قال موقع “مودرن دبلوماسي” إن وسائل الإعلام تعمل بقوة على تغذية السرد القائل بأن السعودية و”إسرائيل” على وشك تطبيع العلاقات، وهو تطور تستثمر الولايات المتحدة موارد هائلة لتحقيقه.
وأضاف الموقع في التقرير الذي نشره اليوم الثلاثاء، بالقول: أي تحول من هذا القبيل سوف يرسل بلا شك موجات صادمة في جميع أنحاء المنطقة، ويرى المؤيدون في جميع أنحاء العالم أن هذا التحالف المحتمل يمكن أن يبشر بعصر جديد في الشرق الأوسط. ومع ذلك، فإن العواقب التي تلوح في الأفق لمثل هذه الصفقة يمكن أن تلقي بظلالها المظلمة على المنطقة، مما يشير إلى أوقات مضطربة مقبلة.
ولفت التقرير إلى أنه من أجل التعمق في تعقيدات الشرق الأوسط، من المهم فهم الاختراق التاريخي ونفود أمريكا و”إسرائيل” في المنطقة. توفر هذه الخلفية سياقًا حاسمًا لتفسير الأحداث الجارية والتطورات المحتملة.
في عام 1978، شرع الرئيس جيمي كارتر في مهمة لتأكيد النفوذ الهائل للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لقد رأى أن “إسرائيل” ومصر تلعبان دوراً فعالاً في تحقيق أهدافه ودعا قادتهما إلى إقامة علاقات طبيعية من خلال سلسلة من الاتفاقيات التي عُرفت فيما بعد باسم اتفاقيات كامب ديفيد.
وكان الفرضية الأساسية لهذه الاتفاقات هي استعادة السلام والاستقرار في المنطقة؛ ولكن بدلاً من الدخول في عصر من الهدوء والاستقرار، انزلق الشرق الأوسط في دوامة من عدم الاستقرار والحرب بعد هذا الاختراق.
ويتابع الموقع: إن الحرب الإيرانية العراقية، والغزو الأميركي للعراق، وما تلا ذلك من عدم الاستقرار الذي ابتليت به المنطقة، يمكن إرجاعه إلى النفوذ العميق والتدخل من قِبَل الولايات المتحدة وإسرائيل. وقد ترك هذا الاختراق، الذي اتسم بالتحالفات الاستراتيجية والمناورات السياسية، علامات لا تمحى على المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط. ولم تؤد التأثيرات المتتابعة لهذه الإجراءات إلى إشعال الصراعات فحسب، بل ساهمت أيضًا في خلق مناخ من عدم اليقين والتقلبات. وتستمر هذه الشبكة المعقدة من العلاقات وتداعياتها في تشكيل ديناميكيات المنطقة، مما يسلط الضوء على التأثير البعيد المدى للتدخل الأجنبي.
ونوه التقرير إلى أن هذا الاختراق فاقم التوتر الطائفي، وصعود الإرهاب، وبداية الثورات، والفساد المستشري، والانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان، وعدم الاستقرار الإقليمي.
وأشار التقرير إلى أنه بالتدقيق في سجلات التاريخ نجد أن خطاب الولايات المتحدة وإسرائيل يشوبه سفك الدماء والاحتلال والتدخل. على هذه الخلفية، قد يتساءل المرء كيف يمكن لتطبيع العلاقات بين “إسرائيل” والسعودية أن يحول عدم الاستقرار الذي طال أمده في المنطقة من تشكيل الصراع إلى نظام أمني.
وتساءل التقرير: هل من الممكن أن تختفي المشاكل التي لا تعد ولا تحصى والتي ابتليت بها المنطقة لعقود من الزمن بين عشية وضحاها؟ وحتى لو اعتُبر تطبيع العلاقات بين السعودية و”إسرائيل” أمرًا لا مفر منه، فإنه لا يعد بالضرورة بالسلام والاستقرار في المنطقة؛ بل على العكس من ذلك، من المحتمل أن يؤدي ذلك إلى تفاقم الانقسامات الطائفية وإشعال حروب بالوكالة.
ثمار التطبيع السعودي الإسرائيلي
علاوة على ذلك، فإن الصفقة المقترحة لتطبيع العلاقات بين السعودية و”إسرائيل” غارقة في الجدل. وفي حين أن هناك احتمال أن تؤتي الاتفاقية ثمارها، فمن المتوقع أن تشمل معاهدة دفاع مشترك، وضمانة أمنية، والمساعدة في تطوير البرنامج النووي السعودي، وتقليل القيود المفروضة على مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى المملكة. ومن المحتمل أن يشمل ذلك رفع الحظر المفروض على بيع الطائرات المقاتلة من طراز F-35 أو غيرها من الأسلحة المتقدمة.
وأوضح التقرير إن أي علاقات تطبيع بين السعودية “وإسرائيل” قد يقوض المصالحة الأخيرة بين إيران والسعودية، التي يسرتها الصين،
وكان المأمول أن تؤدي المصالحة بين إيران والمملكة إلى تحويل البنية الأمنية في المنطقة (وهو التغيير الذي كان ملموساً على نطاق واسع في مختلف أنحاء المنطقة). ومع ذلك، فإن هذا التقدم يمكن أن يتعرض للخطر ويثير رد فعل أقوى من جانب إيران.
ونقل التقرير ما ذكرته إيران بهذا الخصوص من أن تطبيع العلاقات بين السعودية و”إسرائيل” لا يشكل خيانة للقضايا الفلسطينية فحسب، بل هو أيضا حافز لعدم الاستقرار الإقليمي.
وأكد التقرير أنه إذا قامت السعودية بتطبيع العلاقات مع “إسرائيل”، فسنشهد صراعًا جديدًا مخيفًا. فوقوف إيران منفردة في مواجهة تحالف يضم “إسرائيل” والسعودية يمكن أن يشعل عاصفة نارية تجتاح المنطقة. إن العواقب المحتملة وخيمة، ويمكن أن تلقي بظلال طويلة لا تنتهي على المنطقة، وتغرقها في هاوية قد يكون التعافي منها مستحيلا. إن شبح مثل هذا المستقبل يشكل تذكيراً مؤثراً بالمخاطر الكبيرة التي ينطوي عليها الأمر والدراسة المتأنية المطلوبة قبل اتخاذ مثل هذه الخطوة.