«جوهرة » هي طفلة يمنية كتبت لها النجاة مع والدتها، بعد أن عصفت بهم الأقدار إلى منطقة «نقم» بالعاصمة صنعاء.
درست «جوهرة» 10 سنوات، إلى الصف الثاني اساسي، في مسقط رأسها بمنطقة «الحزم- الجوف» لا تتذكر سوى إنها من تلك المنطقة وانها انتقلت مع والدتها إلى صنعاء بعد ضربة جوية استهدفت منزلهم في «الحزم» وعلى إثر تلك الضربة توفي ابوها وشقيقها الأصغر فيما أصُيبت هي واخوتها ووالدتها إصابات خطرة نقلتهم جميعا إلى صنعاء، أما قطيع الأغنام والأبقار ومزارع ومنزل والدها فصارت كلها في “خبر كان”.
منذُ الصباح الباكر تخرج «جوهرة» من إحدى الدكاكين التي تسكنها في «نقم» وتتجه صوب منطقة«عَصرَ» مع اختها لتعملا على بيع “اللبان والمناديل والولاعات” للناس المارة والمستريحين على سياراتهم في قمم تلك المنطقة.!
تعرضت المئات من النساء للموت في بلدنا، لكن هناك من تعرضن للموت البطيء وهاتين الفتاتين ووالدتهن ليستا إلا قصة من آلاف القصص التي أحدثتها الحرب بحق أبناء اليمن.!!
بثوبها المزركش وحشمتها اليمنية الريفية المطوية على عنقها ورأسها، بشرتها الجوفية وابتسامه ثقيلة تعكس ملامح طفلة بريئة يظهر عليها العرق الأصيل والعائلة الكريمة المصونه، كانت «جوهرة» تتكلم وهي سعيدة جداً بما تقدمه من نشاط تجاري تعود بفائدته على امها، ليس من السهل تقبل رؤية طفلة من محافظة الجوف شمال اليمن؛ تعمل في بيع المناديل ولا زالت في عمر الزهور، لكن الحرب تجبرك على تقبل أعظم من هذه القصص، أسترسل صديقي في محادثتها، فوجدناها ضحية من ضحايا الحرب التي تجبرك على البكاء دون توقف.
«لا اعرف أبي إلا خيال، مات مقتولا بضربة للطيران، لم يكن ابي “حوثيًا” ولا مع التحالف، كان أبي مزارع بسيط ويعمل في رعي الأغنام والجمال والإبقار التي فقدناها كلها كما فقدنا أبي، وحتى بيتنا فقدناه تماما، اعمل انا واختي هنا في بيع هذه الاشياء لكي نعيش منها، امي في البيت ونادرا ما تخرج، فنحنُ لسنا من بنات الشوارع، لا احد يعطينا مساعدات، والمنظمة التي أرادت أن تعطيني طلبت من امي بطاقة شخصية وامي ونحن لا نملك غير ارواحنا والحمد لله اننا نجونا بأرواحنا» هكذا سردت جوهرة قصتها.
في الوقت الذي أردنا أن نستأنس أنا وصديقي في قمة « عَصرَ» جاءت تلك الغيمة السوداء التي حولت «جوهرة» من طفلة جوفية ورائعة الجمال الى امرأة عجوز لكن في العاشرة من عمرها، تحمل هموم الدنيا على كتفيها، لم تعد تطمح للدراسة مثل أي طفل في سنها، بل لم تعد تفكر فيها ولا حتى بحياة كريمة، بات همها هو كم المحصول الذي ستحصل عليه من خلال تجارتها المتنقلة بين السيارات الواقفة.
ليس من السهل تقبل وجود طفلتين متشردتين تبحثان عن لقمة العيش في شوارع صنعاء وليس من السهل تقبل وجود المئات من «جوهرة» يعشن القسوة والظلم وقهرالفقر والحاجة.
ثم يأتي من يحسب نفسهُ محللا سياسيا ليقول مستغربا : ما الذي جعل التحالف يفشل في اليمن؟! ما الذي اسقط الجوف في ايادي انصار الله؟! إن ما ارتكبهُ طيران التحالف بحق اطفال ونساء اليمن، لا يمكن نسيانه بصفقة سلام عابرة أو فُتات مساعدات إنسانية سعودية بائرة، من لم يخسر ابنه أو أحد احبائه أو منزله أو امواله في هذه الحرب عليه أن يخرس ويلتزم الصمت فهناك من ينام موجوعًا ودموع القهرِ والحزن تتصبب من عينيه طوال 8 سنوات.