تخلق الحروب في طريق جحيمها العديد من المآسي والقصص المؤلمة، لا تكتفي بحصيلة الضحايا من القتلى المدنيين تحت أنقاض المنازل، وفي الأسواق والشوارع والمرافق الحيوية؛ لكنها تتجه لحصد الذين لم يموتوا بغارات الطائرات؛ لتقتلهم بالجوع وسوء التغذية وهذا ما يحدث في اليمن منذ سبع سنوات.
يدفع الأطفال والنساء وكبار السن ثمنًا باهضًا للحرب التي يشنها التحالف حتى اليوم في اليمن، وتتعالى أصوات المنظمات الدولية وفي مقدمتها الأمم المتحدة للتأكيد على أن اليمن تُعاني من أزمة غذائية حادة ونقص في التمويل، جعلها تتربع على صدارة الدول التي تُهددها “المجاعة” في العصر الحديث.
بالمقابل، ينعم المدنيين وأطفالهم في الدول التي تشارك العدوان على اليمن وفي مقدمتهم السعودية والإمارات بوافر الصحة، منغمسين في حياة البذخ والرفاهية التي وصلت إلى حد التحذير من “السمنة” المفرطة بين أطفال وشباب الخليج، بالإضافة إلى الدعوات المجتمعية للتخفيف من التبذير والإسراف في الطعام، الذي وصل إلى مستويات قياسية؛ فيما يُعاني شعب اليمن من الجوع والقتل بلا مبرر.
مؤخرًا كشف خبير سعودي عن أرقام مفزعة حول تفشي السمنة بين الأطفال في المملكة، ففي مداخلة تلفزيونية لقناة “الإخبارية” قال البروفسور عايض القحطاني ” إن “50% من صغار السن أقل من 18 عاما في المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية يعانون من السمنة أو زيادة الوزن”.
وبينما تُعاني دول عربية من “الجوع” وفي مقدمتها اليمن، سابقت السعودية الزمن لتنفرد بالترتيب الأول عالميًا في قائمة “هدر الطعام” بأرقام مفزعة، حيث بلغ إجمالي تكلفة الطعام المهدر 10.7 مليار دولار سنويًا، بحسب البرنامج الوطني السعودي للحد من الفقد والهدر، ما يعادل 8 ملايين طن سنوياً.
حليف استراتيجي مهم للسعودية، لم تبتعد الإمارات عن الأرقام الصادمة في قائمة هدر الطعام سنويًا، فقد حلت ثانيًا بعد المملكة وجاءت رابعًا في الترتيب العالمي ،حيث بلغ إجمالي ما يتم إلقاءه في القمامة في الإمارات إلى 2.7 مليار دولار في السنة، ولعل السبب الرئيسي في هذا الإسراف هو إنفاق الخليجيين أموالًا طائلة على شراء مواد غذائية أكثر من حاجتهم، إضافة إلى المبالغة في اقامة الحفلات والولائم التي تعج بكافة أصناف الاطعمة، مقارنة بمحدودية الحضور في تلك الحفلات.
أرقام مرعبة لـ “مجاعة اليمن”
هذه الأرقام الكبيرة يقابلها أرقام مرعبة لحالات البؤس والجوع في اليمن، وارتفاع معدل وفيات الأطفال ممن يعانون من سوء التغذية والافتقار للخدمات الصحية بسبب الحصار، في وقت تتبارى فيه دول الخليج في الإنفاق على الطعام والتسابق على تكديس مقالب النفايات بما يُشكل فجوة هائلة تغيب عنها ابسط ابجديات العدالة، بين أطفال اليمن الذين يموتون جوعا على يد دول مجاورة تعاني من التخمة، وتفتقر للانسانية.
المديرة التنفيذية لليونسيف هنريتا فور وضعت على طاولة مجلس الأمن الدولي، مآسي أطفال اليمن وقالت وفق دراسة واقعية من وجع الفقراء المحرومين من أبسط حقوقهم، إن طفلًا يمنيًا يموت كل 10 دقائق بسب الجوع والمرض.
وبينت “هنريتا فور” ان العدوان على اليمن ادى الى أسوأ أزمة إنسانية في العالم ، حيث يحتاج 21 مليون شخص بينهم 11.3 مليون طفل ، إلى مساعدات للبقاء على قيد الحياة ، فيما يعاني حوالي 400 الف طفل من سوء التغذية ، ويواجهون خطر الموت الوشيك.
اليوم الخميس، أكد تقرير لوكالة الغذاء العالمي أن 13 مليون مدني في اليمن يواجهون خطر المجاعة ونقص التمويل للمساعدات الإنسانية، ففي تصريح لرئيس الوكالة “ديفيد بيزلي” قال إن الوضع في اليمن سيء للغاية، حيث يعتمد أكثر من 40% من سكان اليمن على الإمدادات الغذائية.
وكان تقرير سابق للأمم المتحدة أكد أن طفلاً يمنياً دون سن الخامسة يموت حالياً كل تسع دقائق بسبب الحرب.
بين أرقام الموت الذي يُسببه التحالف في أوساط اليمنيين، وأرقام البذخ السافر للإنفاق الخليجي والدعوات لإيجاد حلول تحد من “تخمة” أطفال السعوديين والإماراتيين، يظل أبناء اليمن في مرمى التجاهل الأممي والعالمي، وسط تقارير يومية وشهرية وسنوية أممية تتحدث عن قصص إنسانية محزنة وأطفال يموتون جوعًا ومرضًا، دون أن يضع صُناع هذه الحرب حدًا لنهايتها.