متابعات/وكالة الصحافة اليمنية//
يوما بعد يوم ترتفع أصوات ضباط وجنود في قوات الاحتلال الإسرائيلي يتحدثون عن غرقهم في وحل غزة، وفقدان قيادتهم البوصلة، ثم تتعالى في كلماتهم وتصريحاتهم نبرة التشاؤم من القادم الذي “سينفجر في وجوهنا” عاجلا أم آجلا، حسب قول أحدهم.
ما بدا إجماعا في كيان الاحتلال الصهيوني في بداية العدوان على قطاع غزة، انخرم مع الوقت، حيث عاد الساسة إلى انقساماتهم وصراعاتهم، أما الضباط والجنود، فقد أخذت صيحات الشكوى وتأوهات الألم الصادرة عن عديد منهم منحى تصاعديا تزداد وتيرته يوما بعد آخر.
وتشي تلك التصريحات بتصاعد الغضب والسخط داخل قوات الاحتلال الإسرائيلي، في ظل استمرار تغاضي “الحكومة” التي يقودها “بنيامين نتنياهو” عن التوصل إلى اتفاق مع المقاومة يفضي إلى انتهاء الحرب وعودة الأسرى الصهاينة في قطاع غزة.
في المادة التالية نسلط الضوء على بعض تصريحات العسكريين من ضباط وجنود بشأن واقع الحرب في غزة وما يعانيه الجنود من ويلاتها ومآسيها:
عشرات الدبابات ما زالت عالقة
كشف الجنرال الإسرائيلي المتقاعد “إسحاق بريك” عن أن عشرات الدبابات المعطوبة لا تزال عالقة بانتظار سحبها إلى خارج القطاع، وقال إنه تلقى شكاوى من جنود تتعلق بتعطل المعدات ونقصها.
ونقلت صحيفة “معاريف” العبرية أنه تحدث عما سماها “فوضى عارمة” بين الجنود في قطاع غزة لا يتم الحديث عنها بوسائل الإعلام تتعلق بالمعدات والخدمات اللوجستية.
كما كشف معلومة أخرى أنه تم إبلاغ “نتنياهو” بعد 7 أكتوبر الماضي بعدم جاهزية “الجيش” للحرب فورا لوجود جنود لم يتدربوا منذ 5 سنوات، فضلا عن النقص في المعدات.
وبشأن ما يواجه جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، قال بريك: “كل يوم يقتل جنودنا، ويصابون بجروح خطيرة بسبب الفخاخ والمتفجرات عندما يدخلون المنازل المفخخة من دون أي تفتيش، ولا يتخذون التدابير المناسبة قبل الدخول”.
وأضتف: إن بلاده خسرت الحرب مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بقطاع غزة، مؤكدا أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية غير مستعدة لحرب إقليمية واسعة، ستكون أصعب وأخطر بآلاف المرات من الحرب الجارية في قطاع غزة.
وفي مقال له بصحيفة معاريف -نشر الأحد الماضي- قال بريك إنه “لا يمكنك الكذب على كثير من الناس لفترة طويلة”، وإن “ما يجري في قطاع غزة وضد حزب الله في لبنان سينفجر في وجوهنا عاجلا أم آجلا، وحينها ستنكشف الحقيقة بكل خفاياها”.
وانتقد بريك قيام رئيس الأركان الإسرائيلي “هرتسي هاليفي” بسلسلة تعيينات في الجيش، معتبرا أنه “منعزل عن الواقع، وفقد السيطرة على الأرض منذ وقت طويل، لكنه بدأ بتعيين عقداء ومقدمين على شاكلته وصورته”، وفق تعبيره.
وفي تقييم إجمالي لما يجري، قال بريك “لقد خسرنا الحرب مع حماس، كما أننا نخسر حلفاءنا في العالم بمعدل مذهل. وقد أزيل هدف القضاء الكامل على حماس من جدول الأعمال، كما أننا لم نعد المختطفين أحياء إلى الوطن بعد”، وفق قوله.
