الخليج.. وكالة الصحافة اليمنية..
يشتهر «ماسايوشي سون»، الذي يبلغ صافي ثروته 21.5 مليار دولار، بأنه أغنى شخص في اليابان، كما أنه أحد أشهر وأعرق الباعة في العالم.
وفي سبتمبر/أيلول عام 2016، التقى «سون» ولي ولي العهد السعودي – آنذاك – «محمد بن سلمان»، وبحلول نهاية الاجتماع الذي استغرق 45 دقيقة، كان «بن سلمان»، قد خصص 45 مليار دولار من صندوق الاستثمار العام في المملكة العربية السعودية لصندوق «رؤية سون»، ويصل هذا إلى ما يقرب من نصف قيمة ما أصبح أكبر صندوق استثماري شهده العالم على الإطلاق.
وبعد عام واحد، سأل الصحفي في «بلومبرغ»، «ديفيد روبنشتاين»، «سون» كيف حصل على المال من «بن سلمان» في ساعة واحدة؟ وكانت الإجابة” «لا، هذا ليس صحيحًا، لقد حصلت على 45 مليار دولار في غضون 45 دقيقة، أي مليار دولار في الدقيقة».
وعندما سأل «روبنشتاين» كيف أنجز «سون» هذا العمل الرائع والأكثر استثنائية في تاريخ المبيعات المالية؟ أجاب أنه أخبر «بن سلمان»: «سأقدم لك هدية، هدية من ماسا، هدية بقيمة تريليون دولار، حسنا، الأمر مثير للاهتمام الآن، فأنت تستثمر 100 مليار دولار، وأعطيك 1 تريليون دولار».
وفي لحظة من الحذر غير المعهود، استقر «بن سلمان» على 45 مليار دولار كاستثمار أولي في صندوق «سون».
وعندما يتعلق الأمر بولي العهد السعودي، لا يمكن النظر للأموال بشكل جدي بشكل كبير، فهو غير حريص على كيفية إنفاق المال، فبعد كل شيء، لقد أنفق 500 مليون دولار على يخت، و300 مليون دولار على قصر في فرنسا، و450 مليون دولار على لوحة قدمها بعد ذلك إلى صديقه ومرشده «محمد بن زايد»، ولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة.
لكن 45 مليار دولار في 45 دقيقة؟ هذا مذهل حقا، فهل طلب «بن سلمان» أي نصيحة اقتصادية حول صندوق «سون»؟ وهل قام بأي تدقيق واجب؟ ربما لا. وبدلا من ذلك، استقطب شريحة كبيرة جدا من الاقتصاد السعودي إلى سيارة تسمى «سينغولاريتي»، بمعنى التفرد، وإلى أكبر بائع في العالم لهذه السيارة، «ماسا سون».
و«سينغولاريتي» تمثل لدى ولي العهد النقطة التي يتجاوز فيها الذكاء الاصطناعي الذكاء البشري.
ويعتقد «سون» أن تلك اللحظة هي لن تتأخر عن عقدين من الزمن، وهو يراهن على ثروة كبيرة هو ومستثمروه، وأكبرهم المملكة العربية السعودية، على مستقبل حيث تقوم الروبوتات بأعداد هائلة من الوظائف التي يقوم بها البشر، وهو لا يتحدث فقط عن وظائف الخدمات، إنه يتحدث عن الأطباء والمحامين والمهندسين.
وفي مبادرة الاستثمار المستقبلي التي عقدت في الرياض في أواخر أكتوبر/تشرين الأول عام 2017، تم منح «سون» المسرح المثالي لعرض رغبته، وجادل بأن الذكاء الاصطناعي سيكون أعظم أداة في تاريخ البشرية، والتي من شأنها أن «تعيد تعريف كل صناعة»، ولقد تلاعب بجمهوره بكل سهولة بينما كان يستعرض مجموعة من الأعداد المبهرة.
وبعد تذكيرهم بأن «آينشتاين» كان لديه معدل ذكاء يقاس من 200 درجة، تحدث عن مستقبل حيث يقاس الذكاء الاصطناعي بقياس معدل الذكاء إلى 10 آلاف، ولقد تحدث عن عالم يعيش فيه البشر مع 10 مليارات إنسان آلي يتمتعون بـ«ذكاء خارق».
وفي الوقت الحالي، «سون» هو المستفيد الأكبر، فهو يملك أكبر مصنع للروبوتات في العالم، والذي يبيع الجزء الأكبر منه إلى الصين.
وأخبر «سون» جمهوره أن شركة تصنيع الرقاقات «إيه آر إم»، التي اشتراها بمبلغ 32 مليار دولار عام 2016، والتي هي جزء من إمبراطوريته في «سوفت بنك القابضة»، سوف تتحكم في 99% من السوق العالمية.
