وكالة الصحافة اليمنية//
نشر موقع “ميدل إيست آي” البريطاني تقريرا، تحدث فيه عن استخدام القوات المسلحة الإماراتية الأجانب والمرتزقة لتحارب في معاركها.
وقال الموقع، في التقرير الذي كتبه “جوش وود”، إن “الخبرات والعمالة الأجنبية الممولة بالدولارات النفطية هي التي بنت مدن الإمارات العصرية واقتصادها المزدهر، وهذا هو حال الجيش الإماراتي”.
وأشار وود إلى الاتهامات التي توجه للإمارات العربية المتحدة في حرب اليمن، حيث اتهمت بعدد من جرائم الحرب، تتراوح ما بين قصف الأهداف المدنية وما بين تعذيب السجناء في مراكز الاعتقال.
وفيما يلي التقرير كاملا، :
في صحراء موجاف بولاية كاليفورنيا العام الماضي، وقف رجل أمريكي يضع على رأسه خوذة، وعلى بدنه سترة واقية، في مقدمة طابور من أفراد القوات الإماراتية يمتشقون بنادقهم، جاءوا إلى الولايات المتحدة للحصول على تدريب عسكري.
يقول الرجل، مخاطبا الكاميرا بلهجة أمريكية واضحة، بينما تمسك أصابعه بأطراف سترته الثقيلة الواقية من الرصاص: “اسمي الجنرال ستيفين إيه توماجان، وأنا الآمر العام للقيادة الجوية المشتركة في دولة الإمارات العربية المتحدة”.
لم يجانب الصواب فيما قاله. فالجنرال توماجان، العقيد السابق في الجيش الأمريكي، هو فعلا الضابط الذي يقود فرع المروحيات العسكرية في دولة الإمارات العربية المتحدة. يرتدي الزي العسكري الإماراتي، ويصدر الأوامر للقوات الإماراتية، وعندما يلتقي بنظرائه الأمريكيين يعرف نفسه على أنه جنرال في قوات عسكرية أجنبية.
كما أن الخبرات والعمالة الأجنبية الممولة بالدولارات النفطية هي التي بنت مدن الإمارات العصرية واقتصادها المزدهر، هذا هو حال الجيش الإماراتي أيضا. ففي الحرب التي تخوضها في اليمن، وطمعا في أن تصبح القوة المهيمنة في الشرق الأوسط برا وجوا وبحرا، تعتمد الإمارات بشكل أساسي على الخبرات الأجنبية لتطوير وتوجيه جيشها.
فمن ضباط آمرين مثل توماجان إلى مختلف رتب المرتزقة والمدربين، بات الأجانب هم العمود الفقري الذي تعتمد عليه القوات العسكرية الإماراتية.
يقول دافيد روبرتس، الأستاذ المساعد في كينغز كوليج بجامعة لندن والخبير في شؤون الخليج: “إذا ما أردنا أن نختار عاملاً، يبدو لي أن الطريقة التي تستخدمها دولة الإمارات العربية المتحدة في تجنيد الأجانب والاستفادة منهم هي العامل المركزي الذي مكن الجيش الإماراتي من اكتساب ما لديه من قدرات. ورغم أن جميع القوات في دول الخليج توظف وتجند الكثير من الأجانب، إلا أن الوضع في حالة دولة الإمارات العربية المتحدة مختلف، والنتيجة هي جيش أكثر فعالية”.
أجانب بزي عسكري إماراتي
وليس توماجان القائد الأجنبي الوحيد في القوات العسكرية الإماراتية. فهذا هو الأسترالي مايك هندمارش الذي يقود الحرس الرئاسي، والذي يعتبر واحداً من أكثر القوات المقاتلة نخبوية في العالم العربي اليوم، وله نشاط ملحوظ في اليمن.
ليس واضحا بالضبط ما يقوم به توجومان وهندمارش من دور.
