تقارير: وكالة الصحافة اليمنية
ربما يكون ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان» قدم نفسه على أنه قائد التحديث في البلاد الذي سيقوم بمهمة إصلاح القيود الاجتماعية المتداعية، لكنه يكافح الآن من أجل تعزيز ثروات البلاد المالية، حيث يعاني الاقتصاد من أزمة ثقة.
ولقد عانت المملكة بشدة من انهيار أسعار النفط، وهي تعاني الآن من هبوط في الاستثمارات الأجنبية، وارتفاع مستويات تدفق رؤوس الأموال إلى الخارج، حيث يحاول زعيمها الفعلي «محمد بن سلمان» تعزيز سلطته وتوجيه الاقتصاد إلى مسار جديد.
هجرة العمالة توجع الاقتصاد
ولكن طموحات ولي العهد تسببت في حالة من عدم اليقين، ومن ذلك خططه غير المعتادة لتحديث الاقتصاد والتي تعثرت بسبب كفاح المملكة الواضح لملء الوظائف في القطاع الخاص، التي خلت بسبب الهجرة المتزايدة للمغتربين.
وحتى أبريل/نيسان، غادر أكثر من 800 ألف شخص البلاد منذ أواخر عام 2016، وما يثير قلق الشركات المحلية هو أنه لا يمكن استبدال الأجانب بسهولة.
ويأتي رحيلهم كجزء من محاولة «بن سلمان» لفطم البلد عن اعتمادها على النفط، عبر التنويع الاقتصادي، والذي يتضمن عنصرا مهما يتمثل في محاولة إقناع السعوديين بترك الوظائف الحكومية، التي تشكل ثلثي الوظائف المحلية، والذهاب للعمل على شغل الشواغر الجديدة في القطاع الخاص.
وتريد السلطات توليد 450 ألف فرصة للسعوديين في القطاع الخاص بحلول عام 2020.
وسعى «بن سلمان» إلى تسريع هجرة العمال الأجانب، الذين يشكلون حوالي ثلث السكان، من خلال تعزيز عملية ما يسمى بـ«السعودة»، وهي عبارة عن خلق قوة عاملة محلية أكثر إنتاجية.
وتم رفع الرسوم المفروضة على الشركات التي توظف غير السعوديين، وطلب من الأجانب دفع رسوم سنوية مقابل استقدام كل فرد من أسرهم، وقيدت القطاعات التي يمكنهم العمل فيها، وصارت الوظائف في العديد من المجالات مثل تجارة التجزئة والخدمات مقصورة على السعوديين.
ويقال إن هذه الإجراءات هي التي تقود نزوح المغتربين، الذي ينعكس في الانكماش الملحوظ في سوق العقارات المستأجرة ومراكز التسوق الفارغة.
وبينما اعتادت المملكة الاعتماد على الحرفيين الأجانب ذوي المردود العالي في الوظائف الشاقة، فإن غالبية الأجانب في البلاد هم من الشرق الأوسط وآسيا، ويعمل الكثير منهم في وظائف منخفضة الأجر في القطاعات التي أصبحت مخصصة الآن للسعوديين.
الشركات مهددة بالإغلاق
ويواجه أصحاب الأعمال السعوديون صعوبات في الحصول على موظفين من السكان المحليين، الذين اعتادوا على العمل المريح في القطاع الحكومي، ومزايا البطالة السخية.
وتشير التقارير إلى أن العديد من السعوديين يترددون بسبب ما يعتبرونه وظائف ضعيفة الأجور وذات وضع متدنٍ، ويبدو أن مشاكل التوظيف قد أثارت الكثير من المخاوف التي دفعت لأن يتم عرضها على صفحات صحيفة «سعودي جازيت»، وهي الناطقة باسم الحكومة، والتي عادة ما تحتوي على قصص عن الحياة في المملكة.
وفي فبراير/شباط، أفادت النشرة بأن عددا من رؤساء الغرف التجارية والصناعية قد طالبوا الحكومة بإعفاء القطاع الخاص من السعودة الكاملة بنسبة 100%، خاصة في الوظائف التي يصعب ملؤها، كما هو الحال في أعمال البناء، وسط مخاوف من أن تغلق العديد من الشركات أبوابها.
وفي مايو/أيار، تم الكشف عن إصدار ما يزيد على 5 آلاف غرامة للشركات التي تنتهك قواعد السعودة خلال ثلاثة أشهر فقط، في قطاعات تتراوح من الاتصالات إلى الفنادق إلى تأجير السيارات.
وأفادت تقارير أن العديد من الشركات تتحايل على شرط حصص الموظفين المحليين من خلال توظيف السعوديين ودفع رواتب صغيرة مقابل وظائف وهمية، وهي عملية يطلق عليها «السعودة المزيفة»، ما دفع البعض إلى الدعوة إلى إعادة النظر في تأميم سوق الوظائف.
وفي ديسمبر/كانون الأول، قدم الكاتب «محمد باسناوي» نظرة ثاقبة على مخاوف القطاع الخاص بشأن تلك السياسة وعواقبها المحتملة.
