متابعات / وكالة الصحافة اليمنية
كتب “ستيفن والت” خبير العلاقات الدولية في مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية وأستاذ في جامعة “هارفارد” مقالاً تحدّث فيه حول الواقعية، حيث قال: إن الواقعية واحدة من المقاربات الأمريكية المعاصرة في مجال السياسة الخارجية وتعتبر الواقعية إحدى النظريات المهمة في مجال العلاقات الدولية، وكذلك في مجال العمل، وعلى الرغم من أن مسؤولي السياسة الخارجية الأمريكية يؤكدون أن أعمالهم السياسية تتماشى مع هذا النهج، إلّا أن الواقع يثبت عكس ذلك، فالسياسات الأمريكية لم تكن متوافقة مع هذه الواقعية، وأكد “والت” في مقاله هذا بأن الجمهوريين والديمقراطيين يؤكدون بأن سياساتهم الخارجية مبنية على نهج المثالية الليبرالية، وبدلاً من الاعتراف بأن الأمن والأمان يقلّ بشكل تدريجي في العالم، قاموا بتقسيم دول هذا العالم إلى حلفاء (أخيار) وأعداء (أشرار).
ويعتقد “والت” بأن تصرفات الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” في مجال السياسة الخارجية تتعارض كلياً مع نهج الواقعية، وذلك لأن الواقعيين يؤكدون على العوامل الخارجية مثل تعادل القوى ودور القادة والزعماء في العالم. لكن تصرفات الرئيس “ترامب” تُمثّل تذكيراً مزعجاً بأنه يمكن أن يضرّ بدور القادة، والزعماء، في اتخاذ قرارات تتعلق بمجالات السياسة الخارجية، وعلى وجه التحديد، عندما قال بأنه الشخص الوحيد المهم في هذا العالم، ولكي تتوضح الصورة أكثر دعونا نوضّح بإيجاز معنى الواقعية.
إن الواقعية لديها خلفية تاريخية ومجموعة متنوعة من الأصناف التي تكمن وراء جوهر الافتراضات، والأفكار الأساسية وتسعى الواقعية إلى تفسير السياسة العالمية كما هي، وليس كما ينبغي أن تكون، وينصبّ التركيز الرئيسي لدى الواقعيين على السلطة، وعلى الرغم من أن هناك عوامل أخرى تلعب دوراً مهمّاً في الواقعية، إلّا أّنّ المفتاح الأساسي، والرئيسي لفهم السياسة يتعلق في فهم من هو الذي يملك السلطة في هذا العالم.
ويؤكد الواقعيون بأن الحكومات عندما تشعر بأن هنالك تهديدات خارجية من الدرجة الأولى تتجه نحو استخدام استراتيجية التوازن الجزئي بدلاً من استراتيجية نقل المسؤولية (أو الفشل) وتتشكل عملية توازن القوى إما من خلال التوحّد مع دول أخرى أو التركيز على القدرات المحلية، وهنا يمكن القول بأن الواقعية ليست مجرد مقاربة لبحث القضايا الدولية فقط، وإنما هي عبارة عن عددٍ من وجهات النظر والنظريات البديلة التي يمكنها أن تساعدنا في فهم الجوانب المختلفة من هذا العالم الحديث.
وكمثال على ذلك، إذا كنت تفكر كواقعي، فإنه سيصبح من المعقول والمقبول عندك بأنّ لأمريكا الحق في استخدام قواتها العسكرية في مناطق مختلفة من العالم خلال الـ 25 سنة الماضية، وعلى وجه الخصوص بعد أحداث الـ 11 سبتمبر 2001، وذلك يرجع لسبب بسيط يتبلور حول أنه لا أحد يستطيع أن يوقفها عند حدّها، ونظراً لأن أمريكا أكدت خلال السنوات الماضية على دورها ومسؤوليتها على الصعيد العالمي، فإنها قد اتخذت تلك ذريعة لها لتتدخل في جميع أنحاء العالم، ومن المحتمل أن يكون للمكانة الأمريكية دور مهم في خلق حالة من الطموحات الاستعمارية الأمريكية التعسفية لدى العديد من السياسيين والقادة الأمريكيين.
وإذا كنت تفكّر كأي واقعي، فإنك ستتوصل إلى أن الأزمة في أوكرانيا تختلف كلياً عمّا صرحت به الدول الغربية في وسائل إعلامها، حيث أعلنت الدول الغربية في ذلك الوقت بأن الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” قام بالكثير من الأعمال الاستفزازية، وهذا الشيء أدّى إلى حدوث تلك الأزمة الأوكرانية، ولكنّ الواقعيين يؤكدون خلاف ذلك، ويرون بأن القوى الكبرى حساسة في المواضيع التي تتعلق بحدودها، وإذا ما جاءت قوى كبرى أخرى تريد غزو مناطقهم فإنهم سيدافعون عن أنفسهم، وهنا يمكن القول بأن الواقعية يمكن أن تساعدك في معرفة لماذا يواجه الاتحاد الأوروبي اليوم العديد من المشكلات والأزمات وستعلم بأن الاتحاد الأوروبي لدية خطة مستقبلية ليتجاوز القومية والمصالح الوطنية ويصبح كياناً عابراً للحدود.
وإذا كنت مثل الواقعيين، فإنك سوف تعتقد بأن دعم إيران وسوريا للمناهضين والمقاومين لأمريكا في العراق بعد زوال نظام صدام حسين عام 2003، كان عقلانياً ومنطقياً، وفي تلك الفترة الزمنية وضعت إدارة “بوش” كلّاً من إيران وسوريا بشكل علني في قلب محور الشر وصرّحت بأنهما سوف تكونا هدفي واشنطن التاليين، وهذا الأمر هو ما دفع دمشق وطهران إلى اتخاذ خطوات لطرد القوات الأمريكية من العراق.
وإذا كنت تفكر مثل الواقعيين، فإنه سيصبح من الواضح لديك لماذا تريد الحكومات مثل كوريا الشمالية وإيران امتلاك أسلحة نووية رادعة وبسبب رغبتهما تلك فإنهما يواجهان في الوقت الحاضر الكثير من المعارضة الشديدة من البلدان القوية في العالم، وقد عبّرت السلطات الأمريكية مراراً عن أنّ الحل الوحيد لهذه الأزمة يتمثل في الإطاحة بهاتين الحكومتين، مبرره لهذا الشيء بقولها بأنه يجب على كل شخص حماية نفسه عند مواجهته لمثل هذه التهديدات، إن الأسلحة النووية، على الرغم من أنها ليست خياراً جيداً للابتزاز أو الغزو، إلا أنها تعتبر وسيلة فعّالة للردع يمكن استخدامها ضد الدول القوية التي تسعى للإطاحة بهذه الحكومات.