يحاول الكيان الصهيوني بشتى الطرق أن يواصل الدفع بعجلة التطبيع مع الدول ذات الأهمية الاستراتيجية والدينية، سعيًا لتوسيع نفوذه إقليميًا، وطمس صورة العدو المحتل في عيون الأمتين العربية والإسلامية من خلال ما أسماه بـ”اتفاقات إبراهام”.
وبعد النجاح في تطبيع العلاقات مع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان وقبلهم مصر، يناوش قادة الاحتلال من أجل إعلان التطبيع رسميًا مع السعودية، بعد تصاعد التعاون السعودي الإسرائيلي وتقارب وجهات النظر والعلاقات الثنائية بين الطرفين، لدرجة أنه بات بإمكان حاخامات اليهود التجول في الأماكن المقدسة المحرمة عليهم مسبقًا، بل والتباهي من داخلها بأنهم وصولوا أخيرًا إلى عمق المقدسات الإسلامية.
ومع هذه الرغبة الجامحة للكيان في استقطاب الدول الكبيرة، تبرز اندونيسيا كواحدة من أهم الدول الإسلامية التي يطمع الاحتلال في التطبيع معها، مهما كانت التعقيدات واستمرار الرفض الشعبي في البلد الذي يعد أكبر دول العالم الإسلامي، والذي يمتاز شعبه بمساندة القضية الفلسطينية، التي يرونها حق تاريخي وجغرافي للفلسطينيين لا يمكن التنازل عنه، مهما ارتدى الكيان “أقنعة الود” أو ابدى حسن النوايا.
تذمر إسرائيلي من الإمارات
الاتجاه الإسرائيلي نحو إندونيسيا يؤكد أن نهم الكيان بالتطبيع مع بعض الدول لم يصل ذروته، خاصة وأن الإسرائيليين عبروا عن عدم رضاهم بما تحقق من التطبيع مع الإمارات، وأنهم ينتظرون انتقال كل الأموال التي تمتلكها أبو ظبي إلى الخزينة الإسرائيلية دون أي إجراءات روتين بروتوكولية.
ولأن كواليس التطبيع أو ما ظهر على العلن، لن يخفى على أبو ظبي الشريك الأول للكيان في الشرق الأوسط الذين يعرفون أن الدفع بمثل هذه الأخبار هو تذكير بما يجب أن تقوم به الإمارات نحوهم، فإن أنظار الإسرائيليين تتوجه بقوة نحو القوة الاقتصادية الصاعدة جنوب شرق آسيا إندونيسيا، فإن أمريكا ومن أمامها “إسرائيل” يسعيان أن ينضم هذا البلد إلى قطار التطبيع، في ظل دراسات تفيد بأن إندونيسيا ستصل إلى المركز السادس في ترتيب القوة الاقتصادية العالمية بعد ست سنوات من الآن، وبالتالي فإن إنجاز التطبيع مع بلد خام مليء بالموارد يمثل أحد بدائل أمريكا في التعامل معه، وهو ما يمكن أن نلمسه من خلال الاحتياج الأمريكي للطاقة والغذاء، لتغطية ما سيسفر عن عجز عالمي في ظل الأحداث الروسية الأوكرانية.
أما الوجه الآخر الذي يبحث عنه الصهاينة بتحقيق التطبيع مع إندونيسيا، فهو إضعاف موقفها من القضية الفلسطينية، على الأقل بالتزام الحياد تجاه القضية، كون جاكرتا من أهم مناصري الشعب الفلسطيني، والمؤيدين له.
ففي تصريح للمتحدث باسم وزارة الدفاع الإندونيسية لـ “الجزيرة نت” في 23 نوفمبر 2021م، قال ” بأن موقفهم في القضية الفلسطينية ثابت، مؤكدًا دعم إندونيسيا الكاملة للشعب الفلسطيني ونضاله”.
وكان وزير الإعلام الإندونيسي السابق تيفاتول سيمبيرينغ قد حذر من التطبيع مع الكيان الصهيوني بقوله “احذروا من أن تُخدعوا، لأن التطبيع مع إسرائيل معناه الاعتراف بدولة إسرائيل، والاعتراف بالاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وقبول الاحتلال مخالف لمقدمة دستور إندونيسيا لعام 1945″، مستندًا بتصريحه على عبارة وردت في الدستور الإندونيسي وهي أول جملة في الدستور تقول بأن الاستقلال حق لكل شعب، ولهذا يجب أن يزال كل استعمار من على وجه الأرض.
وكان سفير الاحتلال الإسرائيلي في سنغافورة “ساغي كارني” قد حاول دغدغة مشاعر الإندونسيين في يونيو 2021م، بتصريح لوكالة “رويترز” قال فيه إن (إسرائيل) مستعدة للتحدث ومستعدة للاجتماع وفتح الأبواب أمام الدول ذات الأغلبية المسلمة في جنوب شرق آسيا، ومن بينها إندونيسيا؛ ليأتيه رد فوري من مجلس العلماء الإندونيسي بالقول إنه لا فائدة من استئناف العلاقات الدبلوماسية مع “إسرائيل” فهي متعودة على الخيانة”.
رفض قاطع.. إصرار إسرائيلي
مع موجة الرفض التي يتلقاها الاحتلال الإسرائيلي، إلا أنه يتمتع بإصرار قوي على تحقيق مخططاته، مؤخرًا زارت بعثة إسرائيلية تضم مستثمرين وخبراء تكنولوجيين ومسؤولين تجاريين من الكيان، الشهر الماضي إندونيسيا، والتي لا يوجد بينها وبين الاحتلال الإسرائيلي علاقات دبلوماسية.
تأتي هذه الخطوة، بهدف استدراج أندونيسيا للتطبيع عن طريق الاقتصاد، استكمالا لتوجهات الكيان بالتطبيع مع عدد من الدول الإسلامية.
وكانت مواقع تابعة للكيان الصهيوني قد أكدت أن وزير الخارجية الأمريكي بلينكن حاول خلال زيارته إلى جاكرتا في ديسمبر الماضي دفع إندونيسيا للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، أسوة بدول عربية، إلا أن جاكرتا رفضت ذلك.
يبقى السؤال الأهم: ما مصير المحاولات الإسرائيلية في التطبيع مع إندونيسيا وسط الرفض القاطع لشعب هو الأكثر تعدادًا للمسلمين؟.