مدريد/ وكالة الصحافة اليمنية//
سلطت صحيفة “إلبايس” الإسبانية الضوء على ما اعتبرتها “ممارسة احتيالية” تقوم بها السعودية لرفع التصنيف العالمي لجامعاتها، بما يكسبها مزيدا من النفوذ العلمي، ومن ثم السياسي.
وذكرت الصحيفة، في تقرير لها، أن تصنيف شنغهاي، المعروف أيضًا باسم “التصنيف الأكاديمي للجامعات العالمية”، هو منشور سنوي مرموق يقيس جودة التعليم والبحث في مختلف الجامعات على مستوى العالم، ويعد الصعود في مرتبته أمرًا بالغ الأهمية لاكتساب النفوذ السياسي، مشيرة إلى بعض العلماء المشهورين في الصين وإسبانيا هم طريق السعودية لتحقيق هذا النفوذ.
وأورد التقرير أن إدراج هؤلاء العلماء في قائمة الانتماء الأساسي لجامعات دولة ما يمكن أن يضخم مكانة تلك الدولة في تصنيف شنغهاي بشكل مصطنع، وهو ما مارسته السعودية التي قدمت لباحثين من الصين وإسبانيا أموالًا لتغيير انتماءاتهم الأكاديمية.
وبينما قبل أكاديميون العروض السعودية، رفضها آخرون مرموقون، بينهم: بلانكا لاندا، وهي باحثة في مجال الهندسة الزراعية بمعهد CSIC للزراعة المستدامة في قرطبة، بحسب الصحيفة الإسبانية.
وذكرت بلانكا أنها تلقت عرضًا بقيمة 1500 دولار لكل دراسة منشورة من أستاذ في جامعة الملك سعود، مقابل تسجيلها كأستاذة زائرة، مع دفع جميع النفقات، وهو ما رفضته على الفور.
وتشير الصحيفة الإسبانية، في هذا الصدد، إلى أن العروض المالية السعودية بشأن الدراسات المنشورة تستهدف عاملا ثانيا في رفع التصنيف الأكاديمي لجامعات المملكة، وهو “عدد الدراسات المنشورة في المجلات العلمية المرموقة”، مثل “نيتشر” و”ساينس”.
أموال دون حضور
“ميرا بتروفيتش” مثال آخر لكيميائية إسبانية، وواحدة من أكثر العلماء شهرة في العالم، عبرت عن دهشتها من عرض جامعة سعودية لها قبل جائحة كورونا مباشرة بقيمة 77 ألف دولار سنويًا فقط لإدراجها ضمن جامعة الملك سعود في الرياض.
ولم يكن مطلوبا من ميرا، التي تعمل في المعهد الكتالوني لأبحاث المياه في جيرونا (شمال شرقي إسبانيا)، سوى القيام برحلات قليلة تستغرق 3 أيام إلى المملكة كل عام، ومع ذلك رفضت العرض السعودي، على عكس عشرات الأكاديميين المرموقين الآخرين حول العالم الذين تدرجهم الجامعات السعودية الآن ضمن قوائمها.
وبينما ينكر بعض الباحثين تلقي حوافز مالية سعودية كبيرة مقابل تسجيل انتماء أكاديمي زائف، واجه آخرون عواقب ناجمة عن الممارسة غير الأخلاقية، ما أثر سلبا على المجتمع العلمي الإسباني بشكل كبير، إذ واجهت بعض الجامعات الإسبانية وباحثيها عقوبات لمشاركتهم في هكذا ممارسة.
ففي عام 2019، قبل الكيميائي الإسباني، رافائيل لوك، عرضًا سعوديًا وقبل الإدراج بجامعة الملك سعود دون إبلاغ جامعة قرطبة، لتقرر الأخيرة معاقبته بالفصل بعدما تسبب تصرفه في تراجع الجامعة 150 مرتبة في تصنيف شنغهاي.
ولو لم يغير لوك انتماءه للجامعة السعودية، لاحتلت جامعة قرطبة المرتبة 684 في تصنيف شنغهاي بدلاً من 837، بحسب تقرير مفصل لشركة SIRIS الاستشارية.
جامعة جيان
ويشير التقرير ذاته إلى لويس مارتينيز، أستاذ لغات وأنظمة الكمبيوتر في جامعة جيان الإسبانية، والذي كان ضمن قائمة الباحثين الأكثر نشرا في عام 2017، لكنه فشل في الحصول على تمويل حكومي إسباني لمشروعاته، ليقبل لاحقا عرضا بـ 66 ألف دولار سنويًا من جامعة الملك سعود لإدراج اسمه كأكاديمي بها. وإزاء ذلك، يتوقع تقرير SIRIS أن تتراجع جامعة جيان 150 مركزًا في تصنيف شنغهاي.
وقال نائب رئيس الجامعة الإسبانية، جوستافو رييس، إن إدارة الجامعة اكتشفت الأمر بعدما أظهرت بيانات لشركة “كلاريفيت” الاستشارية اسم مارتينيز منتسبًا إلى الجامعة السعودية، مضيفا: “اتصلنا به على الفور ودعوناه إلى اجتماع مع رئيس الجامعة وقضينا صباحًا كاملاً في شرح سبب عدم إمكانية السماح بقيامه بذلك. قلنا له إن هذا أمر غير أخلاقي لأنه أستاذ متفرغ”. وتنظم المادة 83 من القانون الأساسي للجامعات الإسباني التعاون مع الجامعات الأخرى، لكن رييس يدعي أن جامعة الملك سعود لا تتبع الإجراءات المنصوص عليها في القانون ووقعت عقدًا مباشرا مع مارتينيز لتغيير انتمائه، ولذا تدرس جامعة جيان رفع “دعوى قضائية” ضد أستاذها.
وتشير “إلبايس” إلى أن منهجية تصنيف شنغهاي تخضع للتدقيق، خاصة في ظل وجود مخاوف بشأن عدم الأمانة الأكاديمية المحتملة ونزاهة حسابات الترتيب.
وتخلص الصحيفة الإسبانية إلى أن الممارسات الاحتيالية التي ينطوي عليها الانتماءات الأكاديمية الزائفة بين العلماء الإسبان في الجامعات السعودية تثير مخاوف بشأن منهجية التصنيف الأكاديمي العالمي، وحثت العلماء والمؤسسات والجامعات على اتخاذ موقف ضد هذه الممارسات.