يقال بأن الحرس الرئاسي هو الذي يقود انتشار القوات الإماراتية في اليمن، ويعتقد بأن هندمارش يتلقى الأوامر مباشرة من ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد.
ومع ذلك ينفي توماجان الدور الذي ينسب إليه في الجيش الإماراتي، وقد صرح لموقع بازفيد في وقت مبكر من هذا العام بأنه لا توجد لديه قوات تحت إمرته في اليمن وأنه لم يؤد يمين الولاء لدولة الإمارات العربية المتحدة.
بل وصف نفسه بأنه “مقاول مدني” على الرغم من تقلده رتبة في الجيش الإماراتي وقيامه بتمثيل دولة الإمارات العربية المتحدة واعتباره قائدا عسكريا أجنبيا من قبل قيادات القوات العسكرية الأمريكية.
يقول روبرتس، الخبير من كينغز كوليج، إن القادة العسكريين ليسوا مجرد رموز وأشكال، بل الأغلب أنهم يلعبون أدوارا مهمة. وأضاف: “أفترض أنهم يقومون بدور مؤثر في عملية التخطيط حيث يعملون جنباً إلى جنب مع كبار المسؤولين الإماراتيين.”
ثمة ضباط غربيون آخرون يرتدون الزي العسكري لدولة الإمارات العربية المتحدة ويتقلدون رتبا عسكرية أيضا، ولكن يظهر أن دورهم محصور في القيام بمهام تدريبية.
الإبقاء على الجيش الإماراتي عائما
هناك شركة إماراتية اسمها نوليدج بوينت (نقطة المعرفة)، وهذه الشركة توظف عددا ضخما من الضباط الأمريكيين السابقين الذين يكلفون بالقيام بمهام تدريبية وتقديم المشورة للقوات الإماراتية.
ورغم أن بعض ما يقومون به من أعمال لا يتجاوز المهام الاعتيادية مثل تأليف الكتب الدراسية العسكرية، إلا أن أحد الموظفين يعرف نفسه على أنه “كبير المستشارين لدى قائد القوات البرية”.
وهناك موظفون آخرون يعرفون أنفسهم من خلال المواقع على الإنترنيت بأنهم يقومون تحديدا بتجهيز القوات الإماراتية وإعدادها للقتال في اليمن.
يقول شون ماكفيت، وهو مرتزق سابق يقوم حاليا بإجراء دراسات ووضع كتابات حول المقاولين العسكريين في القطاع الخاص، إن مثل هذه الأمور تجذب الضباط المتقاعدين في الولايات المتحدة.
ويضيف: “يهوى ذلك كبار الضباط لأن الواحد منهم يخدم في الجيش لخمسة وعشرين عاما ثم يتقاعد في سن الخامسة والأربعين أو الخمسين، فإذا كان فردا من المشاة، فما الذي سيفعله بعد تقاعده؟ يعمل في سوق والمارت؟ لا. بإمكانه أن يجني مالا أكثر بهذه الطريقة، وبإمكانه أن يستثمر ما لديه من خبرات ومهارات.”
أما بيكا واسر، المحللة السياسية في مؤسسة راند والمتخصصة في قضايا الجيش الأمريكي والسياسات الخارجية في الشرق الأوسط، فتقول إن القوات الإماراتية تستفيد من تلقي التدريب جنباً إلى جنب مع القوات الأمريكية والفرنسية، بالإضافة إلى تواجدها في أفغانستان. ولكنها تضيف بأن الجيش الإماراتي يعتمد على الأجانب الذين يوظفون بهدف تشغيله وتطوير قدراته.
وتضيف: “تتعزز نشاطات التعاون الأمني من خلال درجة عالية من المساندة التي يقدمها للقوات المسلحة الإماراتية مقاولون عسكريون مستأجرون، وبشكل خاص في مجال اللوجستيات والصيانة.
