تقرير: وكالة الصحافة اليمنية
منتصف ليل الأربعاء، انتهت حالة الطوارىء رسميًا في تركيا، بعد عامين من تفعيلها عقب محاولة انقلاب عسكريين في الجيش في 15 يوليو 2016، لكن الرئيس رجب طيب أردوغان يبدو مُصممًا على قمع المعارضة.
صحيفة “الجارديان” عنونت تقريرها عن “ثقافة الخوف” التي تخنق تركيا، لافتة إلى مطالب نشطاء حقوق الإنسان لأنقرة بوقف حملته “الخانقة” لحرية التعبير.
ويرى منتقدو أن حالة الطوارئ استخدمت لاعتقال معارضي أردوغان وحكومته، لفترات طويلة دون محاكمة ولترهيب المعارضة ومحاكمة وسائل الإعلام.
ومنذ محاولة الانقلاب الفاشلة، التي أودت بحياة 250 شخصًا وإصابة 1400 آخرين، تم احتجاز أو استبعاد أكثر من 120 ألف شخص في دوائر الشرطة والجيش والأوساط الأكاديمية والإعلام والخدمة المدنية من وظائفهم، بدعوى صلتهم مع جماعة فتح الله جولن، وهو واعظ يعيش في المنفى (الولايات المتحدة)، ويُلقى باللوم عليه في تدبير الانقلاب.
فوتيس فيليبو، نائب مدير منظمة العفو الدولية في أوروبا، قال إنه “خلال العامين الماضيين، تحولت تركيا بشكل جذري مع تدابير طارئة تستخدم لتعزيز القوى الصارمة، وإسكات الأصوات الناقدة، وإبعاد الحقوق الأساسية”.
وأصاف: “رفع حالة الطوارئ بمفردها لن يؤدي إلى وقف هذه الحملة. إن المطلوب هو العمل المنهجي لاستعادة احترام حقوق الإنسان، والسماح للمجتمع المدني بالازدهار مرة أخرى، ورفع مناخ الخوف الخانق الذي اجتاح البلاد”.
وقالت الحكومة التركية بعد أيام من أداء أردوغان اليمين الدستورية كرئيس لفترة ولاية جديدة مدتها 5 سنوات بصلاحيات استثنائية جديدة غير عادية”، إنها لن تسعى بتجديد حالة الطوارئ.
بينما يقول معارضون إن استخدام الطوارئ تجاوز مزاعم ارتباط الانقلاب بفتح الله جولن، بعدما تم طرد أو احتجاز حوالى ربع قضاة تركيا، وإعادة تنظيم واسعة للسلطة القضائية، وسط مخاوف من أنها لم تعد مستقلة.
وأشارت “الجارديان” إلى أن الآلاف حُوكموا، وحُكم على العديد منهم بالسجن مدى الحياة، بعد إدانتهم بالتورط في الانقلاب، وتم تسليم 100 شخص إلى تركيا بناء على طلب جهاز الاستخبارات في البلاد.
كما أدى تصاعد القمع إلى المزيد من التوتر مع حلفاء أنقرة الغربيين، مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
ويوم الأربعاء، قضت محكمة في مدينة إزمير باستمرار احتجاز أندرو برونسون، وهو راع أميركي مُتهم بإقامة روابط مع جولن، في تحرك قد يستدعي تمرير الكونجرس عقوبات على تركيا. وهو ما وصفه مسؤول في اللجنة الأمريكية للحريات الدينية بأنها “سخرية من العدالة”.
طوارىء بنكهة “مكافحة الإرهاب”
مؤخرًا، قدم حزب العدالة والتنمية الحاكم مشروع قانون مثيرًا للجدل لمكافحة الإرهاب، سيحتفظ ببعض إجراءات حالة الطوارئ. مثلما يسمح لحكام الأقاليم المحليين بفرض حظر التجول أو جعل بعض المناطق محظورة على الجمهور، مما يسهل منع المظاهرات.
وتقول “الجارديان” إنه يبدو أن الحكومة مُصممة أيضًا على مواصلة محاكمتها للصحفيين والمعارضين.
