تقرير: وكالة الصحافة اليمنية
مشاركة البحرين في الحرب العدوانية على اليمن وفي حصار قطر عاد على اقتصادها بالويل والثبور وعظائم الأمور تماماً كما هو حال السودان الذي أصبح يستجدي مساعدته، وعلى غراره هاهي مملكة البحرين تتوسل انقاذها من السقوط بفعل اقتصادها المنهار وديونها الكثيرة جداً.
ومن حلف الخليج (السعودية والإمارات والبحرين )..البحرين كانت أول الدول سقوطاً، فمؤشراتها الاقتصادية لا تتوقف عن الانحدار بوتيرة متسارعة متجهة نحو عمق الهاوية، دون وجود أي توقعات بتحسنها، حتى في ظل الدعم المالي الذي تتلقاه من حلفائها الخليجيين بالرياض وأبو ظبي الذين يحاربون أزمات اقتصادية ومالية لا تقل خطورتها عما تواجهه المنامة.
والمملكة الجزيرية الصغيرة ارتفعت حدة أزمتها الاقتصادية مؤخراً، بعد ارتفاع دينها العام بنسبة 23% على أساس سنوي، صعوداً من 19.3 مليار دولار إلى 23.7 مليار دولار، ليكون هذا الرقم الهائل الأعلى في تاريخ البلاد.
وبحسب بيانات مصرف البحرين المركزي، الذي كشف عنها الأحد الماضي، فإن الزيادة في قيمة الدين العام جاءت نتيجة لارتفاع إصدارات سندات التنمية الحكومية، في مارس الماضي، إلى 5.3 مليارات دينار (14.1 مليار دولار) مقارنة بنحو 4.1 مليارات دينار (10.8 مليارات دولار)، بذات الفترة من العام الماضي.
وتوزعت الديون بين الأدوات التقليدية (سندات التنمية الحكومية وأذونات الخزانة) بقيمة 7.13 مليارات دينار (18.9 مليار دولار)، والأدوات الإسلامية (صكوك تأجير وصكوك السلم) 1.81 مليار دينار (4.8 مليارات دولار)، وفق البيانات.
ويعتبر مستوى الدين الحالي هو الأعلى في تاريخ البلاد، وكان سجل في 2016 نحو 8.7 مليارات دينار ( 23 مليار دولار) و7.05 مليارات دينار (18.7 مليار دولار) في 2015، في حين كان قبل 10 سنوات (2007) نحو 616.6 مليون دينار (1.6 مليار دولار).
ويعادل الدين العام في البحرين نحو 76% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، والبالغ نحو 11.70 مليار دينار (31 مليار دولار).
– المصائب لا تأتي فرادى
ولعل المقولة الشهيرة للكاتب المسرحي الإنجليزي وليام شكسبير: “المصائب لا تأتي فرادى”، تنطبق بحذافيرها على الدولة الأشد فقراً خليجياً؛ فالدينار البحريني انهار إلى أدنى مستوياته خلال 17 عاماً الماضية، أمام الدولار إلى 0.38261.
كما كان هناك إقبال كبير من صناديق التحوط على بيع العملة البحرينية في السوق الآجلة بسبب المخاوف من الدين العام المتنامي للمملكة.
وبحسب قناة “سي إن بي سي” (CNBC) الاقتصادية الأمريكية، فإن الدينار البحريني ضعف في الأسواق الآجلة أمام الدولار، حيث ارتفعت عقود العملة الأمريكية أمام البحرينية لأجل عام إلى 407.6 نقطة، وهذا الارتفاع هو أعلى مستوى منذ نحو عامين.
كما تراجعت السندات الدولارية السيادية للبحرين استحقاق عام 2023 بواقع 0.9 سنت إلى مستوى قياسي منخفض جديد عند 87.44 سنتاً، وفقاً لبيانات “رويترز”، ونزلت سندات 2044 بمقدار 0.6 سنت إلى 68.9 سنتاً.
وإضافة إلى الدين العام المتنامي وانهيار عملتها المحلية، فإن وكالة “موديز” خفضت، مؤخراً، التصنيف الائتماني للبحرين من(Ba2) إلى (B1)، وأبقت على النظرة المستقبلية عند السلبية.
وتصنيف (Ba2) يعني أن هناك شكوكاً في القدرة الائتمانية للدولة، أما (B1) فيعني أن هناك شكوكاً عالية بالقدرة الائتمانية.
وقالت “موديز” في تقريرها حول البحرين، إن المحرّك الرئيسي لخفض التصنيف الائتماني هو الاعتقاد بأن الوضع الائتماني للحكومة في المنامة سيستمرّ في الضعف على نحو ملموس خلال الأعوام المقبلة.