وأردف الجنرال السابق أن ما وصفها بالمناورة (الهجوم البري على قطاع غزة) التي هلل لها القادة الإسرائيليون، لم تصمد أمام الاختبار، ولم تحقق النتيجة التي كان الجميع يأمل فيها.
موبخا السياسيين: يتعين أن تكونوا جديرين بنا
وقف عميد إسرائيلي أمام دبابة على أطراف قطاع غزة وقطع كلمته عن الحرب ضد حركة حماس ليوجه توبيخا عبر التلفزيون للزعماء السياسيين في “إسرائيل”.
وحث العميد “دان غولدفوس” السياسيين “من كل الأطياف” على نبذ التطرف والاتحاد وتجنب العودة إلى الوضع الذي سبق الصراع في أكتوبر حين أدى الشقاق السياسي وأشهرٌ من الاحتجاجات إلى استقطاب شديد في “إسرائيل”.
وقال “غولدفوس” -في إفادة صحفية بثتها القنوات التلفزيونية الرئيسية في “إسرائيل” يوم 13 مارس الجاري- إنه “يتعين أن تكونوا جديرين بنا، أن تكونوا جديرين بهؤلاء المقاتلين الذين فقدوا حياتهم”.
لاحقا، قال باراك ريشر (42 عاما) الذي أنهى خدمة الاحتياط لمدة 5 أشهر، تعليقا على تصريحات غولدفوس “لقد تحدث نيابة عن كثيرين يشعرون بأنهم يضحون بحياتهم ووقتهم في حين ينشغل السياسيون بتفاهات السياسة”.
“الحكومة” تخلت عنا
جندي آخر هو “ريف أربيل” (25 عاما) كان يفترض أن يبدأ دراسته أكتوبر الماضي، لكنه وجد نفسه يقاتل في غزة لمدة 120 يوما، وقال إنه خلال هذه الفترة أصيب طاقمه بصاروخ مضاد للدبابات.
وشأنه شأن كثيرين من جنود الاحتياط، قال “أربيل” إنه شعر بأن الحكومة تخلت عنه بعد عودته إلى الحياة المدنية.
ومضى يقول “عدت من خدمتي في “قوات الاحتياط” وأحتاج إلى شراء أغراض البقالة والأسعار مرتفعة والإيجار على وشك الارتفاع، والسياسيون لا يظهرون أي اهتمام بحياتي. لا يشغلهم إلا بقاؤهم السياسي”.
المقاومة بدأت حرب العصابات
قال اللواء الاحتياطي ومدير إدارة العمليات السابق في جيش الاحتلال الإسرائيلي “يسرائيل زيف” إن الحرب التي تدور رحاها في قطاع غزة فقدت بوصلتها، وتبدو وكأنها لا أهداف لها، مشددا على ضرورة أن تتخذ القيادة قرارا بشأنها.
وفي لقاء مع صحيفة معاريف العبرية قال الجنرال زيف، أكد “يسرائيل زيف” أن “إسرائيل” غرقت في اعتبارات عسكرية تكتيكية في قطاع غزة من دون أي تصور إستراتيجي عكس حركة حماس التي تمتلك هذا التصور، وانتقلت من مرحلة الصدام العسكري المباشر إلى حرب عصابات تلحق أضرارا بـ”الجيش الإسرائيلي”.
واعتبر الجنرال -الذي استلم بين مناصب عليا قيادةَ سلاح المظليين وفرقة غزة خلال الانتفاضة الثانية- أن حماس لم تعد تبحث عن نصر في صدام مباشر، بل ما يعنيها حاليا هو حرب العصابات، أما إسرائيل فتغرق في اعتبارات قتال تكتيكية، وتتصرف كمن يملك كل الوقت ولا يستشعر تأثير عوامل أخرى على الزمن.
