هل تنجح خصخصة السيسي في علاج أمراض الاقتصاد المصري؟
تحليل : وكالة الصحافة اليمنية بعد عقود اقترنت فيها تجربة الخصخصة في مصر بتشريد آلاف العمال وإغلاق العديد من المصانع، تعود البلاد تحت ضغط صندوق النقد الدولي إلى هذه السياسية الاقتصادية مجددًا، وبتوجيهات مباشرة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تمضي الحكومة في طريقها لخصخصة عدد من الشركات والبنوك الحكومية؛ امتدادًا لسياسة انتهجتها حكومة رئيس […]
تحليل : وكالة الصحافة اليمنية
بعد عقود اقترنت فيها تجربة الخصخصة في مصر بتشريد آلاف العمال وإغلاق العديد من المصانع، تعود البلاد تحت ضغط صندوق النقد الدولي إلى هذه السياسية الاقتصادية مجددًا، وبتوجيهات مباشرة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تمضي الحكومة في طريقها لخصخصة عدد من الشركات والبنوك الحكومية؛ امتدادًا لسياسة انتهجتها حكومة رئيس الوزراء الأسبق عاطف عبيد مطلع تسعينيات القرن الماضي بتوجيهات من الرئيس المخلوع حسني مبارك.
موجة جديدة من خصخصة القطاع العام
في ظل مشكلات متعددة في الأوضاع الاقتصادية والمالية لمصر، تغيب الرؤية للإصلاح الاقتصادي، وتخرج الحكومة المصرية لتعلن تبني خطوات جديدة في إطار برنامج الخصخصة، تنال بعض البنوك والشركات الرابحة، حيث قررت بدء الخطوات التنفيذية لطرح المزيد من أسهم خمس شركات مملوكة للدولة في البورصة المصرية، كدفعة أولى تحت ضغط صندوق النقد الدولي.
يأتي ذلك في إطار برنامج الخصخصة الذي أعلنته الرئاسة المصرية في يناير/كانون الثاني 2016، ويرتبط بشروط قرض صندوق النقد الدولي للقاهرة، وهو ما لا تقوله الحكومة التي قررت مباشرة، منذ يومين، بدء الخطوات التنفيذية للبرنامج بطرح حصص من خمس شركات – مدرجة أصلاً في البورصة – هي: الإسكندرية للزيوت المعدنية “أموك”، والشرقية للدخان “إيسترن كومباني”، والإسكندرية لتداول الحاويات، وأبو قير للأسمدة، ومصر الجديدة للإسكان والتعمير.
ومنذ أن صدر الإعلان الأول عن هذا البرنامج مطلع 2016، لم تكشف الجهات الحكومية المعنية تفاصيل كافية، غير أن أبرز ما كشفته حتى الآن طرح حصص من 23 شركة من شركات القطاع العام في البورصة؛ لجمع 80 مليار جنيه، في مدى زمني يتراوح بين 24 إلى 30 شهرًا، وفي مقابل هذا التكتم، أصبح إعلان نجاح الحكومة في الحصول على قروض خارجية لدعم عجز الموازنة واحتياطي النقد الأجنبي الخبر الاقتصادي الأبرز.
وفي يوليو 2017 بدأت الحكومة المصرية الترويج لطرح أسهم الشركات المملوكة للدولة في البورصة، تحت شعار تنشيط البورصة وزيادة رؤوس أموال القطاع العام، لكن على عكس الحالات السابقة لبيع شركات القطاع العام، فإن عددًا كبيرًا من الشركات المطروحة اليوم تحقق أرباحًا، وتعدها الحكومة من نقاط القوة لديها، إذ تصل القيمة السوقية لهذه الشركات 430 مليار جنيه مصري، ويُنظر إلى هذه العملية كموجة جديدة من خصخصة القطاع العام، حتى وإن اختلفت طريقة البيع عن تجارب الخصخصة السابقة.
وسبق ذلك في أبريل/نيسان 2017، حيث أعلنت وزارة البترول المصرية الموافقة على طرح ما يصل إلى 24% من أسهم شركة “إنبي” للصناعات البترولية والكيميائية، إلا أن عددًا من المحللين والخبراء الاقتصاديين عارضوا هذه الخطوة، واعتبروا أن ما يحدث لشركة “إنبي” هو بيع لشركة مصرية ناجحة تشكل مصدرًا للعملة الصعبة، وعبّروا عن تخوفهم من أن يكون بيع هذه الشركة بداية لبيع باقي الشركات الناجحة والمملوكة للدولة مثل بتروجيت وصان مصر والإسكندرية للصيانة وشركة الحفر المصرية، وغيرها.