وقال الكاتب السعودي: «يقول أرباب العمل إن الرجال والنساء السعوديين كسولين وغير مهتمين بالعمل، ويتهمون الشباب السعودي بتفضيل البقاء في المنزل بدلا من القيام بعمل منخفض الأجر لا يليق بالوضع الاجتماعي لباحث سعودي عن العمل».
وأضاف أن السعودة المزيفة «قد تخلق جيلا من الشبان والشابات غير المهتمين بالعثور على وظيفة، والذين يفضلون الحصول على أموال مقابل عدم القيام بأي شيء».
ومع ذلك، يبدو من غير المحتمل أن تتراجع السلطات عن السعي إلى تحقيق «السعودة».
ويأمل «بن سلمان» في توليد نحو 17.33 مليار دولار عبر الضرائب الجديدة على العمالة الوافدة بحلول عام 2020، من أجل المساعدة في معالجة العجز في الميزانية، المتوقع أن يصل إلى 52 مليار دولار في عام 2018، وتمويل مشاريع اقتصادية جديدة.
لكن النقاد يتساءلون عما إذا كانت الضريبة المتوقعة ستعوض خسارة الإنفاق الاستهلاكي الناتج عن رحيل الأجانب، حيث إنه حتى أولئك الذين يبقون من المرجح أن يرسلوا أقاربهم إلى بلادهم بسبب الرسوم المفروضة على الأسر.
وقال «طارق المينا»، وهو مقيم في جدة، لصحيفة «جلف نيوز»، في أكتوبر/تشرين الأول، إن «فرض الضرائب على المغتربين، قبل تحول المملكة إلى اقتصاد منتج يعتمد على الصناعة، مثل وضع العربة قبل الحصان».
وكتبت «كارين إي يونغ»، من معهد دول الخليج العربي في واشنطن، في مدونة المعهد في فبراير/شباط، إن الأمر سيستغرق 10 أعوام أو أكثر لإنشاء طبقة عاملة من السعوديين الراغبين في القيام بوظائف قطاع الخدمات والبيع بالتجزئة والبناء.
تراجع الاستثمارات
وفي غضون ذلك، تضعف آمال «بن سلمان» في زيادة رأس المال من مصدر آخر، حيث أدت حملته ضد الأمراء ورجال الأعمال أواخر العام الماضي في حملة لمحاربة الفساد لجمع 100 مليار دولار، إلى هز ثقة المستثمرين، وكان لا بد من كبح خطة لخفض الإعانات العامة في مواجهة التذمر العام.
وعلى الرغم من أن الجولة التي حظيت بتغطية إعلامية كبيرة للعواصم الغربية في وقت سابق من هذا العام مكنت «بن سلمان» من صقل صورته الذاتية كمصلح اجتماعي واقتصادي، فإنه من غير الواضح ما إذا كانت جولته الدبلوماسية تحظى باهتمام المجتمع التجاري السعودي والمستثمرين في الغرب.
وقد تراجعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة من 7.5 مليار دولار في عام 2016 إلى 1.4 مليار دولار في العام الماضي، وهو أدنى مستوى في 14 عاما، بحسب أرقام الأمم المتحدة.
علاوة على ذلك، في نوفمبر/تشرين الثاني، قالت دراسة أعدها معهد التمويل الدولي إن تدفقات رأس المال السعودي إلى الخارج في عام 2017 تقدر بمبلغ 101 مليار دولار، أي 15% من الناتج المحلي الإجمالي.
وقال معهد التمويل الدولي إن هروب رؤوس الأموال من المملكة ساهم في الانخفاض الكبير في الاحتياطيات الرسمية، وهناك مؤشرات قوية على أن نسبة من هذه التدفقات الخارجة تمت بسبب تحويل رجال الأعمال الكثير من أصولهم السائلة إلى الخارج.
ولحسن الحظ بالنسبة لـ «بن سلمان»، فإن ارتداد أسعار النفط قد أعطى بعض الراحة المالية. وقد شهدت الاحتياطيات الأجنبية، التي استخدمت جزئيا لتمويل عجز الموازنة، ارتفاعا شهريا بأكثر بقليل من 13 مليار دولار، إلى ما يقرب من 499 مليار دولار، في أبريل/نيسان، وهو رقم ما زال بعيدا عن ذروته قبل ٤ أعوام، عندما وقف عند 737 مليار دولار.
وفي حين أنه قد يكون لديه المزيد من الأموال تحت تصرفه، لكن «بن سلمان» لا يمكنه الاستمرار إلى أجل غير مسمى في السحب منها، ولا الاعتماد على إصدارات السندات، لسد النقص في الميزانية.
ومع ذلك قد لا يكون لديه خيار، ومع انخفاض ثقة رجال الأعمال السعوديين والمستثمرين الأجانب في الاقتصاد في مثل هذا التدهور، تقبع السعودية تحت الضغط، وسوف يمر وقت قبل أن يتمكن القطاع الخاص من مساعدتها على تحقيق التوازن.