المصدر الأول لاخبار اليمن

حرب السعودية على اليمن .. من عربدة الحزم إلى سياسة المهادنة

تقرير/عبدالكريم مطهر مفضل/وكالة الصحافة اليمنية//

اعتادت السياسة السعودية الخارجية، التعامل مع صراعاتها الإقليمية من خلال اللعب بأوراق المؤامرات وشن الحروب بالوكالة أو من خلال إثارة التحريض والفتن الداخلية ضد خصومها، إلا أن الجيل الثالث من أمراء آل سعود وجدوا أنفسهم لأول مرة مكلفين بإدارة حرب شاملة على الأرض في اليمن.

وحين بدأت دول التحالف شن عملياتها العسكرية على الأراضي اليمنية، طلبت السعودية من الولايات المتحدة قيادة ذلك التحالف المكون من 17 دولة ووعدت بحسم المعركة خلال أشهر (بحسب ادعاءات صحيفة نيويورك تايمز) مطلع الشهر الجاري، لكن بعد 8 سنوات من الفشل، وجدت المملكة نفسها غارقة في فخ المستنقع اليمني الذي نصبته لها ولدول الخليج القوى الاستعمارية بقيادة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، خاصة بعد تكبدها خسائر عسكرية فادحة وأخرى اقتصادية هائلة قُدِّرت بمليارات الدولارات.

عنفوان الحزم المفقود

 

 

راهنت السعودية، في بداية الحرب على اليمن، على قواتها العسكرية وحلفاؤها المحليين والدوليين، لتحقيق انتصار سريع وخاطف في اليمن، كما راهنت المملكة على دعم هيمنة القوى الاستعمارية لتوفير ورقة التغاضي الدولي عن الجرائم التي سترتكب في اليمن، وذلك في مسعى منها لضمان تحقيق “النصر السريع”، حيث أطلقت المملكة على العملية العسكرية في اليمن مسمى “عاصفة الحزم” كرسالة أرادت بها تخويف الدول المنافسة لها في المنطقة.

عربدة الغرور السعودي لم يتوقف عند ذكر معركة حاسمة وخاطفة في اليمن خلال شهور، حيث ظهر ناطق التحالف “أحمد عسيري” في اليوم الثالث من الحرب على اليمن ليعلن عن تدمير كافة أنظمة الرادارات وتدمير 80 % من القدرات الصاروخية اليمنية الباليستية مشيراً إلى أن حسم المعركة لن يستغرق سوى أسبوعين.

وفي السياق صرح الأمير خالد بن سلمان، نائب وزير الدفاع السعودي في بداية الحرب على اليمن، أكثر من مرة، أنّ استعادة كامل اليمن من قبضة حركة “أنصار الله” والقضاء عليها لن يستغرق سوى أيام معدودة.

وأشار الأمير السعودي، إلى أن الحسم العسكري السريع للمعركة في اليمن والقضاء على أنصارالله سيتم من خلال القوات السعودية فقط، (وفق تعبيره).

وفي السياق، تواصلت الرياض قبل أيام من الحرب مع قادة بارزين في حزب المؤتمر الشعبي العام ، وعلى رأسهم رئيس الحزب علي عبدالله صالح ونجله أحمد وكذا مع قادة حزب التجمع اليمني للإصلاح وقادة عسكريين ورموز قبلية ممن عملوا تحت مظلة السعودية منذ اغتيال الرئيس اليمني المقدم إبراهيم الحمدي في 11 لأكتوبر 1977، كما تواصلت المملكة مع قيادات جنوبية شملت الرئيس الجنوبي السابق علي سالم البيض ، ورئيس الوزراء السابق حيدر أبو بكر العطاس ، والأمين العام السابق للحزب الاشتراكي اليمني ياسين سعيد نعمان وقيادات من فصائل الحراك الجنوبي، وذلك لحشد الدعم المحلي وتوفير مرتزقة محليين لعاصفة الحزم على الأرضي اليمنية .

وسخرت السعودية مليارات الدولارات في محاولة منها لتحقيق النصر السريع، في شراء المزيد من الأسلحة النوعية والمتطورة، وتوفير مرتزقة أجانب من “بلاك ووتر” والجنجاويد السودانيين إضافة إلى تكاليف التشغيل العالية والدعم اللوجستي والأموال التي أعطتها المملكة للقوى الاستعمارية والمنظمات الدولية.

وعمدت السعودية وبمشاركة أكثر من ١٧ دولة منذ الساعات الأولى للحرب في استخدام كثيف لأسلحة الموت الفتاكة والمحرمة دولياً وفرض حصار عسكري خانق جواً وبراً وبحراً على اليمن في وقت لم تكن قواته المسلحة بجاهزية عسكرية تامة للتصدي لأي هجوم خارجي، ذلك كله من أجل تحقيق النصر السريع والخاطف.

