قالت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، إن توقف المساعدات السعودية إلى الأردن أسهم كثيراً في تأزيم الوضع الاقتصادي هناك، ما دفع الشعب الأردني إلى التظاهر بعدة محافظات ضد قانون ضريبي مثير للجدل.
وعقب هذه التظاهرات، قدمت حكومة هاني الملقي استقالتها، وسحب عمر الرزاز المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة هذا القانون؛ ما أدى لتوقف الاحتجاجات التي تعتبر الكبرى في الأردن منذ اندلاع شرارة الربيع العربي عام 2011، غير أن ذلك لا يعني أن العاصفة انتهت.
وأطلق الملك الأردني عبد الله الثاني، مؤخراً، تصريحات كانت بمنزلة إنذار حقيقي من أعلى الهرم القيادي في الأردن، بأن “على الأردنيين الاعتماد على أنفسهم، نتيجة تفاقم الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وشح المساعدات المقدمة”.
الملك الأردني كان واضحاً في موقفه الذي جاء بعد وقتٍ قصير من إعلان نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، بالقول: إن “الواقع الذي لا بُد أن يدركه الجميع أنه لن يساعدنا أحد إن لم نساعد أنفسنا، ولا بد من الاعتماد على أنفسنا أولاً وآخراً”.
ويشتهر الأردن باستقراره النسبي في منطقة مضطربة دائماً، ونظر المسؤولون الأمريكيون بقلق للاحتجاجات التي جرت فيه، فهو الحليف الأبرز لواشنطن بالشرق الأوسط.
الحكومة الأردنية السابقة تقدمت بقانون للضرائب مثير للجدل، إذ يعاني الكثير من الأردنيين من ارتفاع الأسعار وسط برود اقتصادي، لتبدأ بعدها موجة احتجاجات شعبية انتشرت في كل مدن الأردن، حيث طالبوا بإسقاط الحكومة وسحب القانون، وقد حصل ذلك.
ولكن إذا نجا الأردن من موجة الاحتجاجات تلك فإن أمامه طرقاً صعبة، فعليه أن يوازن بين الحاجة الفعلية لمعالجة المشاكل الاقتصادية في البلاد، وبين مطالب السكان، بحسب ما ترى الصحيفة الأمريكية.
ويقول لبيب قمحاوي، المحلل السياسي، إن الناس اكتشفوا أن لديهم قوة لم يعرفوها من قبل، “المشكلة في الأردن هي الفساد المستشري، والمؤثر جداً، وهو فساد من أعلى إلى أسفل”.
ومنذ ثلاث سنوات بدأ الأردن برنامجاً اقتصادياً قاسياً بأوامر من صندوق النقد الدولي في إطار مساعدته للمملكة من أجل تخفيض ديونه العامة، حيث بدأت الاحتجاجات أولاً في فبراير، إثر إلغاء السلطات الأردنية الدعم على الخبز، ما أدى إلى مضاعفة الأسعار.
وتعتبر تكاليف المعيشة بالأردن الأعلى في الشرق الأوسط، ولا ترقى إلى مستوى الدخل، كما أن نسبة البطالة تصل إلى 18%، وارتفعت أسعار الوقود بنحو 50% مقارنة بسعره في الولايات المتحدة. ومما يزيد الضغوط الاقتصادية على الأردن هو وجود قرابة 650 ألف لاجئ سوري.
ويخلو الأردن من أية موارد طبيعية، واستفاد إلى حد كبير من المساعدات التي كانت تقدم له، كما أنه لم يكن مشمولاً بقرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتخفيض المساعدات مثل أماكن أخرى، بل حصل على وعود أمريكية بزيادة حجم المساعدات، لكن المساعدة السعودية توقفت؛ ما أدى إلى فرض إجراءات اقتصادية قاسية بالبلاد دفعت الناس إلى الاحتجاج.
على المدى القصير تتجه الأنظار إلى رئيس الوزراء الجديد، عمر الرزاز، وهو خبير اقتصادي تلقى تعليمه في جامعة هارفارد الأمريكية، وعمل سابقاً بالبنك الدولي، وشغل منصب وزير التعليم.
الخطوة الأولى التي قام بها الرزاز هي سحب قانون الضرائب المثير للجدل، ولكن العقبة التي ستواجهه هي اختيار أعضاء حكومته ومدى قبولهم من قبل الشارع الأردني.
محللون سياسيون يرون أن “العديد منالأردنيين باتوا يحجمون عن مهاجمة النظام والفساد المستشري، خشية من انزلاق البلاد إلى أوضاع تشبه أوضاع سوريا واليمن، التي دمرتها الحرب، ولكن الجوع قد يدفع الناس إلى الشعور بأن لا شيء لديهم ليخسروه”.
ويتساءل محمود الدباس، المتخصص في علم الاجتماع: “هل سيتحمل الناس كل هذا الفقر حتى لا تدخل بلادهم مرحلة الفوضى كما في سوريا واليمن؟ الناس لا يريدون أن يفقدوا كل شيء”.
وجدير بالذكر أن الضغوط الاقتصادية على الأردن التي تحدث عنها الملك عبد الله الثاني، نتيجة مواقفه من قضية القدس المحتلة، ورفض بلاده إعلانها عاصمة لدولة الاحتلال، لم تكن الأولى، إذ أكد أمام تجمع لطلاب الجامعة الأردنية مؤخراً أن “عمّان تتعرض لضغوط شديدة من أجل القبول بصفقة تقضم القدس لصالح إسرائيل”.
و”صفقة القرن” هو مقترح وضعه الرئيس ترامب لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ويهدف إلى توطين الفلسطينيين في وطن بديل، خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة.
فالواضح أن هناك تبايناً واضحاً في المواقف بين الأردن وأمريكا والسعودية وعدد من الدول الخليجية، إزاء القرارات المتسارعة بشأن القدس المحتلة.
ودعا العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، لعقد اجتماع رباعي، الأحد (10 يونيو) في مكة المكرمة، يضم السعودية والإمارات والكويت والأردن لبحث سبل خروج الأردن من أزمته الاقتصادية. (اسلام تايمز)