يشتمل هؤلاء المقاولون على عسكريين سابقين من الولايات المتحدة ومن غيرها من البلدان، ويناط بهم في العادة القيام بنصيب الأسد من المهام غير الجذابة، ولكنها المهام التي تساعد على إبقاء الجيش عائما”.
الحرب بعناصر خارجية
ليس جديدا تماما اعتماد الجيش الإماراتي على الأجانب. ففي عام 2010 كلف مؤسس شركة بلاكووتر إريك برينس بتشكيل جيش من المرتزقة في الإمارات العربية المتحدة لمواجهة أي احتجاجات محتملة من قبل العمال أو من قبل المطالبين بالديمقراطية.
ويذكر أن وزير الدفاع الأمريكي الجنرار جيم ماتيس كان قبل أن ينضم إلى إدارة ترامب قد حصل عام 2015 على إذن من قوات مشاة البحرية في الولايات المتحدة للعمل مستشارا عسكريا لدى الإمارات.
كما تتهم الإمارات العربية المتحدة بإرسال مئات المرتزقة من أمريكا اللاتينية، من عناصر جيش البنادق المستأجرة الذي أسسه برينس، للقتال في اليمن.
ومع أن القوات الإماراتية انتشرت في اليمن وتلعب هناك دورا أساسيا، إلا أنها أحالت معظم المهام القتالية إلى حلفائها المحليين المعادين للحوثيين، الأمر الذي قلل نسبة الإصابات في صفوف الإماراتيين.
يقول المرتزق السابق ماكفات إن مثل هذه السياسة تخفض الحواجز التي تعيق الدخول في الحرب.
ويضيف: “يبدو أن القدرة على تكليف آخرين بالقيام بمهام القتال من شأنها أن تزيد من الحروب في المستقبل، وهذا هو الأمر الخطير في الموضوع. وهذا أشبه باستئجار سيارة لست مضطرا لتكبد تكاليف ما يلحق بها من أضرار على المدى البعيد، فحينها لن تتورع عن قيادتها بسرعة حتى فوق المطبات التي يقصد منها حملك على خفض السرعة. لو كانت تلك السيارة ملكك أنت لما فعلت ذلك بها بتاتا.
وهؤلاء (المرتزقة) أشبه ما يكونون بالسيارة المستأجرة، حيث أن بإمكانك من خلال استخدامهم أن تتصرف بشكل أكثر رعونة، وما ينجم عن ذلك هو الاندفاع نحو إشعال مزيد من الحروب وإطالة أمدها، بينما ما كان شيء من ذلك ليحدث في الأحوال الاعتيادية”.
يبدو أن الطموحات العسكرية الإماراتية مستمرة في التنامي
فالإمارات العربية المتحدة تخوض حربا في اليمن، ويقال إن السلطة فيها فكرت في اللجوء إلى العمل العسكري ضد قطر، وفي شرق أفريقيا أقامت الإمارات قاعدة لها في إريتريا، وتخطط لإقامة قاعدة فيما يعرف بأرض الصومال، وهي منطقة شبه مستقلة داخل الصومال.
ولدعم طموحاتها العسكرية، فرضت الإمارات العربية المتحدة في عام 2014 الخدمة العسكرية الإلزامية لمدة عام واحد على الرجال الذين تتراوح أعمارهم ما بين ثمانية عشرة عاما وثلاثين عاما. ويوم الأحد، اتخذت الإمارات قرارا بتمديد فترة الخدمة العسكرية الإلزامية إلى ستة عشر شهرا.
تقول بيكا واسر: “إنهم يجازفون بالتمدد إلى أبعد مما يحتملون، وخاصة إذا ما قارنا ما يقومون به من نشاطات بما يتوفر لديهم من موارد أساسية محدودة، ومن أبرزها أن تعداد سكانهم قليل. ولذلك من المحتمل أن تستمر القوات الإماراتية في تعزيز حجمها الصغير من خلال الاستعانة بعناصر غير إماراتية لإسناد المهام غير القتالية”.