وادعى أن «صندوق رؤية» قد أظهر عائدا قدره 22% على الاستثمار في غضون بضعة أشهر، وتحدث عن سجل عوائد بلغت نسبته 44% من مشاريعه الاستثمارية المختلفة.
وعندما تحدث عن «بن سلمان»، لم يذكر نكتة الحصول على نحو مليار دولار في الدقيقة، فليس هذا الأمر الملائم مع مثل هذا الجمهور، وبدلا من ذلك، أشاد بولي العهد كونه صاحب رؤية: «لقد كان لديه بالفعل الفهم والرؤية التي سمحت بتلاقي عقلينا في 45 دقيقة، وهكذا تخلق الصداقة والشراكة وارتباط العقول».
وبالضبط هذا النوع من الثناء هو ما أراد أن يسمعه «بن سلمان»، لكن بصراحة، من السهل أن تتدفق كلمات الثناء في الواقع عندما تكون قد سرقت لتوك 45 مليار دولار.
وعندما لم يكن يتحدث عن العائدات الهائلة التي تنتظر المستثمرين، ذكر «سون» أن «المال ليس مهما، المهم هو سعادة البشرية، والعصر القادم من التفرد لديه القدرة على جلب السعادة للجميع؛ حيث 8 مليارات إنسان يتقاسمون الكوكب مع 10 مليارات إنسان يملكون ذكاء يتجاوز فهمنا، ولا أعتقد أنهم سوف يهاجموننا، بل سنصبح أصدقاء نعيش في انسجام».
لذا، يمكن أن نشعر بالارتياح عندما نعلم أن بائع «التفرد» الأول قد أكد لنا أننا لن نحتاج إلى الحرب مع الروبوتات التي يصنعها، والحمد لله على ذلك.
لكن الأقل طمأنة هو التفكير في أن الحاكم الفعلي المتسلط للسعودية قد ألقى بالكثير من ثروات بلاده ومستقبلها في يد «سون».
ويشير بعض المنتقدين إلى حقيقة أن «سون» كان قد فقد حظه بأكمله في فقاعة الدوت كوم عام 2000، لكن لا داعي للقلق، كما يقول المؤيدون، و«سون» نفسه، فانظروا أين هو اليوم، نتيجة لاستثماراته العبقرية في الذكاء الاصطناعي وقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
ومع ذلك، فإن المفكر البارز والباحث اللغوي والعلمي «نعوم تشومسكي» يشكك بشدة في مشروع «سينغولاريتي»، وقد أطلق عليه «الجهد المبذول لبرامج الآلات للتقريب مع جوانب معينة من السلوك البشري».
وأضاف «تشومسكي» أن 60 عاما من البحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي «لم تعط في واقع الأمر أي فكرة عن طبيعة الفكرة وتنظيم العمل»، فالدماغ مكان معقد مع 10 مليارات خلية عصبية، ويجادل أن «هذا كثير من الخلايا العصبية، وفي محاولة للتقريب بين طبيعة الذكاء الاصطناعي والخيار البشري هي مشكلة خارج حدود العلم المعاصر».
ولا تهم مثل هذه الاعتراضات «بن سلمان»، ولقد اشترى حلم «سون» تماما، حتى إنه قدم له الحاضنة في مدينة «نيوم» المستقبلية التي تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار، وهي مكان سيعمل كما يقال بواسطة الذكاء الاصطناعي، ولا عجب أن يسير «سون» دائما مع ابتسامة على وجهه.
ولكن في العالم الحقيقي للسعودية، لا يزال هناك نقص في المساكن المتوفرة بأسعار معقولة، مع احتياجات منتظرة لما يصل إلى أكثر من مليون شخص، وهناك مشكلة خلق وظائف ذات مغزى لسكان المملكة الذين ينمون بسرعة، والتمكين الفعال للقطاع الخاص.
ولدى «رؤية 2030»، وهي إعادة الهيكلة الطموحة من «بن سلمان» للمجتمع والاقتصاد السعودي، طريق طويل قبل أن تقترب من تحقيق أهدافها السامية، وفي هذه الأثناء، فإن الخطر هو أن السعي وراء «التفرد» سوف يأتي بتكلفة على حساب اعتبارات أكثر عملية وأهمية.
وفي الوقت الحالي، تطرب الأغنية التي يغنيها «ماسا سون» أذني ولي العهد الصغير، لكن في النهاية، قد يثبت أنها ليست سوى القليل من لحن مغرٍ يقوده وبلاده إلى مياه عميقة وخطيرة.