متابعات/وكالة الصحافة اليمنية//
مع مرور عام على حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل بدعم أمريكي مطلق على غزة، بات جليّا أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ليس لديه خطة قابلة للتنفيذ سواء لإنهاء الحرب أو للجهة التي ستدير القطاع، حال سيطر عليه.
الواقع أن الحديث يدور حول خطط إسرائيلية عديدة، لكنها لا ترقى لأكثر من بنود عامة، وفق خبراء ومحللين، مقابل الخطة الأساس لمقاومة غزة التي تسعى لإنهاء الحرب وترك شكل الحكم يحدده الفلسطينيون أنفسهم.
يضاف لتخبط نتنياهو الإستراتيجي، عجزه عن تحقيق أهداف الحرب التي رددها مرارا خلال العام؛ وهي “القضاء على (حركة المقاومة الإسلامية) حماس، وإطلاق المحتجزين بالقطاع، وضمان ألا تشكل غزة تهديدا لأمن إسرائيل”.
وتشن إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، حربا مدمرة على غزة، خلّفت أكثر من 140 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد عن 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال.
** خطط إسرائيلية عديدة
في 7 أكتوبر الجاري، وبالتزامن مع مرور عام على اندلاع حرب الإبادة بغزة، بدأ الجيش الإسرائيلي تهجير سكان بلدات بيت حانون وجباليا وبيت لاهيا شمالي القطاع إلى جنوبه، ما عدّته وسائل إعلام تطبيق غير معلن لـ”خطة الجنرالات”.
و”خطة الجنرالات” كشف عنها موقع “واي نت” العبري، في 4 سبتمبر/ أيلول الماضي، وتهدف إلى “تحويل كامل المنطقة الواقعة شمال ممر نتساريم (وسط القطاع)، أي محافظتي غزة والشمال، لمنطقة عسكرية مغلقة”.
الخطة أعدها عسكريون إسرائيليون سابقون، وتقضي بـ”إجلاء السكان خلال أسابيع قليلة، وفرض حصار على المنطقة، لدفع المسلحين بمدينة غزة للاستسلام أو الموت”، وفق صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية في 22 سبتمبر الماضي.
وفي اليوم نفسه، نقلت وسائل إعلام عبرية عن رئيس الوزراء الإسرائيلي، قوله خلال اجتماع للجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست، إن خطة الجنرالات “منطقية”، وإنها “واحدة من الخطط التي يجرى بحثها”.
إحدى تلك الخطط تحدث عنها نتنياهو خلال الاجتماع عينه، فقال إنها “كانت محاولة لتمكين العشائر في غزة، لكنها لم تنجح”، حسب صحيفة “إسرائيل هيوم”، وهي خطة واجهت رفضا واسعا من العائلات الفلسطينية.
وعن تفاصيلها، قالت قناة “كان” العبرية، في يناير/كانون الثاني الماضي، إن الخطة “تتضمن تقسيم قطاع غزة إلى مناطق تحكمها العشائر، وتتولى مسؤولية توزيع المساعدات الإنسانية وإدارة الحياة المدنية فيها لفترة مؤقتة (دون تحديد)”.
وكان نتنياهو، قد اعترف في يونيو/حزيران الماضي، بمواجهته عقبات لتنفيذ هذه الخطة، فقال في مقابلة مع “القناة 14” الإسرائيلية، إن “وزارة الدفاع حاولت بالفعل التواصل مع العشائر، لكن حماس قضت على المحاولات”.
خطة أخرى تحدثت عنها صحيفة “نيويورك تايمز”، في مايو/ أيار الماضي، نقلا عن مسؤولين إسرائيليين لما قالوا إنها “خطة غزة بعد الحرب”، تعرض خلالها إسرائيل تقاسم الإشراف على القطاع مع دول عربية إضافة للولايات المتحدة.
