متابعات: وكالة الصحافة اليمنية
توصل سفراء دول الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا والإمارات والسعودية ومصر والجزائر وتونس في اجتماعهم بالعاصمة لندن الجمعة 4 من مايو/أيار إلى عدم جدوى إجراء تعديل اتفاق الصخيرات السياسي بالتوافق بين المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب تحت إشراف البعثة الأممية.
وجاء مشروع تعديل اتفاق الصخيرات بعد إعلان المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة في إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي في سبتمبر/أيلول الماضي خطة تتضمن تعديل الاتفاق السياسي وإجراء انتخابات عامة واعتماد دستور لليبيا لإنهاء المرحلة الانتقالية والانقسام السياسي والإداري ووضع حد للأزمة في البلاد والمستمرة منذ عام 2014.
وينص مقترح سلامة الذي يتكون من 14 مادة على تشكيل مجلس رئاسة حكومة الوفاق الوطني من رئيس ونائبين، ويتَّخذ كل قرارته بالإجماع، وتتكون السلطة التنفيذية من كل من مجلس رئاسة الدولة (الرئاسة) ومجلس الوزراء (الحكومة) التي تُشكَّل على أساس الكفاءة وتكافؤ الفرص، ويكون مقرها الرئيسي بطرابلس ويمكن أن تمارس أعمالها من أي مدينة أخرى، ويستمر كل من مجلس رئاسة الدولة ومجلس الوزراء في أداء مهامهما إلى حين إجراء انتخابات نيابية ورئاسية.
فشلت جولات التفاوض بين وفدي المجلس الأعلى للدولة والبرلمان في تونس، وفي العاصمة طرابلس بين رئيسي الوفدين موسى فرج وعبد السلام نصية، في التوصل إلى تعديل اتفاق الصخيرات السياسي، حيث يصر البرلمان على حقه في منح الثقة لحكومة الوفاق الوطني منفردًا دون التوافق مع الأعلى للدولة، وأيضًا لإصرار رئيس البرلمان عقيلة صالح على أن يكون رئيس المجلس الأعلى للدولة.
وصلت رسالة إلى رئيس مجلس النواب عقيلة صالح أنه إذا ما استمر في عرقلة إصدار قانون الانتخابات العامة – رئاسية وبرلمانية – فإن دولًا من الاتحاد الأوروبي من بينها ألمانيا قد تفكر جديًا في تشديد العقوبات عليه
تحفظ دولي
أبلغت أطراف دولية عدة وإقليمية عقيلة صالح أنه مرفوض من المجتمع الدولي لتولي منصب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، أو حتى أن يكون نائبًا فيه، بسبب العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي عليه في مارس/آذار 2016 لدوره في عرقلة تنفيذ اتفاق الصخيرات السياسي.
ووصلت رسالة إلى رئيس مجلس النواب عقيلة صالح أنه إذا استمر في عرقلة إصدار قانون الانتخابات العامة – رئاسية وبرلمانية – فإن دولًا من الاتحاد الأوروبي من بينها ألمانيا قد تفكر جديًا في تشديد العقوبات عليه.
كما أن طموح عقيلة صالح بالوصول إلى المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني اصطدم بسقوط حليفه في الحلم ذاته، وهو عبد الرحمن السويحلي رئيس المجلس الأعلى للدولة، وذلك بعد فوز خالد المشري برئاسة الأعلى للدولة في انتخابات تجديد الرئاسة في الـ8 من أبريل/نيسان الماضي.
كما أن المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة أبلغ عدة أطراف محلية ليبية أن التوجه الدولي في ليبيا ينصب في الوقت الراهن على إجراء انتخابات عامة قبل نهاية العام الحاليّ أو في الشهرين الأولين من عام 2019 كحد أقصى، مع عدم أهمية تعديل اتفاق الصخيرات السياسي.
