فعلتها نانسي بيلوسي وزارت تايوان، مثيرة غلياناً صينياً وتحركات عسكرية غير مسبوقة، فهل أصبح ضم الصين للجزيرة ذات الحكم الذاتي مسألة وقت؟ وهل تتدخل أمريكا عسكرياً؟
أصبحت نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب، أول مسؤول أمريكي رفيع المستوى يزور تايوان منذ عقود. وسبق الزيارة القصيرة، الثلاثاء 2 أغسطس، تصعيداً في الحرب الكلامية بين واشنطن وبكين، وصل إلى تهديد الصين باستخدام القوة العسكرية في حال أصرت بيلوسي على الزيارة.
طبقاً للنظام السياسي الأمريكي لا يملك الرئيس جو بايدن حق التدخل في زيارات بيلوسي الخارجية أو تصريحاتها أو أي شيء تفعله، لكن في الوقت نفسه تنتمي بيلوسي وبايدن إلى نفس الحزب الديمقراطي، ومن هذه الزاوية تعكس الصحف الصينية شبه الرسمية رأي القيادة الصينية في تحميل البيت الأبيض مسؤولية “أي تدهور في الموقف” ينتج عن الزيارة التي تصفها الصين بأنها “استفزازية”.
رد الفعل الصيني لم يتأخر بطبيعة الحال، سواء من جانب وزارة الخارجية، التي استدعت السفير الأمريكي لدى بكين، نيكولاس بيرنز، وسلمته احتجاجاً شديد اللهجة، أو من جانب جيش التحرير الشعبي (الجيش الصيني)، الذي أعلن عن مناورات عسكرية بالذخيرة الحية، مدتها أربعة أيام، تبدأ الخميس 4 أغسطس، وتشهد إجراءات “غير مسبوقة” على الإطلاق.
وزارة الدفاع الصينية قالت إن الجيش وُضع في حالة تأهب قصوى، وسيبدأ “عمليات عسكرية محددة الهدف”، رداً على زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى تايوان.
وعلى نحو منفصل، قالت القيادة الشرقية لجيش التحرير الشعبي الصيني إنها ستجري عمليات عسكرية مشتركة بالقرب من تايوان، مساء الثلاثاء 2 أغسطس، أي نفس يوم الزيارة.
ولم تقدم وزارة الدفاع تفاصيل عن العمليات العسكرية “محددة الهدف”، أو ما إذا كانت منفصلة عن التدريبات التي أعلنت عنها القيادة الشرقية. وقالت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا)، في وقت سابق من أمس الثلاثاء، إن الجيش الصيني سيجري تدريبات بالذخيرة الحية، وتدريبات أخرى حول تايوان في الفترة من 4-7 أغسطس.
أصبح هذا السؤال جوهرياً الآن بعد إعلان الصين عن خريطة “العمليات العسكرية محددة الهدف”، وتوجيه تحذيرات إلى السفن والطائرات للابتعاد عن المنطقة خلال تلك الفترة، إذ إن بعض التدريبات العسكرية الصينية المزمعة ستجري داخل المياه الإقليمية لتايوان، التي تمتد 12 ميلاً، وفقاً لما ذكرته وزارة الدفاع التايوانية، وهي خطوة غير مسبوقة وصفها مسؤول دفاعي كبير للصحفيين بأنها “تصل إلى مستوى الحصار البحري والجوي لتايوان”.
وفي هذا السياق، لا أحد يمكنه التنبؤ بما قد تؤول إليه الأمور خلال المناورات العسكرية الصينية، فجزيرة تايوان ستكون عملياً “تحت الحصار” من جميع الاتجاهات، كما أن المقاتلات الصينية والسفن الحربية ستكون للمرة الأولى في داخل الأجواء والمياه الإقليمية لتايوان (أي نطاق 12 ميلاً)، فمن يضمن ألا يحدث احتكاك عسكري مباشر؟
وبعيداً عن الحل العسكري المباشر، يمكن للصين أن تضرب أهدافاً عسكرية تابعة لتايوان، أو أن تُصدر تشريعاً خاصاً بإعادة توحيد البلاد (أي ضم تايوان)، ترسل من خلاله بكين طائراتها وأساطيلها إلى ما تعتبره تايوان أجواءها ومياهها الإقليمية، وبالتالي إنهاء حالة “وقف إطلاق النار الضمنية”، بحسب تقرير لصحيفة Global Times الصينية.