وكانت الحكومة قد قالت في مايو/أيار الماضي إنها ستطرح حصصًا من 4 إلى 6 شركات حكومية في البورصة في فترة تمتد من يونيو/حزيران 2018 وحتى مطلع 2019، لجمع ما بين 15 و18 مليار جنيه، على أن تُطرح الدفعة الثانية من الشركات المقرر بيعها خلال 2019، لجمع 30 إلى 40 مليار جنيه، ومن بين الشركات التي تستهدف الحكومة بيع حصص منها في البورصة: بنك القاهرة وبنك الإسكندرية وشركة الشرق الأوسط لتكرير البترول “ميدور” وشركة مصر للتأمين.
وعند النظر إلى الشركات المطروحة للبيع، نرى أنها شركات ناحجة وتحقق أرباحًا وتمتلك قاعدة سوقية ومالية ضخمة، فهي تشمل قطاع البنوك الوطنية الذي ستُطرح منه نسب مختلفة من ثلاثة بنوك، بالإضافة إلى واحدة من أكبر شركات التأمين في مصر، وهي “مصر للتأمين” التي تسيطر على 52% من السوق المحلي، كذلك ستُطرح نسبة من الشركة الشرقية للدخان “إيسترن كومباني” التي يبلغ رأسمالها المتداول في البورصة 1.5 مليار جنية مصري، وبلغت مبيعاتها 570 مليون جنية مصري العام الماضي.
ورغم قوة الشركات المطروحة، فإن البعض يشير إلى أن الطرح الجزئي، مع احتفاظ الحكومة بالنسبة الأكبر، وبالتالي إدارة هذه الشركات، قد يدفع المستثمرين للعزوف عن عمليات الشراء، ويقول المنتقدون إن الحكومة تفرط فيها من أجل مكاسب مالية مرحلية، بدلاً من تنفيذ إصلاحات هيكلية شاملة لتمكين القطاع الخاص وتحسين بيئة الأعمال وتعزيز الإنتاج المحلي وتوفير فرص العمل.
إعادة لتجربة مريرة في التسعينيات
بدأت الخصخصة في مصر عام 1991 مع صدور القانون رقم 203 الذي حدد قائمة تضم 314 شركة تعمل بالقطاع العام لخصخصتها، إلا أن السنوات الخمسة من مطلع الألفية الثالثة كانت الأكثر جرأة في بيع مشروعات قطاع الأعمال العام، حيث كانت آخر شركات حكومية أدرجت في البورصة عام 2005 حين طُرحت أسهم شركات المصرية للاتصالات وسيدي كرير للبتروكيماويات وأموك.
وحتى نهاية التسعينيات كانت الحكومة تعلن أن الخصخصة سوف تتوقف عند حدود المشروعات الإستراتيجية دون تحديد لمسميات أو قطاعات هذه المشروعات الإستراتيجية، ففي الفترة بين 1996و1998، تم إصدار مجموعة من التشريعات التي تنظم خصخصة مرافق عامة، لم يكن المصريون يتصورون خصخصتها، نظرًا لاعتبارات الأمن القومي مثل الموانئ والمطارات والطرق، ولكن هذا ما حدث بالفعل.
ثم كان القانون الخاص بالبنوك العامة الذي سمح للقطاع الخاص بالمساهمة في رؤوس أموال البنوك العامة، وكذلك القانون المنظم لخصخصة الهيئة العامة للاتصالات وتحويلها إلى شركة مساهمة، وتم بالفعل طرح نسبة 20% من رأس مالها للخصخصة، كما تم خصخصة شركة التليفون المحمول، ثم توالت عمليات الخصخصة لبنك الإسكندرية، ثم إعلان خصخصة بنك القاهرة نهاية، كما تم خصخصة بعض الخدمات في قطاع المواصلات مثل التصريح بعمل شركات النقل الجماعي.
وبعد 27 عامًا من انطلاق برنامج الخصخصة الذي لا يرتبط بذكريات طيبة في أذهان أغلب المصريين، يخشى كثير من المتابعين للاقتصاد المصري أن يكون البرنامج الجديد إعادة لتجربة التسعينيات التي نتج عنها إغلاق العديد من المصانع وتشريد آلاف العمال، كما اقترنت بقضايا فساد وتلاعب وتقارير عن ضياع مليارات الجنيهات من حصيلتها.