وأضافت: إنه “على الرغم من بعض مساعي الإصلاح المالي فإنه لا توجد استراتيجية تعزيز ودمج واضحة وشاملة للبحرين”.
وذكرت أنه “في غياب إجراءات إضافية نشطة فإنها تتوقّع أن المنامة ستواصل تسجيل عجز بالموازنة على مدى الأعوام المقبلة”.
– استمرار ضعف الأوضاع المالية
وفي أحدث تقارير صندوق النقد الدولي حول اقتصاد البحرين، دعا مسؤول رفيع بالصندوق، في 31 مايو الماضي، الحكومة البحرينية إلى أن تسرع في إصلاح ماليتها العامة لخفض عجز الموازنة الكبير ودعم العملة المحلية.
وقال بيكاس جوشي، الذي قاد بعثة صندوق النقد إلى المنامة بهدف إجراء مشاورات سنوية مع حكومة البلاد، في تقريره: إنه “من دون اتخاذ مزيد من الإجراءات فلن تزيد الإيرادات غير النفطية بالبحرين، وسيتباطأ النمو الاقتصادي”.
وأضاف جوشي أنه “ينبغي للبحرين، على سبيل المثال، أن تدرس تعديل نظام الدعم الحكومي لتعزيز فاعليته، وتقلص فاتورة أجور القطاع العام الكبيرة”.
وقدر صندوق النقد، في تقريره، عجز ميزانية البحرين بـ11.6% من الناتج المحلي الإجمالي للعام الجاري، ويتوقّع أن يتجاوز الدين العام 100% من الناتج المحلي في 2019.
وفي تقرير آخر له صدر بأغسطس الماضي، توقع صندوق النقد تراجع معدلات نمو الاقتصاد البحريني إلى 1.6% مع نهاية العام 2018.
وذكر الصندوق، أن توقّعاته تعكس استمرار ضعف الأوضاع المالية العامة في البحرين وتراجع ثقة المستثمرين هناك.
وأشار إلى أنه على الرغم من تنفيذ البحرين تعديلاً كبيراً في المالية العامة فإن انخفاض أسعار النفط وصل بعجز الموازنة إلى 17.8% من الناتج المحلي الإجمالي.
ولفت التقرير إلى تباطؤ نموّ الودائع المصرفية والقطاع الخاص بمملكة البحرين.
وتحتاج البحرين إلى أسعار نفط عند 99 دولاراً للبرميل لتحقيق التوازن في ميزانيتها للعام 2018، بحسب صندوق النقد.
والبحرين تعتبر الأشد فقراً في الموارد النفطية بين دول الخليج، حيث تنتج نحو 200 ألف برميل من النفط الخام يومياً، منها 150 ألف برميل حصتها من حقل “أبو سعفة” المشترك مع السعودية، ونحو 50 ألف برميل من حقل البحرين.
وإضافة لكل هذه المؤشرات الحمراء، فإن احتياطات البنك المركزي البحريني من النقد الأجنبي انخفضت منذ عام 2014 بنحو 75%، لتبلغ في أغسطس الماضي 522 مليون دينار (نحو 1.39 مليار دولار).
كما تبلغ نسبة البطالة بين فئة الشباب في البحرين 20%، وفق بيانات الاتحاد العام البحريني لنقابات العمال.
وفي محاولة لإنقاذ المملكة الصغيرة من أزمة مالية حادّة، قرّرت دول السعودية والإمارات والكويت، مساء الثلاثاء الماضي، التدخّل عبر برنامج لدعم الإصلاحات الاقتصادية سيُعلن عنه قريباً.
وكشف بيان مشترك للدول الخليجية الثلاث حول تصاعد الأزمة المالية في البحرين، جاء فيه أن “الرياض وأبوظبي والكويت تُجري مباحثات مع السلطات البحرينية لتعزيز استقرار المالية العامة في المنامة”.
وقال البيان: إن “السعودية والكويت والإمارات واصلوا محادثاتهم مع البحرین لتعزيز استقرار الأوضاع المالیة فيها، وتأكید التزامهم بالنظر في كل الخیارات لتوفير الدعم اللازم وإنهاء العمل على تصمیم برنامج متكامل بهذا الشأن”.
عجز وإفلاس
وكان خبراء اقتصاد دوليّون قد حذّروا، مؤخراً، من أن البحرين ستصبح غير قادرة على تمويل دَينها بأسعار فائدة معقولة في الأسواق الدولية.