الأمريكيون، من جانبهم، يعتبرون أن التدريبات العسكرية الصينية والحصار لتايوان يعتبر “عملاً استفزازياً غير مسبوق”، وقال كارل شوستر، المسؤول السابق في البنتاغون، لشبكة CNN، إن الصين اتخذت “خطوة لم تقدم عليها من قبل قط، بوضع قواتها داخل الأجواء والمياه التايوانية بتلك الصورة”.
هل تتدخل أمريكا عسكرياً للدفاع عن تايوان؟
في ظل تلك الأجواء الملتهبة يصبح السؤال منطقياً، فالصين ستنشر قواتها العسكرية عملياً في مضيق تايوان وحول الجزيرة من جميع الجهات، في رسالة واضحة، وهي أنه لا توجد دولة اسمها تايوان، وبالتالي لا توجد لها مياه أو أجواء إقليمية، فهل ستتدخل واشنطن عسكرياً إذا ما اشتبكت القوات التايوانية مع الجيش الصيني واندلعت الحرب؟
بيلوسي، لدى وصولها مع وفد من الكونغرس، وصفت الزيارة بأنها تُظهر التزام الولايات المتحدة الراسخ بالديمقراطية في تايوان، وقالت لرئيسة تايوان تساي إينج-وين: “وفدنا جاء إلى تايوان ليوضح بشكل لا لبس فيه أننا لن نتخلى عن تايوان، الآن، أكثر من أي وقت مضى، تضامن أمريكا مع تايوان أمر بالغ الأهمية، وهذه هي الرسالة التي نحملها هنا اليوم”، بحسب رويترز.
وفي كلمتها أمام البرلمان في تايوان، قالت بيلوسي إن التشريع الأمريكي الجديد الذي يهدف إلى تعزيز صناعة الرقائق الأمريكية لتكون قادرة على منافسة الصين “يوفر فرصة أكبر للتعاون الاقتصادي بين الولايات المتحدة وتايوان”.
وقالت وزارة الخارجية الصينية إن زيارة بيلوسي تلحق ضرراً كبيراً بالسلام والاستقرار في مضيق تايوان “ولها تأثير جسيم على الأسس السياسية للعلاقات الصينية الأمريكية، وتنتهك بشكل خطير سيادة الصين وسلامة أراضيها”.
وعلى الجانب الآخر، قال المتحدث باسم الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي، بعد وصول بيلوسي، إن الولايات المتحدة “لن تخيفها” تهديدات الصين أو خطابها العدواني، وإنه لا يوجد سبب يجعل زيارتها تتسبب في أزمة أو صراع. وقال كيربي إن تأثير الزيارة على العلاقات الأمريكية الصينية سيعتمد على تصرفات بكين في الأيام والأسابيع المقبلة.
أما العامل الأكثر خطورة هنا، بحسب محللين من الجانبين، فهو متعلق بالأوضاع الداخلية في الصين وفي الولايات المتحدة. فالرئيس الصيني، شي جين بينغ، يسعى خلال المؤتمر القادم للحزب الشيوعي، إلى الحصول على فترة رئاسية ثالثة ستجعله يبقى في الحكم مدى الحياة، ويكتسب شي شرعيته من إحياء القومية الصينية وتحدي الهيمنة الأمريكية، وبالتالي فإن أي تراجع لن يكون في صالحه، خصوصاً أن الأزمات الداخلية تؤثر على النمو الاقتصادي، وقد يؤدي أي اهتزاز لصورة “الزعيم القوي” إلى توترات داخلية.
ولا تختلف الأمور كثيراً بالنسبة لجو بايدن، فانتخابات التجديد النصفي، في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، قد تشهد فقدان الديمقراطيين أغلبيتهم الهشة في الكونغرس، ومن ثم يصبح بايدن “بطة عرجاء” خلال العامين المتبقيين في فترة رئاسته الأولى، التي قد تصبح الوحيدة ما لم تتحسن شعبيته قبيل تلك الانتخابات، وبالتالي فإن إظهار التحدي للصين قد يمثل ورقة سياسية في أيدي الديمقراطيين، وهذا ما يفسر ولو جزئياً زيارة بيلوسي من الأساس، بحسب محللين.
الخلاصة هنا هي أن بيلوسي وبايدن يقولان إن أمريكا ستدعم تايوان عسكرياً، والصين تستعد لتدريبات عسكرية تفرض حصاراً فعلياً على تايوان، لكن لا أحد يمكنه الجزم بما إذا كانت الصين ستهاجم تايوان فعلياً أو إذا ما كان الجيش الأمريكي سيتدخل بشكل مباشر للدفاع عن تايوان، لكن المؤكد هو أن برميل البارود يوشك على الانفجار.