بحسب الصحفي المتخصص بالشأن الاقتصادي مصطفى عبد السلام فإن الحكومة الحاليّة تسير على خُطى حكومات مبارك عبر اتخاذ عدة إجراءات منها ما وصفه بالتفريط في أصول الدولة من خلال بيع أسهم الشركات، واللافت – وفق ما قاله عبد السلام للجزيرة نت – أن الحكومة ترفع نفس شعارات حكومات مبارك في تسويقها للخصخصة مثل تنشيط البورصة وزيادة إيرادات الشركات التي سيتم بيعها وزيادة إنتاجيتها وربحيتها.
وفي رصد لنتائج الخصخصة في عهد مبارك، أشار مركز الأرض لحقوق الإنسان في تقرير له إلى أن فسادًا كبيرًا شاب عملية الخصخصة خلال الفترة من 1991 حتى 2008، إذ بيعت 623 شركة مقابل 23 مليار جنيه، بينما أعلن رسميًا بيع 412 شركة مقابل 320 مليار جنيه، ولعل ما أثير في البرلمان المصري خلال دورة انعقاده في 2006، عن غياب نحو 13 مليار جنيه من حصيلة الخصخصة عن حسابات الحكومة، يقوي ما يثار من شبهات الفساد في صفقات الخصخصة.
أحدثت الخصخصة هزات في المجتمع المصري، كما ظهر جليًا في محافظة الغربية التي شرد الآلاف من عمالها، وفقدت الدولة العديد من الشركات التي كانت توصف بأنها قلاع صناعية، وسلّمت قطاعات بأكملها إلى شركات أجنبية مارست الاحتكار في السوق المصرية، كما حدث في قطاع الإسمنت.
وحقيقة الأمر أن مصر خصخصت قطاع الإسمنت بالكامل حتى وقع في يد القطاع الخاص، ومارس الأجانب عمليات احتكار بحق السوق المصرية، وفرض عليهم جهاز تنظيم المنافسة ومنع الاحتكار غرامة قدرها 200 مليون جنيه، وذلك في أغسطس/آب 2008، وهو مبلغ زهيد بحق عشر شركات تحقق أرباحًا طائلة تصل إلى نحو ثلاثة أضعاف تكلفة الإنتاج، فعندما كان طن الإسمنت يكلف نحو 200 جنيه، كان يباع في مصر بنحو 600 جنيه.
وكانت أكبر المساوئ الآثار الاجتماعية التي ترتبت على عملية الخصخصة مثل تسريح العمالة، وعدم توفير فرص عمل بديلة وعدم التفكير في استخدام حصيلة الخصخصة في مشاريع إنتاجية تفتح مجالاً لفرص عمل جديدة، وعدم استخدام حصيلة الخصخصة في أعمال بنية أساسية تفتح المجال لإقامة مشروعات جديدة.
بل إن أغلب حصيلة الخصخصة تم استخدامه في ثلاث مجالات، الأول برنامج المعاش المبكر للتخلص من العمالة الزائدة في شركات القطاع العام، والجزء الثاني للتخلص من بعض مديونيات شركات القطاع العام، أما الجزء الثالث فكان يضخ في الموازنة العامة للدولة التي أصبحت منذ بداية تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي استهلاكية، ولا تحظى فيها الاستثمارات سوى بنحو 9.5% من حجم الإنفاق العام.
أما في الوقت الراهن، فقد لا يحتاج الأمر إلى اجتهاد في قراءة الدافع لإقدام النظام على بيع بنوك وشركات رابحة، فليس هناك سوى أزمة التمويل التي تمسك بعنق صانع السياسة الاقتصادية في مصر، بسبب اعتماد سياسة تسيير الأمور يومًا بيوم، وغياب الرؤية والحلول الجذرية، والتركيز على الحلول المرتبطة بالجانب المالي أو النقدي وإهمال ما يتعلق بالإنتاج.
كما توضح أرقام المؤسسات الحكومية مظاهر هذه الأزمة بجلاء تام، فبعد مرور أكثر ربع قرن على بدء برنامج الخصخصة المصري، تشير بيانات وزارة المالية أن عجز الموازنة بلغ 12.5 مليار دولار خلال الفترة ما بين يوليو/تموز 2016 وفبراير/شباط 2017، كما تعاني مصر من معدل بطالة مرتفع كان قبل ثورة 25 يناير بحدود 10% بينما كان معدل الفقر 22%، ووصل معدل البطالة الآن إلى 13% بينما ارتفع معدل الفقر إلى 26%”.