الصمود يعصف بالحزم

 

 

ومع مرور الشهور الأولى من المعركة الغير متكافئة أثبتت الوقائع والأرقام لمسار تلك المعركة أنّ القوات المسلحة اليمنية، على الرغم من الحصار الذي تواجهه، وشحت الإمكانيات المتاحة لها استطاعت الصمود في وجه العاصفة وتكبيد التحالف بشكل عام والسعودية بشكل خاص خسائرَ فادحة على كافة الأصعدة، كما خسرت المملكة أيضاً سمعتها وانكسرت هيبتها كرابع أكبر دولة إنفاقاً على السلاح في العالم.

وأكد تقرير لجنة خبراء الأمم المتحدة الأخيرفي سبتمبر الماضي، أن الجيش السعودي وأسلحته البيروقراطية، وأجهزته الاستخبارية أثبتوا أن السعودية غير قادرة على إدارة الحرب في اليمن بطريقة فعالة.

وأشار التقرير، إلى أن ارتباك الاستراتيجية السعودية وهشاشة تحالفاتها مع القوى المحلية والخليجية جعلا الحرب ترتدّ عليها، خاصة بعد استنزافها على يد قوات صنعاء عسكرياً ومالياً، وتكبّدها خسائر عسكرية فادحة واقتصادية باهظة.

استراحة محارب

وبعد مضي الشهور الأولى من الحرب ثبت لدول التحالف أن النصر أصبح من المستحيلات السبع ، حينها لم يكن امام السعودية إلا النظر في خيارات أخرى تقوم على أساس التفاوض والتسوية مع قوات صنعاء وهو ما يفتقره الجيل الثالث من أمراء آل سعود الذين عرف عنهم التهور وقلة الخبرة السياسية والعسكرية، وحينها وجدت الرياض أنه لا يمكنها إلا أن تأمل في النجاح بمساعدة حلفائها المحليين القدامى والجدد ودعم حلفاؤها الدوليين، وعليه فقد لجأت الرياض إلى خيار التهدئة.

هدفت السعودية من خلال توقيع الهدنة الأولي مع قوات صنعاء في مشاورات جنيف في 16 يونيو 2015، ضمان إعادة ترتيب صفوفها عبر تجنيد مرتزقة أجانب من السودان والسنغال ومرتزقة محليين جدد، بعد أن عجزت قوات التحالف من ومرتزقتها القدامى في تحقيق أهدافها المرجوة وتكبدها خسائر فادحة.

وللتغطية على فضيحة عجز السعودية وفشلها في إدارة الحرب، خفضت السعودية من حدة عنفوان العملية العسكرية للتحالف وقامت بتغيير مسماها من “عاصفة الحزم” إلى “إعادة الأمل”، حيث شنت هجوم عسكري كبير على العاصمة صنعاء عبر جبهة نهم وعملية أخرى في مديريتي ميدي وحرض بمحافظة حجة شمال غرب العاصمة صنعاء وهجوم أخر باتجاه محافظة الجوف.

إلا أن قوات صنعاء تمكنت من الصمود وتكبيد خصومها خسائر فادحة، رغم فارق الإمكانيات بين الطرفين، خاصة في جبهة نهم التي تحولت إلى محرقة لقوى التحالف بكل ما تعنيه الكلمة.

حينها لجأت السعودية مرة أخرى إلى التهدئة لضمان إعادة ترتيب صفوف مرتزقتها المحليين، بعد أن عجزت قوات التحالف من التقدم صوب صنعاء وتكبدها خسائر فادحة في جبهة نهم وتم التوصل إلى اتفاق تهدئة جديد مع قوات صنعاء من خلال مشاورات الكويت مطلع شهر أغسطس 2016.

استغلت السعودية ودول التحالف التهدئة وسارعت في تجنيد مرتزقة جدد من العناصر السلفية والجماعات الإرهابية لتنظيمي “القاعدة وداعش” للقتال في صفوفها ضد قوات صنعاء، حيث تقاسمت السعودية والإمارات وبتأييد أمريكي وبريطاني الأدوار في تجنيد تلك العناصر الإرهابية عبر الفصائل التي تديرها الدولتان.

الإمارات استغلت انشقاق العديد من أمراء وعناصر “القاعدة” بعد أن أصاب الوهن التنظيم وفقدان التنظيم السيطرة على موازين القوى في محافظات تعز والبيضاء وأبين وحضرموت وشبوة وانضمامهم إلى تنظيم “داعش”، فسارعت أبوظبي عبر ميليشيا “الإنتقالي” إلى عسكرة جماعات “داعش” الإرهابية تحت مسميات “ألوية العمالقة” والنخب الحضرمية والشبوانية في المحافظات الجنوبية وكتائب “أبوالعباس” في تعز.