بيلين آنكر، مراسلة اقتصادية في صحيفة “جمهوريت” المعارضة، أقدم الصحف التركية، يتم محاكمتها بسبب تقرير لها وزميل آخر، عن حصة أبناء رئيس الوزراء السابق، بن علي يلدرم، في شركات الأوف شور ذات الملاذ الآمن للتهرب الضريبي، التي كشفت عنها أوراق تحقيق “باراديس أو الجنة” الاستقصائي، الذي شارك فيه صحافيون من مختلف أنحاء العالم، وكان سببًا في اغتيال بعضهم، كالصحافية المالطية دافني كاروانا جاليتزيا.
وقالت بيلين: “في ظل النظام الجديد الآن، فإن جميع سلطات الدولة (في قبضة) أردوغان، ولا حاجة إلى (قانون الطوارئ)”.
وتعد تركيا أكبر سجّان للصحافيين في العالم، قبل الصين ومصر، باحتجازها أكثر من 120 صحفيًا منذ محاولة الانقلاب. وتمت مقاضاة صحافيين في صحيفة “جمهوريت” في العديد من القضايا، بما في ذلك رئيس التحرير الحالي، الذي استأنف ضد إدانته بالسجن 7 سنوات ونصف السنة.
كما رفع صهر أردوغان ووزير المال الجديد، بيرات البيرق، دعوى على صحافيين بسبب تقاريرهم عن استثمارات خارجية وردت ضمن مستندات تحقيق أوراق باراديس.
وهو ما أدانته منظمة “مراسلون بلا حدود” المدافعة عن حقوق الإنسان، مُعتبرةً أنه تهديد لقدرة وسائل الإعلام المستقلة على مواصلة الكتابة عن الفساد.
“وسائل الإعلام المستقلة حاليًا أقل من عدد أصابع اليد”، بحسب آنكر التي أكدت أن “الصحافة هي مهمتنا، لذا علينا القيام بها في جميع الظروف، حتى في مواجهة مثل هذا الإكراه والظلم”.
وسخرت “الجارديان” من حملة القمع، قائلةً “يبدو أنها تباطأت مع قرب انتهاء حالة الطوارىء”، موضحةً أنه قبل يوم واحد من أداء أردوغان اليمين الدستورية، تم فصل 18.600 موظف آخر بسبب صلاتهم المزعومة بالجماعات الإرهابية.
والثلاثاء الماضي، حُكم على أكاديميين وقعوا على عريضة تدعو إلى حل سلمي للنزاع مع (قادة) الانفصاليين الأكراد المسجونين حاليًا.
وفي وقت سابق، اعترض كمال قيلجدار أوغلو، زعيم أكبر كتلة معارضة (حزب الشعب الجمهوري)، في مؤتمر للحزب، على ما وصفه بـ “الديكتاتورية” وحكم الفرد.
لكن الحكومة قالت يوم الأربعاء إنها تجري تحقيقًا ضد أوغلو بتهمة “إهانة الرئيس”، وهو ادعاء يستخدم في كثير من الأحيان لتهديد النقاد الذين يقفون وراء الرسوم الكاريكاتيرية التي تسخر من الرئيس التركي، ويتم مشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي.
وذهبت “الجارديان” إلى أن الملاحقات القضائية المستمرة ربما تعطي تلميحًا إلى أنه رغم اطمئنان أردوغان إلى سيطرته على مقاليد السلطة ومفاصل الدولة، لن يحظى الكثير من المعارضين بـ”الراحة” قريبًا.
وقال سليم كان سازاك، وهو خبير تركي : “أعتقد أن حالة الطوارئ نالت غرضها، سياسيًا وعمليًا”، موضحًا: “المهمة تكاد تكون كاملة. مئات الآلاف تم التخلص منهم، بعضهم مقربون من جولن على ما يبدو، ولكن الكثيرين لا. والجدير بالذكر أن الجامعات والقطاعات العامة والإعلام وغير ذلك قد تم كبتها إلى حد كبير”.
المصدر: رصيف 22