المصدر الأول لاخبار اليمن

لعبة الموت.. قصص مأساوية تختطف أرواح الأطفال في سهول تهامة

كتبها /عبدالكريم مطهر مفضل/ وكالة الصحافة اليمنية //

 

تسجل محافظة الحديدة غرب اليمن، أعلى معدلات ضحايا مخلفات القنابل العنقودية والألغام وعلى أراضيها جرت حروب شرسة بين قوات صنعاء وقوى التحالف، لكنها لم تنتهي بمجرد حالة التهدئة النسبية القائمة حالياً بين الأطراف المتصارعة.

تضم محافظة الحديدة 26 مديرية، وفيها حوالي 3 مليون نسمة غالبيتهم من البسطاء وعرفت الحديدة بـ”سلة اليمن الغذائية” لخصوبة تربتها وكثرة محاصيلها الزراعية، إلا أن تلك السلة الغذائية زرعتها دول التحالف منذ 13 يونيو 2018 بمخلفات أسلحة الموت من الألغام والقنابل العنقودية عوضاً عن الحبوب والفواكه والخضروات لتحصد كل يوم أرواح الأهالي الأبرياء الذين كانوا حتى الأمس القريب يحصدون خيراتها.

 

زراعة الموت

كثيرة هي القصص المُحزنة لضحايا مخلفات قوى التحالف من الألغام وقنابل الموت المحرمة دولياً والتي عادة ما يكون الأطفال الأبرياء أكثر ضحاياها في الحديدة وعلى الرغم من كثرت تلك الجرائم بحق شعب مسالم عرف بطيبة القلب نرصد لكم واحدة من أقسى المحن الإنسانية التي شهدتها تهامة الخير.

قصة مأساوية جديدة تضاف إلى الكثير من القصص الحزينة التي تسببت مخلفات القنابل العنقودية والألغام  التي زرعتها قوى التحالف في الحقول و الطرقات العامة وبالقرب من المراعي وأبار المياه.

وبحسب الأهالي فإن الألغام التي زرعتها قوى التحالف لم تكن بهدف إعاقة تقدم قوات صنعاء بقدر ما كان الهدف منها قتل كل شيء ينبض بالحياة من البشر والشجر وحتى من الحيوانات التي يربيها السكان كمصدر رزق يقتاتون عليها في سنون الجوع الثمان التي فرضها حصار التحالف على اليمن، ومثل تلك الألغام لم يكن الهدف من القنابل الأمريكية والبريطانية المحرمة التي ألقيت على الأحياء السكنية، قتل مقاتلي قوات صنعاء بقدر ما كان غرضها خطف أرواح وأجساد براءة الأطفال والنساء والعجزة لعقود من الزمن.

خلال 45 يوماً الماضية، قُتل وأصيب نحو 60 مدنياً في محافظة الحديدة لوحدها غالبيتهم من الأطفال جراء الألغام ومخلفات الحرب من القنابل العنقودية، (وفق تقارير حقوقية).

لعبة الموت

طفلة من ضحايا الألغام أمس الثلاثاء

حين يحول فاقدي الرحمة والإنسانية من الوحوش البشرية، حب الطفولة للعب إلى أداة للقتل فعلى الدنيا السلام، أمس الثلاثاء، كان لنا في سهول تهامة اليمن مثال حي على ذلك.

3 أطفال استشهدوا و 3 أطفال أخرين أصيبوا جراء انفجار لغمين جنوب الحديدة وعلى وجه الخصوص في مديريتي الدريهمي وحيس.

براءة الطفولة تجعل كل شيء متاح للعب، حتى بتلك الأجسام الخطيرة والقاتلة لمخلفات الحرب من الألغام التي زرعتها قوى التحالف وكذا القنابل المحرمة دولياً التي تفننت طائرات التحالف في إلقائها في السهول والوديان وداخل أزقة أحياء بسيطة بنيت من الصفيح وسعف النخيل.

