الخليج..وكالة الصحافة اليمنية..
يتبنى رئيس الوزراء الماليزي المنتخب حديثا «مهاتير محمد» سياسات قد تعيد تشكيل علاقات الدولة الجنوب شرق آسيوية مع دول الخليج القوية.
وجاءت سلسلة من إجراءات مكافحة الفساد التي اتخذها، بالإضافة إلى تصريحات السيد «مهاتير» ووزير دفاعه «محمد سابو»، منذ انتخابات مايو/آيار التي أطاحت برئيس الوزراء «نجيب رزاق» من منصبه، لتثير القلق في كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
وقد قرر «مهاتير»، الذي حذر في الأعوام الأخيرة من الطائفية المناهضة للشيعة في ماليزيا، مع «سابو»، مراجعة ملف تعاون ماليزيا مع السعودية لمكافحة الإرهاب.
كما أعاد «مهاتير» تنشيط التحقيقات الخاصة بمكافحة الفساد مع «رزاق»، الذي وصفته وسائل الإعلام القطرية بأنه «مدعوم من السعودية».
ويشتبه في أن «رزاق» قد استنزف مليارات الدولارات من صندوق التنمية الإستراتيجية المملوك للدولة، ويجري التحقيق بشأن الصندوق وكذلك الكيانات السعودية والإماراتية التي يُزعم أنها مرتبطة بهذه القضية في 6 بلدان على الأقل، بما في ذلك الولايات المتحدة وسويسرا وسنغافورة.
وقد أساء «عبدالخالق عبدالله»، المحلل الذي يعتقد أن التغييرات المحتملة ستسبب تغيرات في العلاقات، والذي يُنظر إلى آرائه في الغالب على أنها تعكس تفكير حكومة، إلى «مهاتير» والتصويت الماليزي، بعد أيام من إعلان النتائج.
وركز «عبدالله» على عمر السيد «مهاتير»، الذي يبلغ الـ92، ويعد أكبر زعيم منتخب في العالم سنا.
وسارع «عبدالله» لذكر حقيقة أن «مهاتير» كان هو من عين «رزاق»، قبل أن يتحول إلى المعارضة ويقيم تحالفا مع «أنور إبراهيم»، نائب رئيس الوزراء السابق في حكومة «مهاتير»، وهو إسلامي يُعتقد أنه قريب من جماعة «الإخوان المسلمون»، ومكث طويلا خلف القضبان.
ويُعرف ولي عهد الإمارات «محمد بن زايد» بمعارضته الشديدة للإسلام السياسي، بما في ذلك جماعة «الإخوان المسلمون».
تغير المواقف
وقد أشار المسؤولون الماليزيون إلى تغيير المواقف تجاه الخليج، وقد قال «محمد شكري عبدول»، النائب المعين حديثا لمكافحة الفساد، الذي استقال من لجنة مكافحة الفساد الماليزية عام 2016 نتيجة للضغوط لإسقاط خطط لإدانة السيد «رزاق»: «لقد واجهنا صعوبات في التعامل مع دول عربية مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة».
ومن المرجح أن تتكرر هذه الصعوبات.
وقد أشار السيد «سابو»، وزير الدفاع الجديد، في تعليق في أواخر العام الماضي، إلى أن الغضب السعودي والإماراتي كان موجها «بغرابة تجاه تركيا وقطر وإيران… وهي 3 بلدان قامت ببعض الإصلاحات السياسية والاقتصادية، وبدلا من تشجيع جميع الأطراف على العمل معا، فإن السعودية قد شنت هجوما على اليمن أيضا، وهذا خطر على ماليزيا؛ فإذا كانت ماليزيا قريبة جدا من السعودية، فسوف يُطلب منها الانحياز لأحد الأطراف».
وتابع السيد «سابو» قائلا: «يجب ألا تكون ماليزيا قريبة جدا من بلد تتعرض سياسته الداخلية إلى الاضطراب… وبسبب الافتقار إلى الكلمة الفصل، فإن السعودية عبارة عن بركة من التنافس المستمر بين الأمراء، ومن خلال هذا، تصبح أيضا دوامة يمكنها أن تجذب أي دولة في ثقبها الأسود، إذا لم يكن المرء حذرا. وبالفعل، تحكم السعودية أيديولوجيات سلفية متطرفة أو وهابية، حيث يتم تفسير الإسلام بشكل حرفي، ومع ذلك، يتطلب الإسلام الحقيقي فهم الإسلام، وليس فقط في الحرف القرآني، ولكن فهم روح النص».
ومنذ توليه منصبه، قال السيد «سابو» إنه كان يراجع خطط مركز مكافحة الإرهاب الذي تموله السعودية، وهو مركز الملك سلمان للسلام الدولي، الذي خصصت حكومة «رزاق» لأجله 16 هكتارا من الأراضي في «بوتراجايا».
