متابعات/ وكالة الصحافة اليمنية //
“يبدو أن واشنطن شعرت بأنها لم تعد قادرة على تحمل مشاهد استخراج عشرات الآلاف من الجثث من تحت الأنقاض وملايين آخرين يعانون من البرد والجوع والإصابات”.. هكذا فسر الكاتب البريطاني “جوناثان كوك” قرار إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” برفع العقوبات المفروضة على سوريا، مشيرا إلى أن كارثة الزلزال الذي ضرب شمالي البلد العربي، كشفت ادعاء الإنسانية في الغرب.
وذكر “جوناثان”، في مقال نشره بموقع “ميدل إيست آي” ، أن تغيير سياسة إدارة “بايدن” جاء بعد 4 أيام من المشاهد القاسية والمروعة، إذ لم يعد بإمكان الولايات المتحدة أن تبدو وكأنها الرجل الغريب الذي يواجه موجة عالمية من القلق بشأن السكان المتضررين.
وبموجب الإعفاء الجديد من العقوبات، ستكون الحكومة السورية قادرة على تلقي الإغاثة من الزلزال لمدة 6 أشهر قبل إعادة فرض الحظر عليها.
ويشير “جوناثان” إلى أن هذا الإعفاء “لا ينبغي لأحد أن ينخدع به”، مشيرا إلى أن رد الفعل الأول لوزارة الخارجية الأمريكية تمثل في مضاعفة سياسة العقوبات، حتى أن المتحدث باسمها “نيد برايس” رفض إمكانية رفعها بحجة أن ذلك سيأتي “بنتائج عكسية”.
ويصف الكاتب ، نظام العقوبات الذي فرضته الولايات المتحدة وحلفاؤها في أوروبا وكندا وأستراليا بأنه كان “سياسة إجرامية قبل وقت طويل من وقوع الزلزال”، مؤكدا أن “الإعفاء، القصير والمتأخر، من العقوبات، تحت ضغط دولي، لا يغير تلك الصورة بشكل أساسي”.
وأضاف: “لطالما كانت المزاعم الغربية بالتدخل الإنساني في الشرق الأوسط الغني بالنفط كذبة. لقد تطلب الأمر هزة أرضية لتوضيح ذلك وضوح الشمس”.
عقوبة جماعية
وأوضح “جوناثان” أن عقوبات كتلك التي تفرض على سوريا ليست سوى “شكل من أشكال العقاب الجماعي على نطاق أوسع من السكان”.
وأشار إلى أن فرض العقوبات الغربية جرى بالتوازي مع الحرب في سوريا، والتي تحولت بسرعة إلى حرب غربية بالوكالة، عصفت بمعظم البلاد.
وتابع: “أججت الولايات المتحدة وحلفاؤها الحرب وأشعلوها، ورعت الجماعات المتمردة، بما في ذلك الارهابيين، الذين فشلوا بنهاية المطاف في الإطاحة بحكومة بشار الأسد”.
تدفق العديد من هذه الجماعات الارهابية من البلدان المجاورة ، حيث تم احتوائهم في الفراغ الذي خلفه في أعقاب عمليات الإطاحة بالنظم “الإنسانية” السابقة للغرب.
ولتجنب القتال، أُجبر ملايين السوريين على الفرار من ديارهم، ما أدى إلى انتشار الفقر وسوء التغذية.
وحتى مع تراجع القتال، استمر الاقتصاد السوري في الانهيار، ليس فقط بسبب العقوبات الغربية، ولكن لأن الولايات المتحدة وغيرها استولت على حقول النفط في سوريا وأفضل أراضيها الزراعية.
وفاقم ذلك من كارثة زلزال الأسبوع الماضي، إذ كان على السوريين المعوزين والجوعى والمعزولين مواجهة المزيد من المصائب.
ويرى “جوناثان” أن المنطق المفترض لسياسة الغرب، على مدى عقد من الزمان، هو تقسيم سوريا، وفقا لنموذج تطرحه واشنطن بانتظام، وهو تحفيز السوريين اليائسين على الانتفاض ضد قادتهم على أمل الوصول لواقع أفضل”.
لكن من الواضح أن المشروع فشل تمامًا كما جرى في دول أخرى معادية للولايات المتحدة، مثل كوبا وإيران. ومع ذلك، استمر تطبيق برنامج العقوبات باسم الإنسانية.
وعندما تعرضت سوريا لزلزال بقوة 7.8 درجة الأسبوع الماضي، أدى إصرار واشنطن على استمرار العقوبات إلى تحويل السياسة من “غير إنسانية” إلى “قاتلة”، استنادا إلى تصور مفاده أن “رفع العقوبات يتطلب الاعتراف بحكومة الأسد، وهذا بدوره سيكون بمثابة اعتراف بالهزيمة في معركة الإطاحة به”.
وهنا يعلق “جوناثان” بقوله: “إن حماية الأنا الجماعية لمسؤولي واشنطن لها الأسبقية على العذاب الذي طال أمده لملايين السوريين، وهذا بحد ذاته يكذب أي ادعاء بأن الولايات المتحدة وأوروبا، في معركتهم لإسقاط نظام الأسد، قد اهتموا حقًا بالشعب السوري”.
