استراتيجية مخيفة يتعمّد كيان الاحتلال استخدامها منذ عقود طويلة ولكنها اليوم تظهر على شبكات الأخبار ومحطّات التلفزة ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل هستيري، استراتيجية “تدريب الأطفال” على حمل السلاح في مؤسسات الاحتلال التعليمية والعسكرية تُظهر بشكل جلّي أن الكيان الإسرائيلي لا يبحث عن السلام تحت أي ظرف لأن ترسيخ هذا الفكر الإجرامي الذي يحرّض على القتل في عقول الأطفال سيكون له آثار كبيرة على مستقبل هؤلاء الأطفال ولن يستطيعوا تقبّل الآخر كما هو الحال مع فلسطينيي 1948.
إرهاب الأطفال
“من شبّ على شيء شاب عليه” مثل عربي يضرب أطناب أذاننا منذ الصغر، وعلى ما يبدو أن الكيان الاسرائيلي لا يريد لأطفاله أن يتعاطفوا مع الفلسطينيين في حال مارست “إسرائيل” إجرامها ضد أطفال غزة أو سكانها في أي وقت من الأوقات وقصفتها بالطيران، بل على العكس سيكونون في قمة السعادة لكونهم تعلّموا في المدارس أن هؤلاء يريدون قتلنا وبالتالي علينا قتلهم قبل أن يفعلوا ذلك.
وكان مستغرباً جداً ومستهجناً لأغلب سكان العالم ما فعله الصهاينة خلال حرب تموز 2006، حين قامت السلطات الإسرائيلية بدفع الأطفال الإسرائيليين للرسم على الصواريخ التي يتم إطلاقها نحو لبنان، حيث أرسل هؤلاء الأطفال الصواريخ إلى أطفال لبنان الذين بدورهم أُرسلوا إلى بارئهم.
قبل حوالي ثلاثة أشهر ذكرت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، أن الإسرائيليين يشتكون دائماً من أن الفلسطينيين يثقّفون أطفالهم على الحرب، بينما في اليوم المفتوح لشرطة إسرائيل، “في عيد الاستقلال”، لم ينقص السلاح، وتدرّب الكثير من أطفال “إسرائيل” على سحب الزناد.
وتابعت الصحيفة بالقول، “وفي إطار احتفالات عيد الاستقلال نظّمت الشرطة يوماً مفتوحاً للزوار عرضت خلاله بعض قطع السلاح التي تستخدمها، وكانت ساحة كلية الشرطة قرب “بيت شيمش” تعجّ بالأهالي وأولادهم، وبين الحين والآخر كان الأطفال أبناء الخمس سنوات، يركضون نحو إحدى طاولات العرض حيث وضعت قطع الأسلحة”.
وأضافت الصحيفة “الكثير من الزوار وصلوا من المستوطنات، وقسم كبير منهم استغل المناسبة لمهاجمة الشرطة على خلفية التحقيقات مع نتنياهو، لكن الأولاد لم يهمهم التحقيق، بل بحثوا عن الإثارة وإطلاق النار، لا يهمهم سواء أفعل ذلك شرطي أم قاطع طرق، وكان إقناع الأطفال بارتداء لباس الشرطة هو الأكثر شعبية”.
وقبل عام من الآن ظهر في مقطع فيديو تداوله النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، رجال من الشرطة الإسرائيلية يقومون بتدريب مئات الأطفال من طلاب المدارس في المرحلة الابتدائية بمستوطنة “رمات هشارون”، على حمل السلاح وطريقة إطلاق النيران الحية على الفلسطينيين.
وذكرت صحيفة “هاآرتس” الإسرائيلية حينها، أن تدريب الشرطة الإسرائيلية للأطفال على حمل السلاح، جاء في إطار ما يسمى “يوم العلاقات بين المجتمع والشرطة”.
ولكي يعمّقوا حقد الأطفال تجاه الفلسطينيين قدمت الشرطة الإسرائيلية عند وصول تلاميذ المدارس إلى منتزه هشارون مع مدرسيهم، استعراضاً شمل كيفية السيطرة على فلسطيني، حيث قام أحد رجال الشرطة بتحذير التلاميذ من أنهم سيسمعون صوت إطلاق نار خلال العرض، وطلب منهم عدم الخوف، ثم قام 4 رجال شرطة من وحدة “يسام” وهي الوحدة الخاصة في الشرطة بالدخول راكبين على دراجات نارية وأطلقوا النيران الحية تجاه الفلسطيني، وبعد سقوطه على الأرض ترجّل رجال الشرطة عن الدراجات النارية، وواصلوا إطلاق النار عليه للتأكد من مقتله، حسبما تم توضيحه للأطفال.
تشجيع العنف وتلافي المشكلات الداخلية
تستخدم الإدارة العسكرية الإسرائيلية أسلوبا ممنهجاً يشجع الأطفال على العنف وعدم قبول الآخر، وفي هذا الإطار يرفض الباحث الإعلامي في “الجامعة اللبنانية” الدكتور علي رمّال استدراج الأطفال إعلامياً في مسألة الحروب، منتقداً ما فعلته “إسرائيل” حين دعت أطفالها إلى التوقيع على الصواريخ التي تمّ قصفها على لبنان، ويؤكد رمّال أن “المسألة تتعلق بالمناخ التربوي، إذ لا يجوز تسليم الأطفال هدايا الموت بعضهم لبعض، لضرورة عدم نزع حسّهم الإنساني، مهما كانت الظروف”، ويلفت رمّال إلى أن “إسرائيل قامت بتعبئة تربوية وحرّضت أطفالها على القتل، ليشعر هؤلاء بمتعة القتال حين يكبرون”، كما يؤكد أن “الأمر يختلف عند أطفال لبنان، فهم يكرهون إسرائيل ولكنهم يؤمنون بقضية محاربتها دون امتلاك نظرة شمولية تجاه الآخر، وخصوصاً أطفال إسرائيل”.
يضاف إلى ذلك أن الكيان الاسرائيلي يسعى لتشجيع الأجيال القادمة على الانخراط في الحياة العسكريّة، ولاسيّما في ظل الفرار الكبير الذي يشهده الجيش الإسرائيلي وتحديداً الوحدات العسكريّة، حيث تكشف التقارير العسكرية الإسرائيلية هروب الكثيرين إلى الوحدات التقنية.
لهذه الأسباب وغيرها تقوم السلطات الإسرائيلية بوضع برامج منظمة يتم من خلالها تلمذة الأطفال على كره الفلسطينيين وتشجيعهم على حمل السلاح وتدريبهم على مختلف أنواع السلاح، والقيام بتنظيم زيارات منتظمة إلى مواقع عسكرية ووحدات في الشرطة الإسرائيلية، كوحدة الكلاب البوليسية، ووحدة روبوتات تفكيك القنابل، ووحدة الموسيقيين.
وذكرت صحيفة “هآرتس” نقلاً عن أحد أولياء أمور الطلاب أن أبناءهم تلقّوا شرحاً حول الفرق بين القنابل الصوتية والقنابل الغازيّة السامة، بالإضافة إلى تعريفهم بوسائل قمع التظاهرات وفضّها إلى الاعتقال بالأغلال من خلال المشهد الذي مثلته الشرطة بواسطة تكبيل يدي أحد التلاميذ.
الوقت التحليلي