فيما قامت السعودية بعسكرة العديد من عناصر “القاعدة” عبر ميليشيا الإصلاح في مأرب وشبوة وأبين والبيضاء وحضرموت وفي جبهات ما  وراء الحدود.

وبعد فشل مشاورات الكويت استخدمت قوات التحالف ورقة خلاياها النائمة في مناطق سيطرة حكومة صنعاء بغرض اشعال الفتن الداخلية مما يتيح إرباك قوات صنعاء وإنهاكها واشغالها حتى تتمكن قوات التحالف من استكمال تدريب وتجهيز مرتزقتها الجدد، حيث وجهت الرياض خلاياها النائمة باشعال فتنة حجور وفتنة “عفاش” في صنعاء وفتنة العواضي في البيضاء، إلا أن قوات صنعاء تمكنت من إخماد تلك التمردات والقضاء عليها والتي أدت إلى مصرع الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح في 4 ديسمبر 2018 كما تمكنت قوات صنعاء من فرض سيطرتها على مناطق واسعة في اليمن وفي العمق السعودي نتج عنها تحرير كامل جبهة نهم ومحافظتي الجوف والبيضاء ومناطق كبيرة في الضالع والسيطرة على 12 مديرية من أصل 14 مديرية في مأرب.

انشقاقات سعودية

 

مؤشرات إخفاق التحالف بشكل عام والسعودية بشكل خاص وتعرض المنشئات السعودية للقصف من قبل اليمن، أدت إلى نشوب خلافات كبيرة داخل الأسرة الحاكمة في السعودية، جراء مطالبة الكثير من الأمراء وفي مقدمتهم الأمير محمد بن نايف ولي العهد السعودي إلى ضرورة الخروج من حرب اليمن لوضع حد لاستنزاف المملكة.

إلا أن الأمير محمد بن سلمان رفض الاستماع لتلك المطالب وقام بالإطاحة بولي العهد السعودي محمد بن نايف والعديد من القادة العسكريين الموالون له وتوجيه اتهام الخيانة والفساد لهم، وكذا احتجاز العديد من أمراء آل سعود في أحد فنادق الرياض، كما قام بن سلمان بتكليف شقيقه الأمير خالد بإدارة الملف اليمني.

السعودية لجأت من جديد للتفاوض مع قوات صنعاء بشكل سري عبر اللجان العسكرية في ظهران الجنوب وبوساطة عُمانية لوقف الهجمات الصاروخية باتجاه العاصمة السعودية الرياض مقابل وقف التحالف للغارات الجوية باتجاه العاصمة صنعاء إلا أن تلك المشاورات سرعان ما فشلت.

  وبمجرد أن هدأت وتيرة المشاكل الداخلية في السعودبة ، اعلنت قوات التحالف عن عمليات عسكرية جديدة الهدف منها وقف تقدم قوات صنعاء باتجاه مدينة مأرب، أبرزها عملية السهم الذهبي في الساحل الغربي إلا أنها وكسابقتها لم تحقق للتحالف إلا المزيد من الخسائر الفادحة بعد أن تمكنت قوات صنعاء من استدراج تلك القوات باتجاه مداخل مدينة الحديدة ، ونفذت حينها عمليات وكمائن عديدة في مناطق الجاح وحيس والدريهمي قطعت كافة الإمدادات عن قوى التحالف مما دفع السعودية لتوقيع اتفاق ستوكهولم في ديسمبر 2018 والذي لم يوقف القتال في الساحل الغربي جراء خروقات التحالف.

صنعاء تقلب الطاولة

 

أرامكو تحت رحمة الطيران المسير

 

ومنذ مطلع 2019، تحولت القوات المسلحة اليمنية وحلفاؤها من اللجان الشعبية وأبناء القبائل اليمنية من الدفاع إلى الهجوم نتيجة تطوير قدراتها في التصنيع الحربي وتحديداً ما يتعلق بالصواريخ الباليستية والمجنحة وسلاح الجو المسيّر وأنظمة الدفاع والاستطلاع، وأجهزة الاستخبارات العسكرية وكذا تنامي قوتها البشرية بتشكيلاتها العسكرية المتعددة.

ومع دخول الحرب السعودية عامها الثامن باتت القوات المسلحة اليمنية -وفق الأرقام والوقائع- في موقف المنتصر نتيجة قلب قوات صنعاء لموازين القوى العسكرية لصالحها، خاصة بعد أن حققت تطور كبير ولافت في الصناعات الحربية والتكتيكات العسكرية والاستخباراتية داخل اليمن وفي العمق السعودي، رغم فارق الامكانيات والعتاد والمال المتوفر بكثرة وبقوة  لدى خصومها.