ولفت إلى مقارنة كاشفة بين معاملة الغرب مع معاناتي أوكرانيا وسوريا، إذ “لا ينبغي ادخار أي ثمن لإنقاذ الأوكرانيين، ذوي المظهر الأوروبي، من الغزو الروسي، حتى لو كان ذلك يخاطر بمواجهة نووية. ولكن يمكن التخلي عن السوريين ذوي البشرة الداكنة” حسب تعبيره.
وتساءل “جوناثان”: “متى تم تصنيف هذا النوع من التمييز العنصري على أنه إنساني؟ لا، لم يكن التعاطف هو الذي يحفز الغرب على تسليح أوكرانيا، ولا الدافع وراء رعاية معارضة سورية سرعان ما هيمنت عليها جماعات وصفها الغرب لاحقا بأنها إرهابية”.
معركة سيادة
وتابع: “إن مساعدة الأوكرانيين من خلال تسليحهم بالدبابات والطائرات، مع حرمان السوريين من الضروريات، ليست ازدواجية في معايير الغرب بل سياسة لتحقيق الهدف نفسه، وهو هدف لا علاقة له برفاهية المواطنين الأوكرانيين أو السوريين العاديين.
هذا الهدف هو “التفوق الغربي”، حسبما يرى “جوناثان”، موضحا: “يظهر بشكل أو بآخر في الخلفية بكلتا الحالتين ذات العدو الذي يريد الغرب أن يراه ضعيفًا بشكل حاسم: روسيا”.
فالحكومة السورية واحدة من حكومات الشرق الأوسط التي وقفت إلى جانب روسيا، بما في ذلك من خلال منح البحرية الروسية إمكانية الوصول إلى البحر المتوسط عبر ميناء طرطوس. وكان هذا أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت الغرب حريصًا جدًا على رؤية حكومة “الأسد” محطمة.
ولذا فإن معاقبة سوريا ليست سياسة خارجية أخلاقية، بل سياسة يتم تبريرها من خلال النظر إلى العالم وشعوبه من خلال عدسة واحدة فقط، وهي: “كيف يمكنهم خدمة المصالح المجردة للقوة الغربية والولايات المتحدة في المقام الأول؟”
وكما هو الحال دائمًا، يلعب الغرب لعبته الاستعمارية الكبرى بمؤامرات القوة لترتيب قطع الشطرنج الجيوستراتيجية بأفضل ترتيب ممكن. وتشمل تلك المصالح الهيمنة العسكرية العالمية والسيطرة على الموارد المالية الرئيسية مثل النفط.
الجريمة الكبرى
وبينما تكافح سوريا للتعامل مع الزلزال، لم تكن الغريزة الأولى للولايات المتحدة وحلفائها هي كيفية تخفيف معاناة شعبها، ما وضح جليا في إلقاء اللوم على دمشق لفشلها في السماح بوصول المساعدات إلى بعض المناطق الشمالية التي تضررت بشدة من الزلزال.
وإزاء ذلك، اشتكى “مارك لوكوك”، الرئيس السابق للشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، قائلاً: “سيتطلب الأمر إذعانًا تركيًا للحصول على المساعدة في تلك المناطق.
ووصلت الشحنات الأولى للمساعدات عبر معبر من تركيا، الخميس الماضي، كما وافقت الحكومة السورية على إيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق غير الخاضعة لسيطرتها في منطقة الزلزال شمال غرب البلاد التي ضربها الزلزال.
وردا على ذلك، قال متحدث باسم جماعة “تحرير الشام”، التي تسيطر على جزء كبير من إدلب ، لرويترز إنها لن تسمح بدخول المساعدات من الأجزاء التي تسيطر عليها الحكومة في سوريا لأننا “لن نسمح للنظام باستغلال الوضع لإظهاره في صورة من يساعد”.
ولكن مهما كانت الرواية الغربية، فإن لعبة إلقاء اللوم في تقديم المساعدة على شمال سوريا ليست ببساطة نتيجة نزعة دمويّة من دمشق، فحكومة “الأسد” ضمنت السيطرة على غالبية الأراضي السورية، لكنها بعيدة عن السيطرة على عموم السكان.
فبعدما ساعدت الولايات المتحدة في إنشاء زاوية شمالية شرقية كبيرة تتمتع بالحكم الذاتي للسكان الأكراد، وأجزاء أخرى من الشمال في أيدي تحالف من الجماعات الإسلامية الارهابية، تهيمن عليها فروع تنظيم القاعدة، وفلول تنظيم الدولة الإسلامية ومقاتلين مدعومين من تركيا. ويعد هذا التشرذم عقبة كبيرة أمام جهود الإغاثة، إذ ترغب حكومة في تأكيد السيادة على كامل الأراضي السورية.
لكن لدى حكومة الأسد سبب إضافي للقلق، وهو أن السماح للقاعدة بتولي عمليات الإغاثة يمثل وصفة لتفقد دمشق سلطتها مع قطاعات كبيرة من السكان المحليين.
ويمكن لذلك أن يكون ذلك بمثابة مقدمة لإحياء الحرب في سوريا وإعادة دفع السوريين إلى القتال وإراقة الدماء.