ويرى محللون ليبيون أن اتفاق الدول الكبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي على إجراء انتخابات عامة في ليبيا هدفه إنهاء الانقسام السياسي والمؤسساتي والاقتصادي الذي عرفته ليبيا منذ انطلاق عملية الكرامة وانتقال مجلس النواب إلى مدينة طبرق شرق ليبيا عام 2014، ودخول اللواء المتقاعد خليفة حفتر على خط تأزيم الوضع بدعم إقليمي مصري – إماراتي – سعودي.
ويؤكد المحللون أن هذه الرغبة الدولية ستصطدم بطموحات بعض الأطراف الفاعلة في المشهد الليبي التي لا تضمن لها عملية انتخابات نزيهة أو قريبة من النزاهة بقائها مؤثرة في صناعة القرار والحصول على حصة من الثروة الليبية، التي تعتمد بشكل رئيس على إيرادات النفط.
ويأتي اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي استثمرت فيه مصر والإمارات مليارات الدولارات لينتزع السلطة في ليبيا وتحويلها إلى نظام عسكري، حيث لا يضمن حفتر هذه الانتخابات ليس فقط في إيصاله هو للسلطة، بل حتى في وصول مؤيديه وتابعيه.
ورغم النصر المعنوي الذي حققه حفتر بعد عودته من رحلة علاجية في باريس استمرت قرابة الشهر، وعودة الانضباط إلى معسكره في شرق ليبيا بعد أن كاد ينفرط عقده بسبب غيابه، فإن أزمة الخدمات التي يعانيها الشرق الليبي وإبعاد حفتر لقبيلة العواقير، كبريات قبائل حزام بنغازي، وسجنه لأحد أبرز قادتها وكيل وزارة داخلية حكومة الوفاق فرج قعيم، قد يعقد وضع حفتر وأنصاره في العملية الانتخابية القادمة.
وفي ترتيب الرافضين للانتخابات العامة البرلمانية، يأتي رئيس مجلس النواب عقيلة صالح في الدرجة الثانية، فهذه الانتخابات ستخرجه من دائرة السلطة بشكل نهائي، وهذا ما يفسر دعوة عقيلة إلى انتخابات رئاسية فقط دون البرلمانية.
صيغة الانتخابات
في ظل تعطيل مجلس النواب في طبرق شرق ليبيا إصدار قانون الاستفتاء على الدستور الذي من المفترض أن يكون الأساس القانوني لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، وكذلك عدم إصدار قانون انتخابات من البرلمان بالتشاور مع المجلس الأعلى للدولة، يبقى هذا الوضع مربكًا للأطراف الإقليمية والمحلية من زاوية الأساس الذي ستبنى عليه الانتخابات.
فبعض الأطراف اقترحت إجراء العملية الانتخابية على أساس قانون انتخابات المؤتمر الوطني العام الذي أصدره المجلس الوطني الانتقالي عام 2012، وأجريت على أساسه انتخابات مجلس النواب في يونيو/حزيران عام 2014، مع إجراء بعض التعديلات عليه، إلا أن إجراء التعديل سيقف دونه مجلس النواب حائلًا.
مقترح آخر تشجعه البعثة الأممية في ليبيا، وهو إصدار قانون انتخابات كنتاج للمؤتمر الوطني الجامع الذي طرح فكرة عقده رئيس البعثة الأممية غسان سلامة في إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي في الـ26 من سبتمبر/أيلول عام 2017.
ونص مقترح سلامة على عقد مؤتمر وطني شامل كمرحلة ثانية تحت رعاية الأمين العام للأمم المتحدة يهدف إلى فتح الباب أمام أولئك الذين جرى استبعادهم وأولئك الذين همشوا أنفسهم وتلك الأطراف التي تحجم عن الانضمام إلى العملية السياسية، ويجمع المؤتمر أعضاء مجلسي النواب والأعلى للدولة وغيرهم كثيرين ممن تمثيلهم ضعيف أو غير ممثلين على الإطلاق في هاتين الهيئتين.
