كشفت وثائق بريطانية نُشرت تفاصيلها لأول مرة عن مساعٍ قادها الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج بوش، للبحث عن خليفة محتمل لـ”أبو عمار”، مع تصاعُد انتفاضة الأقصى عام 2001، وفق ما ذكره موقع هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي“.
في تقرير نشره الموقع البريطاني، الثلاثاء 31 يناير 2023، أوضح أن المسعى الأمريكي جاء بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد عام 2000، بين ياسر عرفات وإيهود باراك، رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلية آنذاك، إثر تفاقم الأوضاع في الضفة الغربية وقطاع غزة.
تتناول الوثائق، التي أُفرج عنها أخيراً، المباحثات والاتصالات التي جرت بين بريطانيا والولايات المتحدة، بعد شهور قليلة من دخول بوش وفريقه- الذي سيطر عليه المحافظون الجدد- البيت الأبيض.
ياسر عرفات “لا منفعة منه”
عندما تولى بوش الرئاسة، في شهر ينايرعام 2001، كانت الانتفاضة الفلسطينية الثانية، التي تفجرت بعد اقتحام شارون باحات المسجد الأقصى، يوم 28 سبتمبر 2000، في أوجها. وطالبت إدارة بوش الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات بوقف الانتفاضة تمهيداً لبدء مفاوضات أمنية مع الاحتلال الإسرائيلي.
كما استخدمت واشنطن حق النقض “الفيتو” لإجهاض مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي، يطالب ببحث مقترح بأن تشكل الأمم المتحدة قوة مراقبة لحماية المدنيين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.
بعد إجهاض المشروع، جرت مباحثات هاتفية بين بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير، كان الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة قضية رئيسية فيها.
حسب محضر المباحثات، الذي كتبه جون سويرز، سكرتير بلير الشخصي، أبدى رئيس الوزراء البريطاني “قلقه” على ياسر عرفات. وقال إن ياسر عرفات “وصل إلى أقصى حدود ما يمكنه فعله بشكل بنّاء. وهو يعمل فقط على الاحتفاظ بموقعه”. وأضاف أنه “لم يعد لديه ما يقدمه أكثر مما قدم”، في إشارة إلى أنه قدّم كل التنازلات الممكنة.
بينما أقرّ بوش ما قاله بلير، ثم وصف ياسر عرفات بأنه “ضعيف ولا منفعة منه”. وكشف عن أنه طلب من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية “سي آي أيه” البحث عن خلفاء محتملين للزعيم الفلسطيني، غير أنه قال إن الوكالة “بحثت في المشهد الفلسطيني بدقة، وخلصت إلى أنه ليس هناك خليفة متاح”.
دعم بوش للاحتلال الإسرائيلي خلال الانتفاضة
ولم تُشِر الوثائق إلى موقف بلير من مسعى بوش البحث عن خليفة لعرفات، غير أن التقييم البريطاني العام، آنذاك، هو أن واشنطن تؤيد أفعال الاحتلال الإسرائيلي في التعامل مع الانتفاضة، بما في ذلك استهداف أفراد الدائرة الأمنية المقربة من عرفات.
فقبل 24 ساعة من اتصال بلير وبوش، كتب سويرز تقريراً قال فيه “فريق بوش اتّخذ مواقف متشددة بشأن عملية السلام في الشرق الأوسط، حيث أعطت تعليقات بوش، الليلة السابقة، التي طالب فيها عرفات بوقف العنف فعلياً مباركته لضربات إسرائيل لحرس ياسر عرفات الشخصي”.
مخاوف من سيطرة “متطرفين” على المشهد
بعد كل هذه المباحثات، عرض بلير على الإدارة الأمريكية خطةً بديلة للتعامل مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المتصاعد، تُركّز على “الإدارة”، ما دام قد استعصى الحل، حتى “لا يسيطر المتطرفون من الجانبين” على المشهد.
عرض بلير في لقائه مع بوش تجربته في تسوية المشكلة المستعصية بين الجمهوريين والاتحاديين، في إقليم أيرلندا الشمالية بالمملكة المتحدة. وقال إن “شعاره كان هو: إن لم تستطع حلها (المشكلة)، فعليك أن تُديرها”، وفق محضر اللقاء.
تطبيقاً على المشهد في الأراضي المحتلة ، قال رئيس الوزراء البريطاني إنه “ما لم تكن هناك عملية لتمكين المعتدلين من الجانبين من التواصل، فإن المتطرفين سوف يسيطرون بسرعة”.
مضى بلير في شرح اقتراحه مُحدِّداً الشروط الدُّنيا اللازمة لتطبيقه. وقال “الحد الأدنى لذلك هو: مسؤولية الفلسطينيين هي إعادة إقرار الأمن، ومسؤولية الإسرائيليين هي تحسين الاقتصاد” الفلسطيني. وأضاف “النقطة المحورية هي تجنُّب الإخفاق في تحقيق أي منهما”.
موقف مصر والأردن
حسب “بي بي سي”، رأى رئيس الوزراء البريطاني أن شارون في موقف أقوى. وفسر هذا قائلاً إن “أحد الآمال في الشرق الأوسط يكمن في أن التوقعات العربية من شارون متدنية، لدرجة أنه ليس مضطراً لأن يفعل الكثير لتحقيق تقدم”.
ردّ بوش بأن إدارته “تريد العمل مع مصر والأردن بشأن المشكلات الحالية. وتفكيرها المبدئي هو جمع المسؤولين الأمنيين من الجانبين للحديث معاً؛ ما يؤدي لاحقاً إلى حوار سياسي”.
فيما يتعلق بالمصريين، عبّر بوش عن “أمله في أن يشجعهم على العودة إلى المشاركة بفاعلية” في مساعي تسوية الصراع، أما الأردن فقد وصف بوش مَلِكه الجديد حينها، عبد الله الثاني، بأنه “ضعيف”، وتعهّد بأن “تساعده الولايات المتحدة باتفاق للتجارة الحرة، إن وافق الكونغرس”.
رغم أن بوش عبّر عن “اعتقاده بأن شارون أدرك أهمية تأسيس عملية لإشراك المعتدلين”، فإنه كشف عن تنبؤ إدارته بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي يُخطط لإثارة الفُرقة بين الفلسطينيين.
قال إن “أحد مباعث القلق هو شكّه في أن شارون ربما يحاول (اتباع سياسة) فرِّق تَسُد، عن طريق فصلِ فلسطينيّي غزة عن فلسطينيي الضفة الغربية”، وأكد لبلير أن الولايات المتحدة “تراقب باهتمام”.