ربع قرن بين ممارسات الفساد والتركيع
جاء برنامج الخصخصة في مصر – الذي طُبق مطلع التسعينيات – رضوخًا لشروط اتفاق صندوق النقد الدولي الذي نصح مصر منتصف التسعينيات بالخصخصة، ثم عاد ليطالب بتكرار السيناريو هذه الأيام مقابل الإفراج عن الشرائح المتبقية من القرض الذي وافق على منحه للقاهرة.
لكن الحكومة لا تقول إنها تتحرك تحت ضغط صندوق النقد الدولي الذي يقرضها 12 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات بدءًا من نوفمبر/تشرين الثاني 2016، ولا تقول إنها تلجأ للخصخصة لسد عجز مالي، بل تعلن أن هدفها تنشيط البورصة وزيادة رؤوس الأموال فيها وتطوير الشركات المستهدفة، وتلك هي نفسها المبررات التي اعتاد نظام مبارك الترويج لها.
بيد أن تقارير صحفية عدة تفيد بأن الخصخصة شرط من شروط صندوق النقد الدولي لصرف الدفعات الباقية من القرض، إذ إن الصندوق يدفع دائمًا في اتجاه تمكين القطاع الخاص وتخفيف سيطرة الدولة على النشاط الاقتصادي وكذلك تخفيف الأعباء المالية عن الدولة، بصرف النظر عن الآثار الاقتصادية والاجتماعية الجانبية.
ورغم أن الخصخصة نجحت في دول عديدة، فإن تلك السياسة في مصر يغيب عنها شرطان أساسيان: الأول أن تتم بموافقة صاحب هذه الأصول، وهو الشعب، أما الشرط الثاني، أن تتم الخصخصة في مناخ كامل من الشفافية، يضمن ألا يتسلل لها فساد، وهو ما لم يحدث على الإطلاق في فترة حكم مبارك التي شهدت ثاني أسوأ برنامج خصخصة علي مستوى العالم، بعد تجربة الخصخصة التي شهدتها روسيا في عهد الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين.
وبحسب الكاتب الصحفي المصري عبدالحافظ الصاوي، لا تكاد صفقة للخصخصة في مصر تخلو من شبهة فساد، ولعل القضايا المتعددة التي صدرت فيها أحكام من القضاء المصري ببطلان عقود خصخصة الشركات خير دليل، وقد قُدم أكثر من مسؤول إلى القضاء، وحكم بسجنه ودفع تعويضات، لكن القضية أن المردود الاقتصادي أو التنموي الذي تعللت به الحكومة عند الترويج للخصخصة لم يتحقق.
وعندما بيعت شركة إسمنت أسيوط، وكانت شركة رابحة، علل وزير الاستثمار آنذاك بأنه يجب ألا يُنظر إلى وضع الشركة من الجانب المحاسبي فقط، ولكن لا بد أن يؤخذ في الاعتبار الأبعاد الاجتماعية والبيئية، لأن الشريك الأجنبي سوف يدخل تكنولوجيا تقلل من معدلات الانبعاث الحراري.
الغريب في الأمر أنه رغم فشل تلك السياسة سابقًا، فإن الحكومة تلجأ إليها في مصر مجددًا، وهو ما يهدد بالعودة إلى سنوات من الفساد شابت حكومة عاطف عبيد رئيس وزراء مبارك (1999 إلى 2004)، وظلت على مدار خمس سنوات مدخلاً لكبار المسؤولين بالدولة والقطاع العام لسرقة المال العام ونهب أموال الشعب وتلقي الرشوة من كبار المستثمرين، مقابل تقليل قيم الشركات.
ورغم أن برنامج صندوق النقد ينطلق من فلسفة مفادها أن خروج الدول من النشاط الاقتصادي يعطي القطاع الخاص مساحات أوسع من المشاركة في التنمية، ومن جهة أخرى يخفف من الأعباء المالية عن الدولة، من تدبير استثمارات وتغطية الخسائر ورواتب العاملين وخلافه، إلا أن التجربة في مصر أسفرت عن واقع مختلف، حيث لا يزال القطاع الخاص عاجزًا عن الوفاء بمتطلبات التنمية في مصر.
المصدر: Noonpost