الوضع القانوني المبهم
وإذ تدخل حربها في اليمن عامها الرابع، تتهم الإمارات العربية المتحدة بعدد من جرائم الحرب تتراوح ما بين قصف الأهداف المدنية وتعذيب السجناء في مراكز الاعتقال.
ولذا يطرح الآن السؤال التالي: ماذا يحدث عندما ترتكب قوات تحت إمرة قائد أجنبي جريمة حرب؟
تقول ريبيكا هاميلتون، أستاذ القانون المساعد في الجامعة الأمريكية في واشنطن العاصمة، يصعب ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب عندما يكون دور الضابط المسؤول مبهما.
وتضيف: “إن من الصعوبة بمكان في حالة ارتكاب جرائم الحرب الحصول على المعلومات التي تريد، وإثبات صحة هذه المعلومات وتحميل المسؤولية فيها لفرد بعينه”.
ثم هناك مسألة من أين ينحدر الضابط الأجنبي المسؤول. يمكن نظريا محاكمة الضابط الأجنبي القادم من المملكة المتحدة أو من أستراليا أمام المحكمة الجنائية الدولية، لكن لو كان الضابط أمريكيا فهذا غير وارد؛ نظرا لأن الولايات المتحدة ليست من الموقعين على النظام الأساسي الذي بموجبه أقيمت المحكمة.
يوجد لدى الولايات المتحدة منذ عام 1996 قانون يعرف باسم “قانون جرائم الحرب”، وهو قانون يسمح بمحاكمة من يتهم بالقيام “بانتهاكات جسيمة” لمعاهدات جنيف، إلا أن القانون لم يستخدم بتاتاً حتى هذه اللحظة. تقول هاميلتون إن تفعيل القانون يتطلب توفير أدلة دامغة – بالإضافة إلى توفر إرادة سياسية كافية.
رغم أن من يقرأ من الأمريكيين ما طبع داخل جوازاتهم بالخط الصغير قد يتذكر ذلك السطر الذي ينص على أن من يخدم منهم في جيش أجنبي يمكن نتيجة لذلك أن يفقد جنسيته الأمريكية، إلا أن الواقع أكثر تعقيدا من ذلك بكثير.
وذلك أن أي مواطن أمريكي يمكن بموجب القانون أن يفقد جنسيته فيما لو قام طوعا -وعن قصد وإصرار- بالانضمام إلى جيش أجنبي يقوم بأعمال عدائية ضد الولايات المتحدة أو فيما لو التحق للخدمة كضابط في أي جيش أجنبي.
كما أن بند الأجور والأتعاب في الدستور الأمريكي يحظر على ضباط الجيش السابقين التقدم للعمل لدى القوى الأجنبية باستثناء الحالات التي يحصل أصحابها على موافقة من الكونجرس على القيام بذلك.
ولذلك، طالما أن توماجان لا ينوي التخلي عن جنسيته الأمريكية وحصل على إذن بالعمل لدى الإماراتيين، فلا إثم عليه.
وطالما أن الضباط الأجانب الذين يستمرون في الخدمة داخل جيش متهم بارتكاب جرائم حرب لا يواجهون خطر المساءلة أو المحاسبة، فما من شك في أن هذا الوضع يغري آخرين بسلوك الدرب ذاته.
وفي ذلك، تقول الأستاذ المساعد في القانون، ريبيكا هاميلتون: “على العموم، أينما وجد قانون في الكتب لا يراه الناس يطبق في أرض الواقع، فإنه قانون لا يأبه به الناس؛ لأنه لا يشكل رادعا لأحد. وطالما أن القوانين التي تحرم جرائم الحرب لا تطبق، فإن الرسالة التي تصل إلى مرتكبي هذه الجرائم مفادها أنه لا حاجة بكم لأن تقلقوا”.