وقالت الصحيفة الأمريكية، في تقرير لها، إن “مسؤولين ومحللين عرب، وصفوا “الخطة الإسرائيلية لتقاسم السلطة بأنها غير قابلة للتنفيذ”، وأرجعوا ذلك إلى أنها “لا تخلق طريقا واضحا نحو إقامة دولة فلسطينية”.
الخطة الأقدم لنتنياهو منذ بدء الحرب، كشف عنها في 23 فبراير/شباط الماضي، وتقضي بـ”نزع سلاح” غزة، وإغلاق الحدود مع مصر، وتكليف “عناصر محلية” بالإدارة المدنية للقطاع، دون إقامة دولة فلسطينية.
قبلها، ترددت إعلاميا خطة لقيت قبولا أمريكيا، تنص على إسناد مسؤولية غزة للسلطة الفلسطينية بعد دعمها وتشكيل حكومة جديدة وتدريب قواتها الأمنية، حسب ما ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وفيما يكرر نتنياهو منذ بدء الحرب رفضه تسليم غزة إلى السلطة الفلسطينية أو حتى مشاركتها في الإدارة، ترى السلطة أن رئيس الحكومة الإسرائيلية يسعى لإبقاء حالة الانقسام بين الأراضي الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية.
وفي 10 أكتوبر الجاري، قالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، إن صمود الفلسطينيين بجباليا ورفضهم أوامر الجيش الإسرائيلي بالإخلاء يحبط تنفيذ ما تسمى “خطة الجنرالات” الهادفة لإخلاء شمال غزة من سكانه.
وأشارت الصحيفة إلى “إن صعوبة إجلاء الفلسطينيين دفعت القيادة الجنوبية بالجيش إلى فهم أن هذه العملية، على عكس العمليات السابقة التي استمرت من أسبوع إلى ثلاثة أسابيع، ستستغرق وقتا أطول ويمكن أن تصل إلى شهور عديدة”.
** “اللا خطة” الإسرائيلية
الانتقادات الموجهة لخطط نتنياهو، تركزت على أنها لا تعد خططا بالأساس، فهي لا توضح من سيدير غزة؛ إسرائيل أم العشائر أم ما اقترحته واشنطن بتسليمها للسلطة الفلسطينية، كما تتجنب الحديث عن دور الجيش الإسرائيلي.
ونفى تحليل لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي التابع لجامعة تل أبيب، وجود خطة إسرائيلية لما بعد الحرب في غزة، وقال إنها “تستمر دون أهداف سياسية واضحة أو إستراتيجية خروج”.
وقال التحليل، الذي أعده الباحث بالمعهد أودي ديكل، ونُشر في 10 أكتوبر الجاري، إن “الحكومة الإسرائيلية تواجه حتى الآن صعوبة في تحرير 101 محتجزا بالقطاع، أو صياغة إستراتيجية خروج لكل من جبهتي غزة ولبنان”.
ومنذ 23 سبتمبر الماضي، وسّعت إسرائيل نطاق حرب الإبادة على غزة لتشمل لبنان، بشن غارات مكثفة على عدد من مناطقه خاصة بيروت إضافة لتوغل بري في جنوبه، ضاربة عرض الحائط بتحذيرات دولية وقرارات أممية.
وفيما يتعلق بدور الجيش الإسرائيلي، قالت مجلة “بوليتيكو” الأمريكية، إنه حتى الخطط المطروحة “تحفظ لإسرائيل حق العمل العسكري في كافة أنحاء غزة مستقبلا”، بينما تتحدث عن “إدارة مدنية من مسؤولين فلسطينيين لم تحددهم”.
وأضافت “بوليتيكو”، في تقرير نشرته كبيرة مراسلي الشؤون الخارجية ناهال توسي، في 12 يونيو الماضي، أن خطط نتنياهو “غالبا ما تتجاهل دور الجيش الإسرائيلي في غزة على المدى البعيد”.
