أكد تسلسل الأحداث في الشرق الأوسط، والعالم أن الرئيس بايدن استطاع التغلغل في صفوف المجتمع الأمريكي لكسب التعاطف ومن ثم الفوز في الانتخابات الرئاسية مطيحًا بـ ترامب، من خلال الملف الإنساني والتلويح بمعاقبة الطغاة ونبذهم، والانتصار لحقوق الإنسان تحت أي سماء.
كان بايدن وهو يروج لحملته الانتخابية يتحدث عن قضية العصر “حرب اليمن” وأفرد لها مساحة كبيرة من تلك الحملة، في استقطاب واضح للرأي العام والإعلام المناهض للحرب؛ وللفوز بأصوات المدافعين عن السلام وكان له ما أراد، حيث نجح في الوصول إلى كرسي الرئاسة متفوقًا على نظيره ترامب الذي يأمل في العودة في 2024م.
مملكة منبوذة
في العام 2019م قال المرشح للرئاسة جو بايدن إنه سيجعل السعودية دولة منبوذة وأنه لن يتعامل مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لا شخصيًا ولا سياسيًا، بعد تورط ولي العهد في عملية اغتيال وحشية بحق الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في مدينة اسطنبول التركية في الـ 2 من أكتوبر2018م، بالإضافة إلى ارتكاب جرائم حرب في اليمن منذ 2015م، راح ضحيتها ما يفوق 337 ألف مدني يمني في واحدة من أسوأ الحروب التاريخية التي تسببت بأسوأ أزمة إنسانية في العصر الحديث، بحسب الأمم المتحدة.
” أؤكد أننا لن نبيع مزيد من الأسلحة لهم… سنجعلهم يدفعون الثمن، وسنحول السعودية لدولة منبوذة”، هكذا صرح بايدن شخصيًا، كما أنه سمح بعد فوزه بالرئاسة برفع السرية عن تقرير الاستخبارات حول مقتل خاشقجي، حيث خلص مسؤولو المخابرات الأمريكية إلى أن ولي العهد نفسه أمر بقتل خاشقجي.
بدأ بايدن صارمًا بعد فوزه في الانتخابات، وأوقف صفقات الأسلحة إلى السعودية بشكل مؤقت، كي لا تتعارض أقواله مع أفعاله، في ظل ضغط مستمر من قبل عدد من أعضاء الكونغرس المناهضين للحرب وتورط واشنطن بدعم السعودية والإمارات وباقي دول التحالف بالأسلحة وكذا بالدعم اللوجستي.
لم يمض عام واحد حتى أجاز بايدن صفقة أسلحة كبيرة للسعودية متجاوزًا تلك الضغوطات، بقيمة 650 مليون دولار، وهو ما يعني أن الرئيس الأمريكي لا يمانع من استمرار الحرب على اليمن، وأنه يسير على نهج سابقيه أوباما وترامب وأن وعوده بإنهاء الحرب، كانت وعودًا عرقوبية.
لقاء بايدن.. بن سلمان
تتوالى وعود بايدن في السقوط إلى مستنقع الفضائح، فبعد استمرار عقد صفقات الأسلحة للسعودية والإمارات، والاعتراف علنًا بأن السعودية شريك مهم وأن أمريكا ملزمة بحمايتها، هاهو بايدن يغير سياسته تجاه محمد بن سلمان، المؤشرات الأخيرة والتصريحات الواردة من البيت الأبيض والخارجية الأمريكية، تؤكد اعتزام بايدن الاجتماع مع بن سلمان؛ كون الأول يبحث عن ضمانات سعودية لزيادة ضخ النفط لتعويض نفط روسيا، في ظل الأزمة الأوروبية التي تسببت بها حرب أوكرانيا وفرض العقوبات على موسكو منها مقاطعة مصادر الطاقة (النفط – الغاز) والبحث عن بدلاء في الشرق الأوسط والخليج وإفريقيا.
قبل اللقاء المفترض، ذكرت شبكة CNN أن منسق مجلس الأمن القومي للشرق الأوسط بريت ماكغورك والمستشار الأقدم لوزارة الخارجية لأمن الطاقة العالمي عاموس هوشستين قاما بأربع رحلات إلى الرياض منذ ديسمبر في محاولة لإصلاح العلاقة بين البلدين، وعليه قاما بمقابلة بن سلمان في فبراير للتحضير لهذا اللقاء.
النفط يقلب الموازين
واقع الأحداث يؤكد أن تجار المصالح العامة، يتلاعبون بالقرارات من أجل ضمان مصالحهم ومصالح دولهم، فقد فرضت الحرب الروسية الأوكرانية واقعًا جديدًا، عززت من حظوظ بن سلمان في التلاعب بورقة النفط، فيما خشي الرئيس الأمريكي من الموقف السعودي الإماراتي تجاه روسيا وعدم إدانتهما لـ موسكو، بل والتلميح إلى عدم قدرة البلدين على زيادة إنتاج النفط، ما جعل بايدن يتغاضى عن جرائم بن سلمان ونظيره بن زايد، بل وفرض عليه الاحتياج الأوروبي لمصادر طاقة بديلة، إلى التراجع بشأن معاقبة بن سلمان والسعودية ككل، ما يعني أن الظروف خدمت تلقائيًا الأكاذيب الأمريكية والترويجات الوهمية بشأن حقوق الإنسان ومعاقبة الأنظمة المستبدة، فيما يمكن تلخيصه بالقول “إن بايدن وجد في هذه الظروف ما يعزز دعمه للرياض وأبو ظبي تحت مبرر المقاطعة الاقتصادية لروسيا” وتوهج العلاقات الأمريكية السعودية تحت غطاء “الضرورة”.