ويقول القريبون من البعثة الأممية إنه إذا نجح المؤتمر الوطني الجامع في الانتظام والتوافق على اقتراح قانون الانتخابات، فإنه من المتوقع أن يدعم مجلس الأمن الدولي، خاصة الدول الـ5 صاحبة الحق في الاعتراض، هذا المقترح، بصرف النظر عن موقف المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب الليبي في طبرق.
مصر والإمارات
تسعى دولتا مصر والإمارت الداعمتين بقوة لمعسكر اللواء المتقاعد خليفة حفتر إلى ضمان بقاء حليفها ضمن منظومة السلطة، والانفراد بالمؤسسة العسكرية والأمنية دون الخضوع للسلطة المدنية، سواء تلك الحاليّة برئاسة مجلس رئاسة حكومة الوفاق الوطني بوصفه القائد الأعلى للجيش الليبي وفق اتفاق الصخيرات، أم أي سلطة قادمة عبر بوابة الانتخابات.
إلا أن مصر والإمارات فشلتا في مسعاهما إبقاء حفتر منفردًا بالقوة الصلبة في ليبيا، فوفدا ضباط شرق ليبيا الموالين لحفتر وغرب البلاد التابعين للمجلس الرئاسي لم يتوصلا إلى أي اتفاق بشأن توحيد المؤسسة العسكرية، بواسطة من اللجنة الوطنية المصرية المعنية بالملف الليبي التي تشرف على هذه المفاوضات منذ عدة أشهر.
ولعل تصريحات الناطق باسم عملية الكرامة أحمد المسماري التي قال فيها إن المشكلة الوحيدة الآن أمام توحيد المؤسسات العسكرية هي منصب القائد الأعلى، مؤكدًا أنه إذا تم التوصل إلى اتفاق بهذا الشأن فستكون المؤسسة العسكرية واحدة.
ويضغط الوفد العسكري التابع لعملية القاهرة في مفاوضات القاهرة، باتجاه تسمية اللواء المتقاعد خليفة حفتر قائدًا أعلى للجيش الليبي، وهو ما يرفضه وفد غرب ليبيا الذي يتمسك باتفاق الصخيرات الذي منح صلاحيات القائد الأعلى للجيش للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني مجتمعًا.
كما يخطط اللواء المتقاعد خليفة حفتر بدعم مصري إماراتي إلى إشعال حروب محلية يستحيل معها إجراء عملية انتخابية، كتلك التي تشنها قواته حاليًّا على مدينة درنة شرق ليبيا، أو تلك التي يغذيها حفتر بين قبيلة التبو وقبيلىة أولاد سليمان في سبها جنوب ليبيا.
فرنسا
من جانبها تسعى باريس منفردة إلى عقد اجتماع مرتقب، يضم اللواء المتقاعد خليفة حفتر ورئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، للخروج باتفاق بينهم على إجراء انتخابات رئاسية.
هذه الخطة الفرنسية حسب المعلومات ترفضها الولايات المتحدة ودول غربية أخرى من بينها إيطاليا، بسبب عدم إمكانية الاتفاق على أساس قانوني أو دستوري لانتخاب رئيس، إضافة إلى أن الوضع الأمني والعسكري والسياسي المتأزم لا يسمح بذلك.
وترى هذه الدول الرافضة للمقترح الفرنسي المدعوم من مصر والإمارات أن إنهاء الانقسام السياسي وتوحيد المؤسسات تحت قبة برلمان موحد أولوية لحل أزمة الصراع الدائر في ليبيا، وغلق فصل تنازع الشرعيات بين برلمانيين وحكومتين في شرق وغرب ليبيا.
وتبقى أزمة ليبيا بلا أفق رغم كل المقترحات المطروحة لحلها، بدءًا من تعديل اتفاق الصخيرات السياسي وتقليص المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني من 9 أعضاء إلى رئيس ونائبين أو إجراء انتخابات عامة، أو حتى عقد مؤتمر جامع يلم شمل كل الأطياف المتصارعة.