هذا الرأي أكده تصريح مبهم لمستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي عن “تفويض الحكومة للجيش لإيجاد قيادة محلية (فلسطينية في غزة) ترغب في العيش بجانب إسرائيل، ولا تكرس حياتها لقتل الإسرائيليين”.
وأضاف هنغبي، في يونيو الماضي، أن عملية إيجاد تلك القيادة المحلية، “بدأت في الجزء الشمالي من قطاع غزة، ومن المرجح أن نرى نتائجها في وقت قريب”، دون أن يوضح القيادة المقصودة.
كما “ترفض إسرائيل حتى النظر في مقترحات أخرى لمستقبل غزة”، حسب الباحث البريطاني ها هيلير المشارك في الدراسات الأمنية بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن (غير حكومي).
وأضاف هيلير، لشبكة “سي إن إن” الأمريكية، في أبريل/نيسان الماضي، أن “هناك الكثير من الخطط الموثوقة، ولكن بصراحة، لا شيء منها قابل للعمل بسبب حجر عثرة واحد؛ هو الإسرائيليون”.
** كابوس الحرب مستمر
ورغم تنقل نتنياهو بين “خطط” عديدة لما بعد الحرب في غزة، يرى خبراء أن الحرب نفسها باتت تمثل “كابوسا” للجيش الإسرائيلي الذي عانى من خسائر فادحة، وتسببت له تكتيكات “حماس” في أضرار جسيمة.
وقال المحلل البريطاني المختص بشؤون الشرق الأوسط أندرياس كريغ، إن “إسرائيل حققت عكس ما ترجوه، فبعد معاناة الفلسطينيين بغزة 12 شهرا من العذاب والمشقة، تعمقت فكرة المقاومة لديهم، وتأجج استعدادهم لها”.
وأضاف كريغ للأناضول، في 4 أكتوبر الجاري، أن “نظام الأنفاق التابع لحماس تحت غزة، لا يزال أكبر مركز ثقل عسكري، مع عدم قدرة إسرائيل على تدميره، أو كسب دعم السكان في غزة”.
يأتي هذا، في الوقت الذي تشير فيه تصريحات إسرائيلية وتقارير لوسائل إعلام أمريكية، إلى أن المقاومة الفلسطينية، تستعيد السيطرة على مناطق عديدة في قطاع غزة، بمجرد انسحاب الجيش الإسرائيلي منها.
وفي 6 أكتوبر الجاري، أطلقت إسرائيل عملية عسكرية في جباليا (شمال) بذريعة “منع حركة حماس من استعادة قوتها”، وذلك بعد ساعات من شن قواتها هجمة شرسة على مناطق أخرى شمالي القطاع، هي الأعنف منذ مايو الماضي.
ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز”، في 17 سبتمبر الماضي، عن القائد السابق لفرقة غزة التابعة للجيش الإسرائيلي اللواء غادي شماني، قوله: “حماس تستعيد البلدات في جميع أنحاء غزة بعد 15 دقيقة من انسحاب القوات الإسرائيلية منها”.
وأضاف شماني، أنه “رغم تقلص القدرات العسكرية لحماس بلا شك (بسبب الحرب المستمرة لأكثر من عام)، لكنها لا تزال تحتفظ بالسيطرة على غزة”، مؤكدا أن “حماس تفوز بالحرب، بينما تخسر إسرائيل”.
وفازت “حماس” بالانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006، وإثر انهيار حكومة وحدة وطنية سيطرت الحركة على غزة في 2007، وسط خلافات مستمرة مع حركة التحرير الوطني “فتح” بزعامة رئيس السلطة محمود عباس.
وأكد رئيس “حماس” بالخارج خالد مشعل، في 10 أكتوبر الجاري، أن إسرائيل كانت تطرح أنها مَن سيحكم غزة “ثم أدركت أنها مجرد نزوة”، مشيرا لسعي الحركة لتقريب مواقفها مع “فتح” وبحث مصير القطاع بعد انتهاء الحرب.
-
غزة/محمد الإمام/ الاناضول