطلوب للولايات المتحدة، وتحقق لهم النصر في أطراف مديرية خب والشعف، والتقدم باتجاه صحراء البقع.
تواصلت المعارك التي خاضها الأبطال ضد عناصر التنظيم الإرهابي في أطراف محافظة الجوف، والتي كان ينفق المجاهد “أبوائد” على تمويلها من جيبه الخاص.
عندها نال رفاق البطولة الستة، ثقة الجميع والتحقوا مجاهدين في صفوف قوات الجيش واللجان الشعبية، وتحصلوا على دورات ثقافية وعسكرية.
ملحمة الشهادة
حقق الفتية الستة انتصارات عظيمة في كل المعارك التي خاضوها في جبهات في ماوراء الحدود وفي محافظة الجوف خاصة ضد عناصر تنظيم القاعدة، حتى ذاع صيتهم في كافة أرجاء محافظة الجوف، وأصبحوا بعبعاً للعدو في محافظة الجوف، مما دفع القيادي “الحسن أبكر” أن يستنجد بالقبائل حيث قال في أحد خطاباته امام جموع من أبناء قبائل الجوف، ” والله أنه من العيب أن يأتي لنا أطفال ممن يسبون الصحابة وأم المؤمنين عائشة فيهزموننا وانتم لا تتحركون لنصرتنا فالهزيمة ستكون وصمة عار في جبين الجميع”، إلا أن كلماته تلك لم تجد أذان صاغية، لعلم أبناء الجوف الشرفاء، بأن تلك المزاعم ماهى إلا من الخزعبلات التي يراد بها تضليلهم.
ومع كل معركة يضرب فيها الفتيان الستة، أروع صور البطولة والصمود، كانت قوات الجيش واللجان الشعبية توكل إليهم العمليات الصعبة خاصة تلك العمليات التي تتواجد فيها العناصر الإرهابية، الأمر الذي دفع بالقنوات الفضائية التابعة لقوات التحالف، للمبالغة في الاحتفال بخير استشهادهم.
وفي إحدى المعارك أصيب الشهيد محمد عنان “أبونصرالله” في قدمه اليسري بشظايا أحد صواريخ غارات طيران التحالف، وتم نقله للعلاج في صنعاء حيث أجريت له عمليتين جراحية ومكث في صنعاء شهرين ونيف.
كان “أبونصرالله” يتلهف كثيراً للشفاء بهدف العودة إلى ميادين القتال مع رفاقه، وقبل أن ينعم الله عليه بالشفاء عاد رفاقه الخمسة من الجبهة لزيارة أسرهم، فكان أول شيء عمله “أبورائد” هو الذهاب لزيارة رفيق دربه المجاهد “نصرالله” وأخذه إلى منزله.
وأثناء تواجد الرفاق في صنعاء، تقدمت قوات التحالف في المعارك بمحافظة الجوف، الأمر الذي دفع الأبطال إلى قطع إجازتهم والعودة إلى الجبهة، خاصة أن الرفاق الخمسة تم استدعائهم لتنفيذ عملية نوعية صعبة للغاية.
قال الشريف في شهادته لنا على الواقعة، “حينما جاء الرفاق الخمسة لتوديع رفيقهم الجريح تفاجئوا بأن الجريح “أبونصرالله” كان قد أعد وجهز نفسه للتحرك معهم وهو لا يزال مصاباً، حيث أرتدى بدلته العسكرية وحمل جعبته على صدره، لأنه كان يعلم جيداً أن مهمة رفاقه هذه المرة لن تكون بالهينة، لكن رفاقه الخمسة رفضوا فكرة عودته معهم للجبهة، إلا أنه استطاع اقناع “أبورائد” بقبول عودته، خاصة حين قال له: ” نحن لم تفرقنا الدنيا عن بعضنا البعض فهل تريدون الذهاب للجنة بدوني وتتركوني هنا لوحدي، فلو وفقكم الله بالشهادة سأموت عليكم قهراً وحينها انتم ستدخلون الجنة وأنا سأدخل النار لأني لم أكن من الصابرين على فراقكم”.
انطلق الأبطال الستة إلى محافظة الجوف، وحين وصلوا إلى منطقة “الحزم”، أوكلت إليهم مهمة عسكرية نوعية في المنطقة التي سبق لهم وان سيطروا عليها، العملية النوعية تمثلت في اقتحام أحد مواقع العدو مابين وادي سلبة وجبل القشعان بمديرية برط العنان.