وفي نوفمبر الماضي، ذكرت وكالة “بلومبيرغ” أن البحرين طلبت من بعض الدول الخليجية مساعدتها مالياً لتعزيز احتياطيّاتها من النقد الأجنبي وتجنّب هبوط عملتها.
لكن موقف هذه الدول كان صلباً ضد الطلب البحريني، إذ ردّت بدعوة المنامة إلى “مزيد من السيطرة على مواردها المالية، وضبط إدارتها لها”.
المحلل الاقتصادي المختص في الشؤون الخليجية، عبد الرحمن العساف، علق على الأزمة الاقتصادية البحرينية، قائلاً: إن “الأزمة الخليجية أحد أهم العوامل المتسببة بهذه الكارثة الخطيرة التي وصلت إليها البحرين”.
وأوضح العساف، في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أن حجم التبادل التجاري بين قطر والبحرين كان يبلغ- قبل أن تشترك الأخيرة بمقاطعة الدوحة مع السعودية ومصر والإمارات- أكثر من 700 مليون دولار أمريكي.
وعلى أثر الأزمة أوقفت البحرين، كما السعودية والإمارات ومصر، جميع علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع قطر.
ويعتقد العساف أن هدر الأموال العامة والفساد يستنزف جزءاً كبيراً من موارد الدولة المالية أيضاً، مشيراً إلى أن ترتيب البحرين في مؤشر مدركات الفساد، الصادر عن مؤسسة الشفافية الدولية، تراجع خلال السنوات الأخيرة.
وأظهر المؤشر أن المنامة تراجعت 20 مرتبة خلال عام واحد فقط، لتحتل في العام 2016 المرتبة 70 عالمياً، بعد أن كانت تحتل الترتيب 50 في العام السابق له.
ورأى المحلل الاقتصادي أن حجم الديون الكبير والمؤشرات الاقتصادية السيئة للبحرين يعكس عدم وجود استراتيجية مالية قوية للبلاد.
واعتبر أن من بين أهم أسباب ارتفاع الديون البحرينية أيضاً العجز المتزايد في ميزان المدفوعات بسبب ارتفاع فاتورة الواردات السلعية في مقابل تراجع الصادرات، مما خلق عجزاً في الميزان التجاري تم تغطيته من خلال الاقتراض.
وبلغت قيمة العجز في الميزان التجاري البحريني خلال العام الماضي، نحو 2.329 مليار دينار (6.19 مليارات دولار)، وفق بيانات صادرة عن الجهاز المركزي للمعلومات المسؤول عن الإحصائيات الرسمية.
ووفق ذات البيانات بلغ إجمالي الواردات غير النفطية في البحرين 1.293 مليار دينار (3.44 مليارات دولار) خلال الربع الأول من العام 2018.
في حين بلغت الواردات 1.124 مليار دينار (2.99 مليار دولار) خلال الفترة ذاتها من العام 2017، أي بارتفاع مقداره 12.6%.
وفي المقابل بلغ إجمالي الصادرات غير النفطية 655.970 مليون دينار خلال الفترة ذاتها، وكانت الصين والإمارات أكثـر الدول تصديراً للبحرين.
وعلى ذات الصعيد، أكد العساف أن من ضمن أسباب لجوء البحرين للاقتراض بهذا الشكل الواسع تسديد “خدمة الدين”، وهي المبالغ التي يتم سدادها مقابل الحصول على القرض، وتشمل فوائد وعمولات ارتباط ومصروفات.
وحذر المحلل الاقتصادي من أن البحرين ستواجه كارثة اقتصادية قد تدمر اقتصادها كلياً، أو تحولها نحو تكرار النموذج اليوناني، في حال لم يتم تقديم المساعدات المالية اللازمة لها من بقية الدول الخليجية.
وأزمة الدين الحكومي عصفت بالاقتصاد اليوناني عام 2010، وذلك بعد تخلّف الحكومة عن سداد ديونها وارتفاع معدلات الفائدة عليها نتيجة مخاوف المستثمرين من عدم قدرة أثينا على الوفاء بديونها في ظل ارتفاع معدلات عجز الموازنة وتصاعد حجم الدين.
وهدّدت الأزمة اليونانية استقرار منطقة اليورو، آنذاك، وطرحت فكرة خروج اليونان من المنطقة الاقتصادية، إلا أن أوروبا قرّرت تقديم المساعدة إلى اليونان مقابل تنفيذها لإصلاحات اقتصادية وإجراءات تقشّف تهدف إلى خفض العجز بالموازنة العامة.