وتأجل افتتاح المركز مرتين، لأن ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان» ألغى حضورا مخططا له، وقال مسؤولون ماليزيون إن المملكة لم تساهم بعد بالأموال الموعودة للمركز.
وحذر «شاريمان لوكمان»، المحلل بمعهد الدراسات الاستراتيجية والدولية ومقره كوالالمبور، من أن ماليزيا عليها أن تجري هذه المناورة بحذر.
وقال السيد «لوكمان» إن إدارة المملكة للحج تجعل من الضروري بالنسبة للدول ذات الأغلبية المسلمة أن تتوافق معها، وعدم إغفال أنها لاعب رئيسي في العالم الإسلامي والشرق الأوسط.
نسخة جديدة من الإسلام
وجاء انتخاب السيد «مهاتير» ليثير الآمال في أنه سينقل ماليزيا بعيدا عن احتضان «رزاق» للإسلام المتطرف المستوحى من السعودية كأداة سياسية، وعلى الرغم من تاريخ رئيس الوزراء الجديد من التحيز ضد اليهود والسجل السابق المناهض للشيعة، من المرجح أن يعزز وجوده قلق السعودية والإمارات من أن تقود تحركاته إلى التقارب مع إيران.
وقد تغيرت تصريحات السيد «مهاتير» من مناهضة الشيعة إلى تجنب الطائفية ودعوة المسلمين السنة في ماليزيا إلى قبول الأقلية الشيعية الصغيرة في البلاد كطريقة لتجنب الصراع الداخلي.
وما يثير قلق السعوديين أكثر من غيره هو حقيقة أن «مهاتير» قال إن قبول الشيعة كمسلمين أمر ضروري بسبب نمو الجالية الإيرانية في ماليزيا.
ويقول المحللون إن الوجود الإيراني قد أثار وعيا أكبر بالشيعة ولفت الانتباه إلى سياسات «رزاق» المثيرة للانقسام.
قضية الفساد
وتكمن المخاوف السعودية والإماراتية بشأن تحقيقات مكافحة الفساد في الآثار المترتبة على فضيحة تورط شركة تجارية سعودية، وأعضاء من الأسرة الحاكمة السعودية، ومسؤولين وكيانات مملوكة للدولة في الإمارات.
ومن المرجح أن يفتح التحقيق علاقة صندوق ماليزيا للاستثمار مع شركة الطاقة السعودية «بترو سعودي إنترناشيونال المحدودة»، التي يملكها رجل الأعمال السعودي «طارق عصام أحمد عبيد»، بالإضافة إلى أعضاء بارزين في الأسرة الحاكمة في المملكة، الذين يُزعم أنهم مولوا السيد «رزاق».
كما أن بنك «فالكون»، ومقره دولة الإمارات، مرتبط بالفضيحة، في حين وثقت رسائل البريد الإلكتروني المسربة علاقة وثيقة بين «يوسف العتيبة»، السفير الإماراتي البارز في الولايات المتحدة والمقرب من الأمير «محمد بن زايد»، والرجل الماليزي المثير للجدل «جوو لو»، خريج جامعة وارتون البالغ من العمر 27 عاما، والذي ساعد السيد «رزاق» في إدارة الصندوق.
وكانت صحيفة «وول ستريت جورنال» قد ذكرت العام الماضي أن وثائق من المحكمة الأمريكية أفادت بأن الشركات المرتبطة بـ«العتيبة» تلقت 66 مليون دولار من كيانات يقول المحققون إنها تصرفت كقنوات لأموال زعموا أنها سرقت من الصندوق الماليزي.
وامتنعت سفارة الإمارات في واشنطن عن التعليق في ذلك الوقت، لكنها أقرت بأن «العتيبة» لديه مصالح تجارية خاصة لا علاقة لها بدوره الدبلوماسي، ووصفت السفارة تسريبات رسائل البريد الإلكتروني أنها جزء من محاولة لتشويه سمعة الإمارات.
وقد ورد أن «خلدون المبارك»، أحد مستشاري الحكومة في أبوظبي، والذي تورط في الفضيحة، تم اعتقاله في عام 2016 دون توجيه تهم إليه، وتم احتجازه في السجن منذ ذلك الحين.
وتشير بيانات البنك والمستندات المالية التي استعرضتها صحيفة «وول ستريت جورنال» إلى أن «المبارك» قام بتسهيل شراء نائب رئيس الوزراء الإماراتي الشيخ «منصور بن زايد آل نهيان» يختا بقيمة 500 مليون دولار، بأموال مسروقة من صندوق الاستثمار الماليزي.
وقال مدير مركز الحوار الإنساني «مايكل فاتيكيوتس»: «سيتردد تأثير هذه الانتخابات إلى أبعد من حدود ماليزيا».
وكان «فاتيكيوتس» ينظر في المقام الأول إلى تداعيات فوز السيد «مهاتير» على جنوب شرق آسيا والصين، ومع ذلك، فإن تحليله يسري كذلك على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، حيث قد تكون العواقب محرجة للغاية.