وأشار إلى أن حماس، عكس الجيش الإسرائيلي، عدلت طريقة قتالها كتغيير في إستراتيجيتها، وتخوض عموما معركة مركبة، قائلا إن حرب العصابات (وبينها تكتيكات الفخاخ المتفجرة) -التي باتت تشبه حرب العصابات التي كان يخوضها حزب الله– تناسب الحركة وتلحق خسائر بإسرائيل، لأن جيشها في صورته الحالية ليس مُصمَّما لتبقى فرقه في كل بقعة من غزة.
وأوضح أن إسرائيل من دون دعم من حلفائها لن تكون قادرة على الاستمرار وهزيمة حزب الله في الشمال، مؤكدا أن إسرائيل نفسها ستتضرر عسكريا.
وأعرب عن اعتقاده أنها في وضع خطير للغاية، لافتا إلى أن استمرار هذه الوضعية ينم عن انعدام روح المسؤولية الوطنية من وجهة نظر أمنية وبشكل عام.
لنخرج من التجمعات السكنية
اعتبر جنرال الاحتياط في الجيش الإسرائيلي “يتسحاق بريك” أن “الجيش” يبتعد عن تحقيق أهداف الحرب، ويغرق أكثر فأكثر في “وحل غزة”.
وكتب في صحيفة معاريف “مع مرور الوقت، نبتعد أكثر فأكثر عن تحقيق أهداف الحرب: القضاء على حركة حماس وإطلاق سراح المختطفين؛ ونغرق أكثر فأكثر في وحل غزة”.
وقال إن هناك مواقف في الحرب تجب إعادة النظر في مسار العمل فيها، إذ “يتضح اليوم للجيش أنه في هذه المرحلة لن يكون من الممكن تحقيق الهدف الذي نسعى من أجله”.
وتابع بريك “مجرد الاعتراف بعدم وجود نية للدخول إلى رفح، حيث تسيطر حماس سيطرة كاملة، لأنها المكان الأكثر ازدحاما في غزة والشرق الأوسط بأكمله، حيث يعيش مليونا لاجئ في مخيمات اللاجئين، وبيئتهم مزدحمة بشكل رهيب، ولذلك من المستحيل مهاجمة هذه المخيمات، وبكلمة واحدة، من المستحيل القضاء على حماس هناك التي يختلط جنودها باللاجئين”.
وقال بريك إن “حماس تتمتع في رفح بحرية الوصول إلى خان يونس، ومن هناك إلى شمال قطاع غزة عبر مئات الكيلومترات من الأنفاق المرتبطة ببعضها بعضا”.
وأكد أنه حتى لو دمر “الجيش” ألفا من مداخل الأنفاق فإن لدى حماس آلافا أخرى، “وبالتالي فإن التدمير الجزئي لا يؤثر فعليا على حركتهم في الأنفاق”.
ونصح جيش الاحتلال بإعادة النظر في مسار الحرب وتقييم طريقة القتال، والخروج من التجمعات السكنية الكثيفة، واتباع نهج الهجوم الجراحي بالطائرات المبني على معلومات استخباراتية دقيقة وبغارات برية فقط، وذلك بهدف الخروج من “الكابوس الذي لا فائدة منه”.
كما رأى أن “أعضاء الحكومة من اليمين المتطرف يعلنون ليل نهار أن القتال داخل قطاع غزة يجب أن يستمر بكل قوته حتى هزيمة حماس، بينما يتجاهلون الحقائق على الأرض ويعيشون واقعا زائفا”.
وأضاف “حسب فهمهم، فإن قطاع غزة يجب أن يبقى في أيدي إسرائيل سواء في الجانب الأمني أو في الجانب الإداري المدني حتى نهاية العالم، ومعنى هذا النهج هو أن إسرائيل ستقبل المسؤولية عن مليوني لاجئ، وعن كل كارثة تحل، وستقع أزمة إنسانية على أكتاف إسرائيل”.
وتابع: “بذلك سنخسر دعم العالم بشكل عام، ودعم الولايات المتحدة في الحرب، وسنخسر كل إنجازاتنا في الحرب التي دفعنا ثمنها باهظا حتى الآن”.
تآكل الإنجازات العسكرية