منذ أن قررت السعودية بالاتفاق مع “أوبك” خفض إنتاج النفط، في الـ5 من أكتوبر الماضي، أظهرت الإدارة الأمريكية والكونغرس تشنجًا في مواقفهم تجاه المملكة، حيث أثار هذا القرار غضب الرئيس الأمريكي بايدن، الذي زار السعودية في الـ15 من يوليو الماضي، والتقى ولي العهد محمد بن سلمان، وكان ” النفط” ضمن القضايا التي تم طرحها على الطاولة.
الغضب الأمريكي، كان سببه الرئيسي أن اتخاذ قرار تخفيض انتاج النفط، يصب في مصلحة روسيا، التي فرض عليها الغرب عقوبات اقتصادية كبيرة، كان أهمها الاستغناء عن نفطها، والاعتماد على الشرق الأوسط بما فيهم الحليف الأمريكي “الرياض”، ودول مثل فنزويلا.
متحدث الأمن القومي جون كيربي أكد في تصريح صحفي، أن السعودية هي من دفعت دول أوبك لاتخاذ القرار، مضيفا أن خفض الإنتاج “سيزيد عوائد روسيا ويحد من فاعلية العقوبات” المفروضة على موسكو بعد العملية الخاصة في أوكرانيا التي بدأت في فبراير الماضي.
تصاعدت حدة التصريحات بين واشنطن والرياض، وشرع عدد من أعضاء الكونغرس في صياغة قرارات مناهضة للسعودية، بل وذهب بعضهم إلى المطالبة بسحب الأسلحة الأمريكية من السعوديين، وإيقاف مبيعاتها ردًا على القرار السعودي، بالإضافة إلى المطالبة باستئناف فتح ملف الصحفي جمال خاشقجي الذي تم قتله وتقطيعه بأوامر من محمد بن سلمان.
خبراء أمريكيين في السعودية
ووسط المناورات السعودية ومحاولة استرضاء أمريكا، كان السؤال الذي يطرح نفسه هل من الممكن أن تتخلى واشنطن عن مصالحها مع السعودية، خاصة وأن السعودية تعتبر المستورد الأول والأكبر لصفقات الأسلحة الأمريكية، وإذا ما وجدنا أن الإجابة لن تكون بالطبع “نعم” كون الرياض قد تتجه إلى شراء الأسلحة الصينية والروسية، وهو ما لن تسمح به واشنطن، فإن سؤالًا أخر يفرض نفسه بقوة وهو كيف يمكن لولي العهد السعودي محمد بن سلمان أن ينشق على واشنطن، وهو الذي لا يتحرك إلا عبر مستشارين وخبراء أمريكيين على مستوى رفيع يدفع لهم الملايين؟
في 20 أكتوبر الماضي، كشفت وثائق أمريكية أن 15 جنرالًا أمريكيًا عملوا بشكل مباشر مع وزارة الدفاع السعودية وحصلوا على رواتب كبيرة تتراوح بين 200-300 ألف دولار من أجل تقديم المشورة فقط، بحسب صحيفة “واشنطن بوست” و أشارت الصحيفة إلى وجود أكثر من 500 من العسكريين الأمريكيين بما في ذلك العشرات من الجنرالات والأدميرالات عملوا بوظائف مربحة منذ عام 2015 لدى السعودية والإمارات.
بحسب متابعين لمستجدات العلاقات الأمريكية السعودية، يرى خبراء عسكريين أن السعودية لا يمكنها الاستغناء عن أمريكا، فاتجاهها إلى الصين وروسيا يستغرق عشرات السنوات للتكيف على الأسلحة الجديدة، بما فيها المقاتلات الحربية، وهو الأمر الذي سيضر بالمملكة كثيرًا؛ كونها لا تزال في حالة حرب على اليمن، وبدون الدعم الاستراتيجي واللوجستي الذي تقدمه واشنطن للرياض فإن الانهيار التاريخي والخسارة المطلقة هما أبرز عواقب التمرد السعودي.
وبما أنه لا يمكن للرياض التخلي عن الحليف الأول “أمريكا” فإن الأحداث المتسارعة عقب ما تم تداوله على أنه خلاف كبير، قد يؤدي إلى قطع العلاقات ومعاقبة السعودية عبر خيارات بايدن، نجد أن الطرفان فعليًا يمسكان العصا من المنتصف، وأن التعاون العسكري والتجاري يتواصل، ولم نشهد منذ قرابة شهر أي تحول في الموقف الأمريكي تجاه بن سلمان والمملكة.
تعهد أمريكي بحماية السعودية
اليوم الأربعاء، أكّد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، أنّ بلاده “لن تتردد في الدفاع عن مصالحها وشركائها في منطقة الشرق الأوسط”، ويقصد السعودية تحديدًا.
وقال برايس، في مؤتمر صحافي، إنّ بلاده “على اتصال دائم من خلال القنوات العسكرية والدبلوماسية والاستخبارية مع السعوديين”.
وكان وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان قد أكد في لقاء مع قناة ” العربية” أن الولايات المتحدة ما زالت الشريك الامني والاستراتيجي الاكبر للمملكة، وقال إن السعوديين حريصون على استمرار هذه العلاقة، مضيفا انه عندما يجري السياسيون الامريكيون تقييما للعلاقة بشكل اجمالي فهم سيدركون اهميتها والفوائد التي تحققها وسيستمرون في التعاون مع السعودية التي هي “حريصة على هذا التعاون”.
مناورة جوية بمشاركة أمريكية
وتأكيدًا على “رومانسية” الخلاف، أعلنت السعودية أمس الثلاثاء، عن انطلاق مناورة جوية تستضيفها الإمارات في “قاعدة الظفرة” بمشاركة 10 دول من بينها أمريكا، حيث شهد الاثنين الماضي تدشين المناورات بتمرين “مركز الحرب الجوي والدفاع الصاروخي”.