ككلِّ الأيام خرج أطفال مدينة حيس وهم يطلقون لأقدامهم العنان في تسابق مثير بينهم أثناء الذهاب إلى مدرستهم، لعلهم يحظون بتلقي ما تيسر لهم من العلم في بقايا مدراسهم التي دمرتها طائرات وبوارج التحالف وكذا ليحظون بفرصة للعب والترفيه من خلال ممارستهم لعبة كرة القدم في الملعب الترابي الذي بناه السكان بالقرب من المدرسة.

وبعد الانتهاء من اليوم الدراسي خرج الأطفال في تسابق نحو الملعب الترابي شرق مدرسة القعقاع، وأثناء اللعب خرجت الكرة باتجاه كومة من الطين وحينها ذهب الطفل محمد عبده رزة لجلب الكرة وقد تفاجأ برؤية جسم غريب بجوار الكرة، وهنا قام بنداء زملائه حينها توجه إليه الطفل يعقوب نزهان فيصل والطفل عبدالملك عبده حساني.

لم يستوعب أطفال حيس الثلاثة خطورة ذلك الجسم القاتل الذي لا يفرق بين العدو والصديق ولا بين طفل أو مُسن ولا بين بشر وحيوان.

وما أن لمس أحد الأطفال ذلك الجسم الغريب حتى هز دوى انفجار قوى كافة أرجاء المنطقة وحول كل شيء في الملعب إلى ركام متساقط حمل معه أجساد الأطفال الثلاثة والقى بها مضرجة بالدماء على الأرض.

لم يلبت الصمت طويلاً بعد دوي الانفجار، حيث تعالى صراخ الأطفال قبل أن يهرع سكان المنطقة فزعاً لإنقاذ ابنائهم، وقاموا بإسعافهم الأطفال الثلاثة إلى المستشفى.

لا تبتروا أطرافي

وفي طوارئ المستشفى أطلق الطفل يعقوب نزهان صرخته المدوية وهو يحتضر “لا تبتروا أقدامي.. كيف سألعب كرة القدم من دونها؟” كلمات قاسية أوجعت قلوب ملائكة الرحمة قبل أن توجعهم كثيراً وهم يقفون عاجزين في إنقاذ حياته وحياة زميله الطفل محمد رزة في غرفة العمليات، لكن ما باليد حيلة فقد بلغ سيف الجلاد برأة الطفولة وحال دون حصولها على فرص للنجاة في بلاد فقدت معظم قدراتها الصحية بسبب القصف والحصار.

لم يكن الطفل الضحية يعقوب يعي أن الاصابات الناتجة عن ذلك الجسم المتفجر لن يقتصر على بتر قدميه، بقدر ما سوف ينتزع روحه وينهي قصة براءة 3 أطفال قتلوا قبل أن يكملوا حياة الطفولة التي لم ترغد يوماً بنعيم الحياة في وطن مزقته حرباً ضروس شنتها دول التحالف وحصار غاشم أثقل كاهل شعب اليمن طوال ثمان سنوات عجاف.

هكذا قضت قوى التحالف على حياة الطفلين واصابة الثالث بعاهه مستدامة في حيس وفي الوقت الذي قتل طفل وأصيب طفلين في مديرية الدريهمي المجاورة وقتلت الفرحة في نفوس أسرهم، وصنعت جرح لا يمكن أن يلتئم مع الوقت في ذاكرة شعب يتجرع ويلات الحصار والقصف بالأسلحة المحرمة، للعام الثامن على التوالي، خارج مبادئ القانون الدولي والمواثيق الإنسانية.

بأي ذنب يُقتلون

أمام كل جريمة قتل طفل أو طفلة ممن يسقطون ضحايا جبروت قنابل وألغام التحالف لن تجد الحزن طاغيًا في ثلاجة الموتى فقط؛ بل العكس.. فكل جريمة قتل لأطفال تهامة تركت خلفها حكاية أوجعت القلوب ووقفت المشاعر أمامها بحزن.

قد يعجبك ايضا