رصدها/عبدالكريم مطهر مفضل/وكالة الصحافة اليمنية//
انتشار جرائم التصفية العنصرية المناطقية في المحافظات الواقعة تحت سيطرة قوات التحالف، تُعد واحدة من أقسى المحن الإنسانية التي شهدتها اليمن طوال تسع سنوات من الحرب والحصار..
لمواطنين يمنيين معظمهم هربوا من نيران الحروب إلى جحيم العنصرية والمناطقية البغيضة لتزهق حياتهم في وضح النهار أمام مرأى ومسمع الجميع بشكل خبيث، والأخبث منه إهمال السلطات التابعة لقوات التحالف في حماية الأبرياء وممتلكاتهم والتي كان من المفترض أن تكون عوناً لهم في حمايتهم كيف لا؟ وهي من زعمت أن “تدخلها العسكري جاء من أجل حماية الشعب اليمني وإسعاده وجعل اليمن جزء من أوروبا”.
جرائم عنصرية مستمرة
المعاناة التي سنتحدث عنها اليوم في عدن، ليست أرقام وإحصائيات بقدر ما تمثل معاناة تفوق قدرات علوم الحصر والرياضيات والجبر عن حصرها في أعداد، فهي جرائم كسرت قلوب النازحين من أطفال وأمهات وزوجات قبل أن تزهق أرواح ذويهم وهم يشاهدون آبائهم، يصارعون الموت تحت وطأة نيران الحقد والعنصرية القاتلة بشكل يومي في بلد أنهكته الحرب والحصار للعام التاسع على التوالي.
وضع مخيف ومقلق وواقع مؤلم فرضته الميلشيات الانفصالية التي تبث سموم عنصريتها ودعواتها المناطقية بشكل كارثي في كافة مناطق اليمنية الواقعة تحت سيطرة قوات التحالف، حيث تواصل جرائم الفتك بأرواح العديد من أبناء المحافظات الشمالية وعلى وجه الخصوص أبناء محافظة تعز من الباعة البسطاء والنازحون على نطاق واسع وغير مسبوق، وسط تدهور في كافة الخدمات الاساسية وفي ظل عدم اكتراث سلطات التحالف في تلك المناطق بالجرائم العنصرية التي ترتكب بحق أبناء الشعب اليمني.
نيران التسلط والعنصرية
حينما يتسلطن من لا يصلح أن يكون حتى إنساناً بعنجهيته وهمجيته وبطشه تكون النتائج كارثية على المواطنين وفي مقدمتهم البسطاء.
في حادث مأساوي هز مدينة عدن بشكل خاص واليمن بشكل عام أقدم الثلاثاء الماضي الشاب “وازر عبده علي” أحد الباعة المتجولين من أبناء محافظة تعز والذي نزح مع أفراد أسرته إلى محافظة عدن جنوب اليمن على إحراق نفسه أمام السلطة المحلية بمديرية الشيخ عثمان احتجاجا على مصادرة الفصائل المسلحة التابعة للإمارات بقيادة “وسام معاوية” للبسطة التي يقتات منها لقمة العيش الزهيدة له ولأطفاله بعد أن تقطعت بهم السبل جراء تفاقم الأزمة الإنسانية الأكبر عالمياً خلال قرن حسب تقارير الأمم المتحدة.
واحدة من أقسى القصص الإنسانية المتعددة الأحداث لمأساة أبناء تعز بشكل خاص وأبناء المحافظات الشمالية بشكل عام في المناطق الواقعة تحت سيطرة “الانتقالي” الفصيل المنادي بإعادة تشطير الجنوب عن الوطن الأم.
الشاب وازر الحبيشي قرر النزوح مع أفراد أسرته من مدينة تعز إلى عدن بعد أن تقطعت به السبل ظناً منه أنه سيجد الأمان والحياة الكريمة لأسرته من قبل دول التحالف الذي أنخدع بمبررات مشاركتها في الحرب على اليمن، وحين لم يجد من تلك الوعود الزائفة قرر “وازر” البحث عن مهنة تسد رمق احتياجات أسرته فقام ببيع كل ما يملك بما فيها ذهب زوجته لفتح بسطة صغيرة يبيع فيها ملابس.
ومع اقتراب أيام عيد الأضحى المبارك أقدم الأب على أن يستدين بضاعة بأكثر من مليوني ريال من قبل تجار الجملة وكان يساعده في العمل طفله الذي كان يعمل في الصباح فيما يأتي والده للعمل في البسطة من الظهر حتى ساعات الفجر.
وازر لم يتوقع أن حقد الفصائل الانفصالية سوف يستهدف مصدر لقمة العيش فجاء عناصر من مجندي الفصائل الموالية للإمارات باسم بلدية مديرية الشيخ عثمان بقيادة المدعو “وسام معاوية” وفرضوا عليه جبايات باهظة تفوق رأس مال بضاعته التي استدانها من التجار وحين عجز عن توفير تلك الجبايات أقتحم المجندين البسطة وصادروا بضاعته وبعد يومين من مراجعته لسلطات المديرية قام المجندين بإحراق بضاعته أمام عينه الأمر الذي دفع وازر لإحراق نفسه أمام مبنى مديرية الشيخ عثمان للفت نظر العالم لمعاناة أبناء المحافظات لشمالية في مناطق لم تتسع لأبناء اليمن ولعله يشعل ثورة شعبية على غرار ما فعل محمد بوعزيزي في تونس والتي اشعلت ربيعاً عربياً في دول عربية عدة، إلا أن قضيته لم تحظى بالاستثمار الأمريكي وكيف سوف تستثمر الإدارة الأمريكية لمظلومية مواطن هي من تسببت فيها له ولأكثر من 30 مليون يمني.
وفي السياق، تناقل ناشطون وحقوقيون على منصات التواصل الاجتماعي الفاجعة وحينها سارعت قيادات السلطة المحلية في عدن لنقل الضحية إلى مستشفى أطباء بلا حدود ومنه تم نقله إلى مستشفى الجمهوري في الشيخ عثمان كون الشاب الذي أحرق نفسه أصيب بجروح من الدرجة الثالثة (حسب التقارير الطبية وتصريحات شقيق الضحية).
قلب البراءة بين الأمل والفاجعة
كالبرق الخاطف سارع نجل الضحية الذي كان يرافق والده حين أحرق نفسه وقلبه فاقد الفرح منذ أن شاهد ما قام به والده إلى باحة المستشفى الجمهوري يفترش الأرض يوميا بجانب بوابة مستشفى الجمهورية على أمل سماع خبر استعادة والده لعافيته.
لم يشفق حراس المستشفى على ذلك الطفل المفجوع على ما حل بوالده الذي أحرقت نيران الحقد والعنصرية جسد والده وهو يقضي وقت الترقب ما بين الأمل والخوف ليجبروه على العمل في رفع الحاجز الحديدي لبوابة المستشفى الرئيسية لتسهيل عملية دخول السيارات بدلاً عنهم، مقابل السماح له بالمكوث أمام بوابة المستشفى.
النشطاء أكدوا في تغريداتهم أن نجل الضحية ظل يحسب ساعات الليل والنهار الطويلة وكأنها سنون عجاف وهو يتذكر أخر مرة شاهد فيه والده الذي قبله مع شقيقته الصغرى قبلة الفراق الأبدي قبيل الذهاب إلى محرقة الذات الناتجة عن نيران البطش التي يعاني منها النازحون من أبناء المحافظات الشمالية في المناطق القابعة تحت الميليشيات الانفصالية.
المتاجرة بالضحايا