في عالم القطب الواحد، لا تتردد الولايات المتحدة في محاولة جر الجميع إلى تبني وجهات نظر أمريكية والضغط على كل دولة قابلة للانصياع.
وتمثل المملكة العربية السعودية، نموذجاً واضحاً للهيمنة الأمريكية على الدول التي تفتقر للسيادة واستقلال القرار.
لم تكن السعودية تمتلك أي رؤية لحربها على اليمن، أو على الوضع الداخلي للمملكة، وكانت النتيجة انهيار الاستراتيجية الحربية للسعودية في أشهرها الأولى من الحرب على اليمن، قبل أن تشهد المزيد من الإخفاق لاحقاً.
ويظهر جلياً من خلال مراجعة سريعة للأحداث، أن الأمريكيين لم يكونوا ناصحين مخلصين لحليفتهم السعودية، حيث سمح الأمريكيين للسعوديين بإعلان الحرب على اليمن من داخل واشنطن في 26 مارس 2015. دون أن تقدم واشنطن أي نصائح للسعودية بخصوص مخاطر الحرب على دولة من جيرانها والتبعات المكلفة لهذا النوع من الحروب.
كان السعوديون يعتقدون أن الدعم الأمريكي كفيل بتحقيق النصر، و كانت الخبرة السياسية والعسكرية السعودية تعتقد أن استخدام النفوذ الأمريكي يمثل تعويذة كافية لجلب الانتصار وتحقيق الأهداف.
راهنت السعودية على دعم واشنطن، بينما كانت الأخيرة تخطط للاستفادة من الحرب دون إعطاء أي اعتبار للمخاطر التي ستتعرض لها المملكة جراء الحرب، وعمل الأمريكيون بخبث على إبقاء الضمادة حول عيني “البقرة الحلوب”، بحيث لا تدرك البقرة إلى اين يتم اقتيادها. لكن واشنطن لم تبخل على السعوديين بكل ما يضمن بقاء الرياض قادرة على مواصلة الحرب للعام الثامن على التوالي، ليس حباً بالسعوديين، ولكن لضمان المضي في تنفيذ الأجندة الأمريكية للسيطرة على باب المندب، وجزر اليمن في البحر الأحمر والبحر العربي، بهدف خنق توسع الإمبراطورية التجارية للصين، التي تكاد تطيح بهيمنة الولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي.
ويبدو أن النتائج المخيبة التي حصدتها السعودية من حرب اليمن، هي في الحقيقة محصلة طبيعية للتصورات السعودية الساذجة عن الحرب والسياسة.
حيث أصبحت الرياض اليوم تخوض الحرب على جبهات لم تكن في الحسبان، تحول خلالها الشريك الأقرب في التحالف ممثلاً في الإمارات، إلى خصم لا يبدي أي تعاطف تجاه الانتكاسات التي تعرض لها التحالف، بينما أصبحت الأجندات الانفرادية لأبو ظبي وجماعة الإخوان في اليمن، تمثل عباء يثقل كاهل السعودية، بعد أن أصبحت الرياض هي الطرف الوحيد الذي يدفع ثمن مجازفات الحرب على اليمن، خصوصا أن سنوات الحرب، جعلت المملكة تبدو أشبه بالطرف المتطلب لتحالفات من أي نوع حتى وإن كانت على حساب هيبة وكرامة المملكة.
بينما عمدت واشنطن إلى مد يدها إلى خصم الرياض ممثلاً بجماعة الإخوان، من خلال المؤتمر الذي تعد له الولايات المتحدة مع إخوان اليمن، بعد غد في واشنطن، مما أثار حفيظة الرياض، وجعلها تبدو مهمشة بعد أن كان السعوديون يعتقدون أنه لا يمكن تجاوز المملكة تجاه أي قرار يخص اليمن، إلا أن مقتضيات السياسية الأمريكية لا تأبه كثيراً بالحرج الذي قد تتعرض له “الأدوات” خصوصاً في ظل الترتيبات الجديدة التي تجريها واشنطن في محافظة حضرموت، والتي يبدو أن جماعة إخوان اليمن أنسب من يلبي التوجهات الأمريكية، حيث كانت جماعة إخوان اليمن، أول من اطلق دعوة “استقلال حضرموت” خلال الشهرين الماضيين، إلى جانب أن الطموح السعودي بضم محافظة حضرموت لا يتناسب مع التوجهات الأمريكية الساعية إلى فرض ” الشرق الأوسط الجديد” والذي يستهدف تقسيم السعودية نفسها وليس ضم مساحات جديدة للمملكة.
وخلال الأشهر الثلاثة الماضية، أخذ الصحفيون والمتحدثون السعوديون يلقون الحجارة على جميع الجهات، معبرين عن وجهة نظر القصر الغارقة في بحر من التخبط، بعد أن أدركت الرياض أن ثمن إنقاذ المملكة من حرب اليمن يتطلب التخلص من عبء تحالف ثقيل لا يكترث بما تتعرض له السعودية من ضربات وخسائر، ولا يستبعد البعض أن تكون المواقف التي اتخذتها الرياض بقرار تخفيض إنتاج النفط ضد الرغبات الأمريكية جزء من ردود فعل الرياض تجاه الخذلان الذي تعرضت له من قبل بقية الحلفاء، وهو الموقف الذي استوعبته واشنطن دون أن تأخذه على محمل الجد، في إطار السماح للرياض بالتنفيس عن حنقها دون أن يؤثر ذلك على الالتزام السعودي بتنفيذ الاستراتيجيات الأمريكية في المنطقة.