متابعات / وكالة الصحافة اليمنية //
في الفترة الأخيرة، جرت نقاشات شاركت فيها موسكو وطهران وصنعاء وعواصم أخرى، في محاولة لإيجاد مخرج للرياض من المستنقع اليمني، يحافظ في الوقت نفسه على المطالب اليمنية الأساسية.
أريدَت، من خلال ذلك، خصوصاً من جانب روسيا، محاولة تكبير المسافة الفاصلة بين السعودية والولايات المتحدة، على رغم إدراك الجميع أن الخلاف متركّز حالياً مع الحزب «الديموقراطي»، فيما لا تزال علاقة المملكة بالدولة العميقة الأميركية قائمة، وفق ما يؤشّر إليه مثلاً وجود خمس مجموعات عمل أميركية في الرياض لتعزيز التعاون الأمني والعسكري والسياسي بين الجانبَين.
لكن الإيرانيين والروس، وحتى الصينيين، يُجمعون على ضرورة السعي إلى الابتعاد بالسعودية عن أن تكون «أداة» بيد الولايات المتحدة في النزاعات الإقليمية، وهو ما يصبّ في خانته اتّفاق عودة العلاقات الديبلوماسية بين طهران والرياض، برعاية صينية.
على أن الأطراف كافّة، بمَن فيهم الأميركي، يدركون أن حجر الرحى في ما يتّصل باليمن قائم في صنعاء.
وتميزت سياسة صنعاء في علاقتها مع الدول الصديقة على احترام السيادة الوطنية للبلاد، فيما تتعاطى إيران، من جانبها، بواقعية سياسية مع حلفائها، مدرِكةً ضرورة مراعاة خصوصيّاتهم الوطنية.
وفي هذا المجال، أكد السفير اليمني في طهران، إبراهيم الديلمي، أن «السعودية طلبت من إيران في الجلسات السرّية في بغداد ومسقط خلال الأعوام الماضية، الاتّفاق أوّلاً على الملفّ اليمني، فكان ردّ الإيرانيين صريحاً وواضحاً بأن القرار في ما خصّ هذا الملفّ موجود في صنعاء وليس في طهران».
كما اقترح الجانب الإيراني على السعوديين وقْف العدوان ورفْع الحصار، وأبدى استعداده، بالاتّفاق مع اليمنيين، للعبِ دور الميسّر من خلال استضافة مفاوضات بين المملكة وقيادة صنعاء ، منبّهاً إلى أن إيران ليست وسيطاً في هذا النزاع، بل هي دائماً ما أعلنت انحيازها إلى جانبه اليمني.
ومن هنا، انحصر النقاش في مسألة استعادة العلاقات الديبلوماسية، علماً أن إيران كانت تخضع حينها لعقوبات أميركية قصوى، مترافقة مع تهديد بشنّ حرب عليها، فيما كان اقتصادها يعاني أزمة كبرى.
وإذا كانت تلك هي حالها في ذروة الحصار، فما الذي سيوجب عليها اليوم، بينما تعاظمت قدراتها العسكرية، وتعزَّز حضورها السياسي، وتَحسّن وضعها الاقتصادي، تقديم تنازلات سواءً ربطاً بملفّاتها الداخلية، أو الملفّات الإقليمية ذات الصلة بها؟
كيف سيقنع «التحالف» الجماعات السلفيّة بأنّ إيران تحوّلت إلى «دولة جارة مسلمة وصديقة»؟
بعد سقوط الذريعة الرئيسة المعلَنة للحرب، ستجد الأطراف المحلّية الموالية لـ«التحالف» نفسها مرتبكة، وعاجزة عن تقديم خطاب يسوّغ أداءها، وخصوصاً أنها عبّرت في بيانات متفرّقة عن دعمها للمصالحة السعودية – الإيرانية.
كذلك، يَحضر السؤال عن الكيفية التي ستقتنع بها الجماعات السلفية بمختلف مدارسها، بأن إيران تحوّلت إلى «دولة جارة مسلمة وصديقة»، فيما تلك الجماعات تقاتل في صفّ «التحالف» تحت رايات فكرية تكفيرية، تسعى من خلالها إلى استئصال «أنصار الله»، وفي ظلّ أدبيات ترى في إيران خطراً وجودياً يتجاوز خطر إسرائيل.
في المقابل، ترى إيران أن علاقتها باليمن تمتدّ لعقود، من دون أن تعكّر صفوها أيّ أسباب، سواء مع صنعاء أو مع عدن قبل عام 1990، حيث تمتّعت طهران بعلاقة متينة واستراتيجية مع عدن خلال حُكم النظام الاشتراكي للجنوب.
.
ليس هذا فحسب، بل إن إيران ظلّت على علاقة جيّدة مع حكومة هادي، حتى إنه بعد سيطرة «أنصار الله» على صنعاء بأشهر قليلة، زار السفير الإيراني عدن بدعوة من تلك الحكومة (برئاسة خالد بحاح آنذاك)، التي عرضت وقتها على طهران الاستثمار في موانئ المدينة، وتشكيل لجنة اقتصادية مشتركة.
وفي الوقت الحالي، لن يجد الإيرانيون معضلة في التعامل مع الحكومة الجديدة المنبثقة من «عملية السلام»، إذ ستعود العلاقة بين اليمن وإيران إلى سابق عهدها.
هكذا يبدو أن اليمن سيمثّل حجر الزاوية في البرنامج السعودي الجديد، فيما لن تتردّد الرياض في الدفع بالحكومة الموالية لها إلى العمل وفقاً لمقتضيات المصالحة مع إيران، والتي ستسرّع الدفع نحو تحوّل في الملف اليمني، إن لم يكن في صورة عملية شاملة تُحقّق السلام، فعلى الأقل اتّفاقات في بعض الملفّات، وتهدئة دائمة بين صنعاء والرياض.