وفي ظل تكتم السعودية والتحالف عن خسائرهم في الحرب على اليمن، أعلن المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع في مؤتمر صحافي بعنوان “حصاد 7 سنوات من الصمود في وجه العدوان” في 22 مارس الماضي، عن تنفيذ قوات صنعاء خلال هذه السنوات أكثر من 13200 عملية عسكرية ما بين هجومية ودفاعية، وعشرات العمليات النوعية، نجحت من خلالها قواتنا في تحرير مساحات شاسعة من أراضي اليمن في أكثر من جبهة ومحافظة، ومن ذلك عمليات فأمكن منهم، والبنيان المرصوص، ونصر من الله والبأس الشديد وربيع الانتصار وغيرُها.

وأشار العميد سريع، إلى أن قوات صنعاء رصدت من خلال عملياتها العسكرية، مقتل وإصابة أكثر من 12 ألف جندي تابع للنظام السعودي ومرتزقته الأجانب، فيما تجاوزت حصيلة خسائر مرتزقته المحليين 253 ألفاً بين قتيل ومصاب خلال 7 سنوات”.

وكشف سريع عن تدمير وإعطاب وإحراق أكثر من 17 ألف آلية ومدرعة وناقلة جند ودبابة ومصادرة المئات من المدرعات والآليات وكميات مختلفة من الأسلحة الثقيلة.

كما كشف العميد سريع، عن تنفيذ سلاح الجو المسير أكثر من 14400 ضربة جوية استهدفت تجمعات قوى التحالف في الداخل، وتجاوزت الجغرافيا اليمنية لتستهدف المنشئات الحيوية والعسكرية في عمقي السعودية والإمارات بعدة عمليات منها توازن الردع، وإعصار اليمن، وكسر الحصار، إلى جانب عشرات الآلاف من العمليات العسكرية التي نفذتها الوحدات البرية والبحرية والدفاع الجوي.

ولفت سريع، إلى أن القوة الصاروخية نفذت 1826 عملية منها 1237 عملية محلية 589 عملية خارجية.

ووفقاً للعميد سريع، نفذت قوات الدفاع الجوي 4221 عملية نتج عنها  اسقاط 6 مروحيات نقل و 34 طائرة أمريكية و 95 طائرة استطلاع.

سياسة المهادنة

 

 

وأكد مراقبون للشأن اليمني، أن السعودية رضخت بعد 8 سنوات من الفشل وحصد الهزائم  وبعد أن ثبت لها استحالة تحقيق أي إنجاز عسكري على الأرض، الأمر الذي دفعها للبحث عن هدنة تمهد لها الخروج من المستنقع اليمني.

وأشار المراقبون إلى أن الرياض لجأت من خلال الأمير خالد بن سلمان للبحث عن اتفاق جديد مع قوات صنعاء يحقق لها الخروج من المأزق اليمني بماء الوجه مع محاولات الاحتفاظ بقواعد عسكرية بمحافظات حضرموت وتعز وعدن من خلال مفاوضات سرية مع وفد صنعاء في مسقط ، فشلت حتى الآن في تحقيق مبتغاها، جراء اصرار حكومة صنعاء على خروج كامل لكافة القوات الأجنبية من اليمن، وهو ما أكده تقرير لجنة خبراء الأمم المتحدة.

وأوضح تقرير خبراء الأمم المتحدة، أن الأمير خالد بن سلمان توجه في فبراير 2020،  إلى سلطنة عمان لنزع فتيل التوترات المتعلقة بين الرياض ومسقط بشأن الوضع في محافظة المهرة، حيث تم التوصل إلى اتفاق عُماني سعودي لتعيين محافظ توافقي من جميع الأطراف.

طهران بدورها كشفت وعلى لسان العديد من المسؤولين الإيرانيين أن عاصفة الحزم السعودية  تستنجد بإيران لوقف الضربات اليمنية التي تتعرض لها المملكة السعودية.

وفي 2 أبريل الماضي، وقعت السعودية والتحالف لتوقيع أتفاق هدنة إنسانية مع حكومة صنعاء برعاية الأمم المتحدة لمدة شهرين قابلة للتجديد، تضمنت وقف كل العمليات العسكرية الهجومية برًا وجوًا وبحرًا وفتح ميناء الحديدة امام السفن النفطية والغذائية وتسيير رحلتين جويتين أسبوعياً من وإلى مطار صنعاء.

قد يعجبك ايضا