تحليل/عبدالكريم مطهر مفضل/وكالة الصحافة اليمنية//
ألقت الحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت في 24 فبراير الماضي، بتبعات عدة على مجمل النظام العالمي، وأعادت خلط الأوراق الجيوسياسية منذ حقبة الحرب الباردة وإعادة فرمتت نظام هيمنة القطب الواحد إلى نقطة التحول، كما شكلت صداعاً كبيراً لأمريكا والغرب، وأيقظت من جديد التهديد النووي للشعوب والأمم من سباته العميق.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بتجاهله لكافة محاولات أمريكا والغرب تركيع الدب الروسي عبر تهديداتهم بالحرب والعقوبات الاقتصادية، فقد أطاح بالأحلام الوردية للولايات المتحدة ودول أوروبا في حقبة ما بعد الحرب الباردة، بأنها ستظل تهيمن على العالم وبأنها ستستمر في استعباد شعوب وحكام العالم إلى أن تقوم الساعة، وبأنها في منأى عن حرب ضخمة أن لم تكن نووية تنهي الحياة في كافة أرجاء الكوكب الأرضي.
ولهذا جاء رد أمريكا والغرب السريع وبشكل هيستيري، عبر سيل من العقوبات الاقتصادية الغير مسبوقة بحجمها والتي طالت بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف، والشركات والبنوك والأثرياء من كبار رجال الأعمال الروس، وإغلاق وسائل إعلامية والمجالات الجوية في وجه الطائرات الروسية، ومصادرة البنوك، وحتى الاستبعاد من منافسات رياضية كبرى بينها تصفيات مونديال كأس العالم، ليؤكد أن صدمة وخوف الدول الاستعمارية من فقدان هيمنتها على العالم ليس مجرد تكهنات بل سارت أمراً ملموساً على الأرض.
بوتين لم يكذب حين قال في تصريحات صحفية: أن الغرب جشع ومنحطّ لدرجة سوف تؤدي به في النهاية إلى تدمير نفسه من الداخل، ولو نظرنا إلى سلوك أمريكا والغرب تجاه شعوب العالم المضطهدة بشكل عام خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وروسيا بشكل خاص خلال الأزمة الروسية الأوكرانية فمن الصعب أن يخالفني أحد في ذلك الرأي.
أمريكا نجحت بخبثها في أن تجر دول القارة العجوز إلى صراع (أوربي – أوربي)، من خلال دفع روسيا إلى اتخاذ قرار حماية أمنها القومي بغزو أوكرانيا، وبالمقابل دفع الدول الأوربية لمواجهة روسيا، وبهذا فقد حققت الولايات المتحدة العديد من المكاسب وفي مقدمتها بيع الغاز الأمريكي لدول أوروبا عوضاً عن الغاز الروسي، والمضي في تحالف عسكري واقتصادي أعمق بعد أن كانت فرنسا وألمانيا تبحثان قبل أشهر عن إنشاء قوة عسكرية جديدة بديلة عن الناتو.
لم تترك أمريكا أي خيار للدب الروسي في مواجهة تمدد الناتو باتجاه حدودها الشرقية، إلا الدخول في مغامرة مواجهة العالم لحماية أمنها القومي ووجودها المصيري .. لقد تمكنت أمريكا وبمساعدة دولة الكيان الصهيوني من تنصيب بهودي إلى سدة الحكم في أوكرانيا ليقوم بطلب انضمام البلد إلى حلف الناتو الأمر الذي يجعل روسيا تقع تحت كماشة الناتو ويتجلى ذلك في أن صواريخ الناتو كانت تبعد عن المواقع الاستراتيجية الروسية بحوالي 40 دقيقة الزمن الذي تحتاجه تلك الصواريخ لاستهداف مواقع استراتيجية في روسيا الاتحادية وهذا وقت كافي للتعامل معها وإسقاطها لكن إذا تمدد الناتو شرقاً في أوكرانيا سيحتاج الصاروخ أقل من 5 دقائق للوصول إلى هدفه في روسيا ، وعندها ستكون خسائر روسيا أكبر لو لم تقوم بالحرب ضد أوكرانيا.
روسيا لم يعد لها خيار إلا الحرب مهما كلفتها تلك الحرب من خسائر استراتيجية واقتصادية، التي لن تكون أكبر من خسارتها لأمنها القومي ووجودها المصيري، فيما أوروبا التي صنفها العديد من المحللون السياسيون بأنها الأطباق الأمريكية اللاقطة، تدخل للمعركة التي تتجه إلى حرب عالمية ثالثة مدمرة لكل البشرية ليس لرغبة أو مصلحة أو خطر يهددها بقدر ما هي تنفيذاً للتوجيهات الأمريكية.